عندما اجتمع الحلفاء الثلاثة الكبار خلال الحرب العالمية الثانية في بوتسدام ابتداء من يوم 17 تموز يوليو 1945، وحتى الثاني من آب اغسطس من العام نفسه، كان اجتماعهم هذه المرة اجتماع المنتصرين. فالحرب العالمية الثانية كانت انتهت في أوروبا باستسلام المانيا وسقوط ايطاليا وانتهاء زعيميهما. واليابان كانت في طريقها الى الاستسلام بعد أيام قليلة. غير أن الرئيس الأميركي هاري ترومان كان يخبىء لزميله السوفياتي ستالين "مفاجأة"، سرعان ما تبين أنها لم تكن كذلك بالنسبة لسيد الكرملين: المفاجأة كانت ان الولاياتالمتحدة، في اليوم السابق تماماً لافتتاح الاجتماع كانت أجرت أولى تجاربها النووية بنجاح، وباتت مستعدة لاستخدام ذلك السلاح الخطير حين يتبدى ذلك ضرورياً وهو سيتبدى كذلك حين سيقصف الأميركيون مدينتي هيروشيما وناكازاكي بعد اسبوع من ارفضاض مؤتمر بوتسدام. الدول المتحالفة المجتمعة في بوستدام كانت هي هي: الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا، لكن اثنين من زعمائها كانا قد تبدلا: هاري ترومان حل مكان فرانكلن روزفلت الذي كان مات قبل فترة، وكليمانت أتلي حل في بريطانيا محل ونستون تشرشل الذي اسقطته الانتخابات النيابية. وحده ستالين كان الباقي من زعامات الحلفاء. ووحده كان يعرف كيف يتعامل مع الحليفين، بحيث أن لقاء بوتسدام سرعان ما اعتبر انتصاراً شخصياً له. فمن ناحية المفاجأة النووية الأميركية، سرعان ما فهم الأميركيون ان ما اعتقدوه سراً خفياً كان سبق له أن تناهى الى علم ستالين. ومن ناحية المخططات لما بعد الحرب، كان ستالين الأكثر تصلباً، هو الذي كان يعتبر انتصار بلاده على الغزو الهتلري، صاحب الفضل في هزيمة النازيين وتحرير العالم منهم. وخلال ذلك اللقاء كان هذا كله ماثلاً، وكان لا يمكن لاتلي وترومان أن يخفيا مخاوفهما إزاء تصلب ستالين. فالحال ان هذا الأخير كان يستند في مواقفه الى واقع أن قواته كانت توغلت كثيراً داخل الأراضي البولندية والألمانية. وهذا ما شكا منه الرئيسان الأميركي والبريطاني اللذان لفتا نظر سيد الكرملين الى أنه فعل ذلك من دون اخطارهما بالأمر مسبقاً. وكان هذا الأمر في حد ذاته كافياً للكشف عن أن ضروب التفاهم والتقارب التي كانت برزت في اللقاءات التي عقدت قبل انتهاء الحرب، أصبحت جزءاً من الماضي في وقت لم يعد فيه أمر مثل اقتسام النفوذ، ولا سيما في أوروبا الوسطى والشرقية، مسألة نظرية بل مسألة عملية وبنود في برنامج عمل محدد. من هنا كان هم ستالين خلال الفترة الفاصلة بين مؤتمر يالطا ومؤتمر بوتسدام، تسجيل نقاط والتوغل في بلدان يريد ضمها الى كتلته. وكان شعاره تلك العبارة التي تفوه بها في لحظة غضب خلال لقاء بوتسدام حين كان يتحدث عن بلدان أوروبا الشرقية فقال: "ان أية حكومة تنتخب بشكل ديموقراطي ستكون بالضرورة حكومة معادية للسوفيات وهو أمر لا يمكننا أن نسمح به". وكان هذا الكلام واضحاً وحاسماً من قبل الزعيم السوفياتي الذي كان من الواضح أنه "يرفع السعر". وكان كلاماً جديداً. ومن هنا ما اعتبره زميلاه البريطاني والأميركي من أن ستالين لم يعد يحترم اتفاقيات يالطا. أي التقسيم الذي كان تم الاتفاق عليه في يالطا، لكنه بالنسبة الى ستالين لم يعد قائماً الآن، على ضوء المعطيات الجديدة. هذه المعطيات كانت تلك التي عبّر عنها افريل هاريمان قبل اللقاء بأيام، وحين بدأ الغرب يقلق إزاء ممارسات القوات السوفياتية في أوروبا الشرقية والوسطى، قائلاً: "ان ما يقلقني أكثر من أي شيء اخر هو واقع انه حين يبدأ بلد ما بتوسيع رقعة نفوذه مستخدماً القوة خارج حدوده، بحجة ضمان أمنه، يصبح من المستحيل تحديد خط يتوقف عنده ذلك التوسيع". كان من الواضح أن ستالين يحاول تبديل المعطيات الجغرافية. وكان البريطانيون والأميركيون غاضبين. وكان اغضب ما يغضب الأُولَ هو ما يرونه من أن القوات السوفياتية راحت تمنع قواتهم البريطانية من احتلال المناطق المخصصة لها في النمسا. على أية حال وعلى رغم الخلافات والصعوبات التي برزت من خلال تصلب ستالين، مقابل محاولة ترومان واتلي الالتفاف عليه، لم يكن كل ما أسفر عنه مؤتمر بوتسدام "سيئاً" بالنسبة الى الحلفاء الثلاثة معاً: على الأقل تمكنوا من التوافق حول المسألة الألمانية، اذ قرروا أن المانيا سوف تكون منزوعة السلاح وسوف تقسم. في المقابل أكد ستالين انه يستعد الآن للهجوم على اليابان لكي يساعد الولاياتالمتحدة في حربها هناك. يومها شكره ترومان على هذا، لكنه لم يقل له أنه لن يكون بحاجة الى تلك المساعدة، حيث انه قرر أن يدع للقنبلتين الذريتين ذلك الدور في الصورة: ستالين يحيي الحرس البريطاني في بوتسدام.