في مقاله في "الحياة" الجمعة 2 تموز/ يوليو، قال الأستاذ موسى المزاوي عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة انه "ينص على حق الفلسطينيين الذين يودون العيش بسلام مع جيرانهم بأن يعودوا الى حيث كانوا يسكنون قبل قيام الحرب... وعلى حقهم في التعويض إذا لم يرغبوا في العودة". واذ احترم الطرح القانوني الذي تقدم به المزاوي، الا أنني وكواحد من فلسطينيي الشتات الذين يفترض ان يعالج هذا القرار موضوعهم، أرى أن اعتبار القرار 194 بمثابة مبدأ قانوني صلب للمطالبة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض... انما هو ضرب من التعلق بالوهم. ويتعزز هذا الاعتقاد إذا أخذنا في الاعتبار الحيثيات والظروف التي أحاطت باتخاذ هذا القرار ما يجعله أقرب ما يكون الى خدعة قانونية، تشبه الى حد كبير مقلب الصياغة اللغوية لقرار مجلس الأمن رقم 242. وارجو ان أشير ابتداء ان القرار رقم 194 ج3 الصادر بتاريخ 11/12/1948 لا يتحدث فقط عن التعويضات وحق العودة، بل هو في الأصل معني بتنفيذ وإقرار خطوات عملية لتدويل القدس بعد فقرات تؤسس لجنة توفيق وتحدد أعمالها، وتنص احدى فقراته 15 فقرة على الاعتراف بحق العودة أو التعوض للاجئين الذين يقبلون العيش بسلام مع جيرانهم من دون توضيح ما إذا كان المقصود هم اللاجئون من القدس وحدها أم من كل فلسطين. وربما يكون مفيداً الاشارة الى أن هذه الفقرة تتحدث عن "تعويضات" ينبغي أن تدفع عن ممتلكات أولئك الذين يختارون عدم العودة، أو عن أي فقد أو ضرر في الممتلكات، لكنها تربط ذلك بمبدأ المعاملة بالمثل، فما المقصود؟ إن القرار بهذا الشكل يمنح حقاً متساوياً لجميع اللاجئين، في العودة الى حيث كانوا قبل الحرب، والحصول على تعويضات، وهو في هذا لا يتحدث عن اللاجئين العرب وحدهم، وانما عن اليهود الذين انتقلوا من مدينة فلسطينية الى أخرى نتيجة للحرب. لذلك فهو يمنح أيضاً الحق لليهودي الذي كان يقيم في نابلس قبل الحرب أن يحصل على تعويضات وأن يعامل معاملة الفلسطيني الذي أجلي عن حيفا نتيجة الحرب. أليس هذا مثيراً للسخرية؟ ولادراك ما يهدف اليه هذا القرار من التفاف على حق العودة، فإن مقارنة النص الرسمي الذي تم إقراره بالنصوص التي اقترحتها الوفود المختلفة تعطي فكرة واضحة عما نقصده. وفي ما يلي النص الذي اعتمدته الجمعية العامة للفقرة 11، والنص الذي كان المندوب البريطاني اقترحه لهذه الفقرة ذاتها، على سبيل المقارنة وردت هذه النصوص وغيرها في كتاب "اللاجئون الفلسطينيون: مجموعة من وثائق الأممالمتحدة" الصادر باللغة الانكليزية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1970: - النص الرسمي المعتمد: "... تقرر أن اللاجئين الراغبين في العودة الى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم ينبغي أن يسمح لهم بذلك في أقرب وقت عملي، وان تعويضات ينبغي أن تدفع عن ممتلكات أولئك الذين يختارون عدم العودة أو عن أي فقد أو ضرر في الممتلكات". - نص الفقرة 11 في المشروع البريطاني مثلا: "... وتقرر أن اللاجئين العرب يجب أن يسمح لهم بالعودة الى منازلهم في أقرب وقت ممكن وأن تعويضات عادلة يجب أن تدفع عن أملاك اولئك الذين يختارون عدم العودة وعن الأملاك المفقودة نتيجة الحرب". إن مقارنة النصين أعلاه