يعتقد النائب الثاني للسكرتير العام للأمم المتحدة المدير التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والمركز الدولي لمنع الجريمة بينو أرلاكي "ان في لبنان وإلى درجة معينة جرائم تتعلق بتجارة المخدرات وبتكرير المورفين والأفيون الذي يهرّب اليه من تركيا، في معامل صغيرة موزعة في مناطق لبنانية مختلفة، وخصوصاً في وادي البقاع"، معتبراً في حديث الى "الحياة" ان عمليات التكرير "تجنى منها ارباح وأموال لمصلحة منظمات إجرامية"، ومشدداً على ان "لا بلد في العالم خالياً من عمليات تبييض الأموال". أرلاكي الذي يواصل جولته في المنطقة، محطته الأخيرة القاهرة بعد بيروت حيث التقى أول من أمس رئىس الجمهورية إميل لحود وعمّان وتل أبيب وغزة إستبعد أي مساعدة مشروطة إلى لبنان برفع السرية المصرفية أو بعملية السلام. لكنه شدد على "ضرورة استباق السلام الآتي الى المنطقة كي لا تأخذنا المافيات على حين غرّة فيصبح تهديدها لحكومات المنطقة مماثلاً لتهديد الحرب"، مشيراً الى "ان المافيات في الشرق الأوسط استبقت معاهدات السلام بزمن بعيد وعقدت سلامها الخاص في ما بينها". وقال أرلاكي "ان ذاكرة زراعة المخدرات في لبنان يجب أن تمحى، وعلينا فتح صفحة جديدة، ومساعدتنا كأمم متحدة للبنان ليست لمنع زراعة المخدرات، فأنا متأكد انها لن تعود في اي شكل من الاشكال، انما هدفنا مساعدة المزارعين لأنهم يستحقون المساعدة فهم ديناميكيون وناشطون ويحتاجون فقط الى الدعم للإنطلاق، ثم يتولون أمورهم بأنفسهم. ونحن في برنامجنا خصصنا بضعة ملايين من الدولارات نستطيع من خلالها تأمين دفعات تصل الى 1500 دولار تسليفات صغيرة وقد اعاد ما نسبته 60 الى 70 في المئة من الناس الأموال التي استلفوها ونحتاج الآن الى توسيع البرنامج لإتاحة المجال امام الناس لتعزيز خياراتهم". ورأى أرلاكي "ان لبنان ليس مستعداً لرفع السرية المصرفية على رغم ان المدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم كان إيجابياً ويعتقد تماماً كما الأممالمتحدة ان السرية المصرفية تعيق التحقيقات في مجالي المخدرات والجرائم، فنحن لا نحب ان نرى منطقة في العالم تشكل حصانة للمجرمين، لكن المسألة في لبنان حساسة. فالمسؤولون فيه يعتقدون أن الازدهار الاقتصادي مرتبط بالسرية المصرفية، وأنا أعتقد ان علينا البحث في عمق هل هذه الفكرة صحيحة ام لا. فثمة بلدان اخرى رفعت فيها السرية المصرفية لم يعانِ اقتصادها، بل على العكس كان لذلك فائدة، إذ ان اقتصادها بات اكثر شفافية ولأن المال الوسخ غادرها وفي المقابل دخلتها اموال نظيفة وكثيرة، والمسألة تبقى مطروحة للمستقبل ولمزيد من المناقشة". ويعتقد "ان اسرائيل هي السوق الاكبر للمخدرات في الشرق الاوسط لجهة عدد المدمنين وحجم السوق الاقتصادي". وقال "ان دخل الفرد المرتفع في اسرائيل يجعل ثمن المخدرات مرتفعاً جداً اكثر من اي بلد شرق اوسطي، لذلك يعتبر نقطة اجتذاب لكل تجار المخدرات، والمسؤولون الاسرائيليون قلقون جداً من