مات لاري روز فجأة، فيما كان ينظف مرآبه في احد الايام المشمسة، جاء موته صدمة كبيرة لبعض الناس حول "ماركت فولز"، فرمونت، وهم الذين عرفوه جيداً وزاروا البيت في ذلك المساء لمواساة ساره، صديقته، واحضروا لها الطعام الذي تضمن الخبز والسمك الأبيض المقدد وسلطة الغاربانزو - إحدى اكلات لاري المفضلة - على رغم أنه لم يكن نباتياً كان نباتياً لبعض الوقت الاّ انه سرعان ما توقف. ونشروا الاطباق على الطاولة التي كان لاري صنعها من ملفاف هائل، واستقرت ما بين البيت الاصفر الصغير والمرآب. ومن ثم جلسوا حولها وراحوا يتحدثون بأصوات خافتة عن الرجل الذي عرفوه قبل ساعات قليلة انحنى الى الامام وهوى على الارض الاسمنتية التي كان يكنسها. ولاحظوا أيضاً ان طاولته كانت مائلة. اتفقوا على أنه لا بد أن الموت كان صدمة كبيرة للاري نفسه، إذ كان في الثالثة والاربعين ولم يكن في صحة سيئة، هذا إذا كان قد احس بنفسه وهو يموت، وهو ما أمِلت به ستار شقيقة ساره. اذ انها شعرت بأن لحظة من الادراك، ثانية خاطفة، ستمكن رجلاً ميتاً، حتى وان هوى الى الامام، ان يبرم سلامه مع العالم. ستار، واسمها الحقيقي ستارفلور، قالت: "للدماغ قوى لا يمكن فهمها تقريباً، واظن انه في لمحة بصر خاطفة يمكن ان تغادر هذه الحياة وتندفع الى الثانية، واشعر بأن لاري أراد ذلك. لكن بعضهم الآخر أمل بأن يكون الأمر حصل فجأة، من دون ان يعرف، لأنه كان متشبثاً بالحياة. "عندما ارحل، اريد ان اذهب هكذا... بانغ!" قال ستان، صديق لاري المفضل، او هذا ما اخبر ساره به - اذ انها لم تكن تعرف ستان، فهي ولاري كانا معاً لاسابيع قليلة فقط. كانت ساره متلفعة بروب شانيل ابيض، هدية من لاري، وعلى رغم ان عينيها كانتا حمراوين إلاّ أنها بدت هادئة وظريفة. طفلا لاري، انجيلا واندرو، كانا بمعية زوجته السابقة، جيسيكا، في بوسطن، وكانت ساره ازمعت على اخبارهما في الصباح التالي" "اعتقد انه من الافضل ان تسمع اخباراً كهذه في الصباح عندما يكون لديك احساس اقوى بالحياة... أنا شخص صباحيّ". لم يمكث اصدقاؤه طويلاً. إذ أن ساره كانت على غير عادتها، بالاضافة إلى أن الجو كان مثيراً للكآبة. فكرت ستان: كيف تموت وانت تنظف مرآبك وسط كومة من الادوات الصدئة، وقطع دراجة نارية، وأشياء مهيأة لاعادة السبك بعض الدمى البلاستيكية الصغيرة البائسة، وبعض القرع الفاسد من الخريف الماضي، واربعة او خمسة من مشاريعك غير المكتملة بما فيها كرسي هزاز متهاوٍ ومقعد كنت شرعت بصنعه قبل ثلاثة أعوام. كان من المثير للحزن ان تجلس على شرفة لاري التي كانت، بصراحة، قبيحة المنظر، ومبنية من ثلاثة ارباع البوصة من الخشب، وتنوء بثقلهم. لماذا لم يتعلم شغل العوارض الخشبية؟ على أي حال كان كل واحد صمم على تشييعه بما يليق. جلست ستار وساره لكي تطلبا أرقام الهواتف التي كان لاري خطها على الحائط بجوار الهاتف في المطبخ، ولكي تدعوا الناس الى الجنازة: "آسفة أن أبلغك بهذا الأمر" قالت ستار لأحد الذين اجابوا. وكان الرجل على الطرف الآخر صامتاً. ثم قال: "لاري... لاري... لاري؟ أهو ذاك الرجل الضئيل ذو الحذاء الكاوبوي الذي ينام في"اليشفي الشيفورليه"؟ وكان لاري لعقد من الزمن بعدما طلق جيسيكا عام 1972، تنقل هنا وهناك، وقام بأعمال شتى والتحق ب"سكاي فاملي"، وهو عمل جماعي. الآن، بعد أعوام قليلة، ليس ثمة كثيرون من أفراد "سكاي" يتذكرونه. ربما لأنه كان ثمة اهتمام بالبحث عن هويات جديدة في ذلك الوقت. كانت "العائلة" تؤمن بأن إعادة تسمية نفسك كل يوم هي السبيل لتحقيق أحلام الحياة، وكان هذا التقليد يشغل جلّ الصباح في بعض الاحيان: التأمل تحت شجرة، او في السيارة، أو أعلى الشجرة طلباً لمعرفة الاسم الحقيقي للمرء في ذلك اليوم، وسعياً الى تحرير نفسه من التصورات المسبقة مثل لاري، او جانس، او ستانلي، ولكي يجد الكلمة الواحدة التي تعبر عن طموحاته على الوجه الابلغ مثل رادينس او بير او فينوس، ومن ثم تتنقل مقدماً نفسك الى الآخرين الذين كان على بعضهم ان يعرف: لماذا قررت ان تكون كاليفورنيا او بيتشس او بريلو؟ وعلى هذا فإن اسم لاري روز لم يكن ذا صدى عام. "لا" قالت ساره لإمرأة ظنت ان لاري كان شاباً تذكرته من رحلة الى المكسيك، "كلا لم يكن كذلك ابداً. لا بد انك تفكرين بشخص آخر. لاري شخص لطيف جداً، رقيق جداً وحريص- اعني انه كان كذلك، فهو الآن ميت، بالطبع". لم تكن ساره في "سكاي فاميلي"- كان ذلك حين كانت لا تزال طفلة - لهذا فإنها راحت تفتش في اغراض لاري بحثاً عن صورة قديمة له لكي يمكنها وصفه لاصدقائه القدامى. وبينما كانت تنبش في صندوق اوراقه الكرتوني عثرت على وصيته مطبوعة على ثلاث صفحات من الورق الاصفر. بينّت الوصية ان لاري كان يفكر في الموت كثيراً. لم يرد جنازة، بل "احتفالاً"، أما بالنسبة إلى جثمانه، فقد طلب ان يحرق وان يُقسم رماده ويودع في مغلفات بنية تُرسل بالبريد هدايا إلى ناس كان يحترمهم، منهم كتّاب وفنانون ومعلمون ومتدينون ونجوم الروك - المئات منهم. كان ينبغي ان يُدعى هؤلاء الناس الى "احتفال الحياة" أيضاً وان يمنحوا فرصة الاداء او الكلام "اذا شاؤوا ذلك، فالأمر يعود اليهم وحدهم، ولا ينبغي لاحد ان يتفوه سوءاً بحقهم ما لم يفعلوا، اذ لربما شاؤوا ان يجلسوا ويرتاحوا ويكونوا جزءاً من الحشد" وكذلك الأمر بالنسبة إلى عائلة لاري من جماعة "سكاي" المنتشرة عبر اميركا، وكل واحد في "ماركت فولز" وإلى السائقين على "هاي واي 7". كان على اصدقائه ان يوقفوا السيارات في يوم الاحتفال ويسلموا ركابها دعوات مطبوعة تبدأ ب"عزيزي المسافر الرجاء أن تصرف لحظة واحدة في مشاركتنا الاحتفال بكائن آخر؟" وكان من المتوقع من الاصدقاء ان ينظموا الاحتفال الذي سيكون "شكلاً طليقاً من الالتفاف الجماعي غير المحزن للباقين لكي يتقاسموا الطعام والالعاب والموسيقى ولتبادل التذكارات..." كان يجب ان يقام الاحتفال في الريف في دغل من الاشجار قرب النهر. وكان هناك المزيد في ما يتعلق بواجبات الاصدقاء: ان يتقاسمو الذكريات عن لاري، وان يأخذوا على انفسهم عهداً بمواصلة حياته في حياتهم، وان يرعوا بعضهم بعضاً وان يكونوا سعداء... بيد ان عقل ساره سرح نحو اسئلة اكثر عملية: من كانت تعرف ممن لديه ملكية في الريف ومن سيقبل ان يستضيف حفنة من المخيمين لأيام قليلة، بعضهم سكارى ولدى معظمهم كلاب كبيرة؟ * * * بعد يومين، حضر حوالي عشرين شخصاً مراسم الدفن في كنيسة روتمان. كانت مراسم محزنة، بعضهم بكى، الاّ ان القس لفظ اسم المتوفي لورنس روزي، مثل النبيذ، فانفجروا ضاحكين. ثم وقف ستان لكي يؤبنه. وعلى رغم انه كان صديق لاري الاقرب، الاّ انه كان بمثابة البديل لساره ولكن ستار ذهبت الى مونتريال بصحبة لاعب كرة سابق يُدعى روي. "هناك الكثير مما يمكن للمرء ان يقوله عن لاري ويصعب عليه ان يعرف من أين يبدأ" قال ستان، "انه لمن العسير ان تُخبر قصة واحدة عن لاري وتهمل المئات غيرها. كان رجلاً صالحاً، لكنكم تعرفون ذلك والاّ لما كنتم هنا. كنت اتمنى ان يكون لدينا متسع من الوقت لكل واحد لنتقاسم ذكرياته عن لاري، اعلم ان ذلك سيكون شيئاً رائعاً، ولكن لربما ينبغي ان نقف لحظة صمت وان يعمد كل واحد منا الى تذكره بطريقته الخاصة". تذكرت سارة الصباح الذي خرج فيه لكي ينظف المرآب. كان قد تناول فنجاناً من القهوة وفطيرة نخالة، دخن سيجارة "بول مول" اخرى وقال: "ضقت ذرعاً بكل سقط متاعي. ما زلت احتفظ بهذه الاشياء ولا اعرف لماذا؟" كانت هذه هي الكلمات الاخيرة التي سمعته يقولها. فكرت بأن طريقة موته لم تكن وضيعة، ان تحاول استخراج حياتك من تحت الحطام. ولو انه عاش لفترة اطول لكان رمى بوصيته الغبية أيضاً. احست بالذنب قليلاً لأنها لم تُقم "الاحتفال" ولكن ليس بالمقدار الذي توقعت ان تحسه. استغرقت المراسم عشرين دقيقة فقط، وبعد معانقات ومصافحات قليلة على قارعة الطريق، ذهب كل واحد في حال سبيله. اخذت ساره انجيلا واندرو الى الغداء، ومن ثم حملتهما جيسيكا من البيت. اعطتهما ساره بعض خواتم لاري وزوجاً من قبعاته القديمة. في اليوم التالي جاء عامل التنظيفات وافرغ المرآب من كل ما فيه. عرضت سارة البيت للبيع. اخبرها محام بأنها مستحقة لجزء من تركة لاري، على رغم ان الوصية كتومة في موضوع الأمور المادية. ونصحتها بائعة العقارات بأن تتخلص من الشرفة، وبعد اسابيع قليلة كان المكان ملتفاً بالعشب الاخضر.