توضح ببساطة لماذا عملت الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني على الضغط بقوة لإقرار النص الأول الذي يختلف في النواحي الآتية: - عدم تحديد هوية اللاجئين، فلكل منهم الحق في العودة الى الأماكن التي غادرها بسبب الحرب، وفقاً للقرار الأميركي، ما يعني أيضاً وحسب الواقع آنذاك منح اليهود الذين غادروا مدن الضفة الغربية بسبب الحرب حق العودة اليها و/أو التعويض. هذا طبعاً على افتراض ان القرار يتحدث عن كل اللاجئين، وليس لاجئي القدس وحدهم كما يوحي السياق العام للقرار. - تقييد حق العودة بالقبول بالعيش بسلام مع "الجيران" والمقصود بهم في الجانب العربي هم المحتلون اليهود، والأصل ان حق العودة ينبغي أن يكون حقاً غير مشروط ما دام أن التشرد تم نتيجة للحرب. - تمييع مفهوم التعويضات، فلا الجهة التي ينبغي أن تدفع التعويضات تم تحديدها، ولا تم اشتراط ان تكون تعويضات عادلة، وكذلك تمييع وقت العودة بين "عملي" أو "ممكن"، اضافة الى ربط التعويض بالمعاملة بالمثل. وواضح ان لا نية حسنة وراء مثل هذا التمييع. ان هذا القرار تحديداً لا يمثل القاعدة القانونية السليمة التي يجب ان تبنى عليها اي مطالبات بخصوص اللاجئين الفلسطينيين ككل، وان كان من الممكن ان يمثل قاعدة سليمة لمخاصمة قانونية تتم على اساس فردي او خاص بمجموعات محددة. على انه من نافلة القول التذكير انه لا هذا القرار، ولا حتى القرارات التي نشأت في أعقاب حرب حزيران يونيو تغطي بعض تعقيدات قضية اللاجئين الفلسطينيين التي نشأت في الفترة من 1948 وحتى 1967. وسأشير الى بعض الأمثلة للتوضيح: ففي عام 1952، قرر بن غوريون البدء بتطبيق حملة تهويد بدو النقب. وطلب من البدو تسليم اولادهم للجيش الاسرائيلي للانضمام لمدارسه. وأنذر الرافضين بعقوبات مشددة او الترحيل. فقررت غالبية بدو النقب الرحيل واللجوء اما الى الأردن او مصر فرض على الباقين حصار عسكري وتمويني استمر حتى 1965، بعد ان أوقف شاريت مشروع تهويد البدو. ترى أي قرار دولي يشمل هؤلاء؟ خصوصاً وأنهم من ناحية قانونية "مضحكة" كانوا أصبحوا في ذلك الوقت مواطنين مسجلين في "دولة اسرائيل". وهنالك حالة مشابهة تتمثل في اللاجئين الذين غادروا قطاع غزة نتيجة عدوان 1956 وتوجهوا عبر الصحراء الفلسطينية الى الأردن وبقوا هنالك حتى الآن! …. ومن المفيد التذكير بالمفهوم الذي يتم التعامل على أساسه لتعريف اللاجئين الفلسطينيين والذي يحصرهم بالمسجلين لدى "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" أنروا إذ كيف سيتم التعامل مع حالة اللاجئين الفلسطينيين الذين انتقلوا للأردن، وانضموا للجيش الأردني، ولا تزال الانروا ترفض تسجيلهم كلاجئين … ومثل هؤلاء اولئك الذين هاجروا الى دول الخليج العربي واميركا اللاتينية، ولم يتم تسجيلهم. ان ثمة قواعد في القانون الدولي والاتفاقات الدولية المتعلقة بنتائج الحرب يمكن من خلالها معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين بمراحل اللجوء المختلفة، بشكل قانوني اكثر قوة من القرار 194 الذي يبدو انه كان ولا يزال مجرد فخ لا أكثر. هذا بالطبع اذا افترضنا ان المسار الحالي للتفاوض سواء بصيغة مدريد/ اوسلو أو حتى بصيغة كامب ديفيد يمكن ان تؤدي الى شيء. جهاد عبدالله كاتب فلسطيني