هذه التجارة ومن تبييض الأموال ويعدّون مشروع قانون في هذا الشأن لتقرّه الكنيست نهاية العام الجاري، وسنقدم مساعدات فورية الى هذا البلد لمساعدته في ايجاد التشريع لمكافحة تبييض الاموال ومساعدات تقنية لخفض حجم هذه العمليات". وإذ يعتبر أرلاكي "ان غزّة لا تزال جنين الدولة الفلسطينية"، يقول "ان الخطورة ان فلسطين الحلم عندما تتحول الى دولة من دون بناء مؤسسات قوية قادرة على تنظيم كل الديناميكية الحالية، ستعاني متاعب جمّة في ما يتعلق بالجرائم والجرائم المنظمة وتعاطي المخدرات والمتاجرة بها والفساد وتبييض الاموال". ويعتقد "ان السلطة الفلسطينية تدرك هذه الاخطار وتوافق معنا على ضرورة بناء مؤسسات عامة قوية وقضاء قوي وملاحقات قضائية قوية وشرطة اقوى ووضع إجراءات وموانع لمكافحة الفساد لتلافي اي تهديد جدي، وبالتالي نعتقد ان بناء السلام سيكون اكثر صعوبة". في ضوء ما تقدم يرى المسؤول الدولي "ان مكافحة الجريمة والمخدرات مسألتان يجب ان يحصل عليهما اجماع والإسرائيليون مقتنعون بهذا الأمر. وعلينا ألاّ ننتظر حصول السلام للبدء بالمكافحة. والمطلوب تعاون فوري لأن المافيات المختلفة في هذه المنطقة عقدت السلام منذ زمن بعيد وتعمل يداً بيد وبتعاضد كامل ضد حكومات المنطقة ولا تأبه للصراع السياسي القائم فيها. انها تجني الأموال وتعيش متحدة وفي سلام". أرلاكي الذي اعترف بأن من أحد أهم أسباب جولته على المنطقة هذه المسألة، قال "أنا هنا لأعمل مع الحكومات لبناء الإجراءات التي تحتاج إليها حتى إذا حل السلام، وسيحلّ، لن نؤخذ على حين غفلة. المنظمات الإجرامية سبقت الحكومات إلى السلام ومتى حل السلام ستصبح هذه المنظمات مرئية وسنرى مدى التهديد الفظيع الذي تشكله للجميع في الشرق الأوسط. ونعتقد أن المنظمات الإجرامية والإرهابية تعمل في بعض الأحيان معاً". وخلال عرضه ما تقوم به المافيات، قال "ان المافيا الإسرائيلية والمافيا الفلسطينية تعملان بجهود مشتركة في ما يتعلق بسرقة السيارات. فعمليات السرقة تجرى في اسرائيل وتفكك السيارات في غزة ثم تباع مجدداً في اسرائيل ودول اخرى في المنطقة وفي اوروبا قطع غيار. انه عمل مزدهر ببليون دولار. ويسبب الضرر للإسرائيليين والفلسطينيين إذ أن الأرباح التي تجنيها المافيا الفلسطينية تتسبب بالفساد وتقوي العصابات الإجرامية وتهدد السلطة الفلسطينية". ويعتقد أرلاكي "ان الحكومات متى قررت الرد جدياً على هذه العصابات ستنجح، ونحن ما زلنا في المرحلة الأولى من المكافحة. والأولويات في الشرق الأوسط اختلفت عما كانت عليه في السنوات السابقة، ونحن كأمم متحدة خصصنا 14 مليون دولار لدول المنطقة ونضع مشاريع جديدة ونحرك مصادر اكثر في المجتمع الدولي لتقوية السلطات في دول المنطقة والخطوة الأهم التي نقوم بها اقتراح السياسات الأفضل". وقال أرلاكي ان دمشق ليست ضمن جولته الشرق الأوسطية الحالية، لكنه سيزورها قريباً "للإطلاع على برامجنا هناك"، على ان يقصد تركيا في تشرين الاول اوكتوبر المقبل.