أثار احتمال موافقة الحكومة الكندية على بيع ايران برنامجاً للابحاث النووية المتخصصة، ردود فعل عنيفة في الولاياتالمتحدة واوساط المعارضة في كندا، تخوفاً من "كارثة مدمرة" في الشرق الاوسط. ولكن مدير البرنامج الكندي اكد ل"الحياة" ان المنتقدين جانبوا الصواب واعتبر الصفقة تطوراً ايجابياً. تجري حالياً مفاوضات غير معلنة بين مسؤولين في "المركز الكندي لابحاث الاندماج المغناطيسي" وهو مؤسسة شبه رسمية وجهات ايرانية رسمية لم يكشف النقاب عن هويتها. وتتركز المفاوضات على بيع ايران برنامج ابحاث متكامل يشمل مفاعل "توكاماك" الذي يعمل بتقنيات الاندماج النووي. وقادت حملة المعارضة لهذه المفاوضات، صحيفة محلية تابعة لاحدى دور النشر الكندية الضخمة التي تمتلك عدداً كبيراً من الصحف في الولاياتالمتحدةوكندا وبريطانيا واسرائيل. ونسبت الصحيفة المذكورة الى مسؤولين اميركيين وكنديين تحذيرات مشددة من خطورة الصفقة ودعوات مباشرة الى الحكومة الكندية بالامتناع عن "منح ايران برنامجاً يمكن ان يساعدها في انتاج الاسلحة النووية". ونسبت صحيفة "ناشيونال بوست" الكندية الى مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الاميركية قوله ان البرنامج المعني "ذو اغراض مزدوجة" سلمية وغير سلمية وان الحكومة الاميركية التي تولي الامر اهمية كبيرة تتوقع من نظيرتها الكندية "درس الصفقة بدقة بالغة" قبل منحها موافقتها النهائية. ولم تكشف الصحيفة النقاب عن هوية المسؤول الاميركي. وصدرت تصريحات متشددة من ممثلين بارزين عن احزاب المعارضة في كندا، اذ اتهم احد الممثلين الحكومة الايرانية ب"الارهاب". وطالب الولاياتالمتحدة وبريطانيا بالضغط على الحكومة الكندية لاحباط الصفقة. واشار الى ان الهند حصلت في السابق على مفاعلات كندية للابحاث، لكنها استخدمتها في عمليات انتاج اليورانيوم المخصّب ولاحقاً الاسلحة النووية. ونسبت الصحيفة المذكورة الى ممثل آخر عن احزاب المعارضة قوله ان "وزير الخارجية الكندي لويد اكسورزي يجازف بحدوث كارثة في الشرق الاوسط في حال سمح" بمرور الصفقة. واضاف ان "ايران ليست دولة صديقة واحتمال وقوع تقنيات الاندماج النووية في ايد غير مناسبة يهدد باحداث دمار، لاسيما في منطقة مثل الشرق الاوسط". واكد الناطق باسم وزارة الخارجية الكندية ان الوزارة والوكالة الكندية للطاقة النووية، تسلّمتا طلباً للسماح بتصدير برنامج ابحاث الاندماج النووي الى ايران. وقال ان الطلب سيُدرس بعناية للتأكد من ان المعدات المراد بيعها ليست ذات اغراض مزدوجة، مشيراً الى انه من السابق لأوانه الحديث عن الموقف النهائي الذي ستتخذه الحكومة الكندية في هذا الشأن. الا ان ريال ديكوست مدير عام المركز الكندي لابحاث الاندماج المغناطيسي الذي استهدفته حملة المعارضة بشكل رئيسي، اكد ل"الحياة" في مونتريال امس، ان الحملة ليست فقط غير مبررة بل "سخيفة". وقال ان المنتقدين "خلطوا بين التقنيات النووية الانشطارية القادرة على انتاج الاسلحة الذرية والتقنيات الاندماجية المغناطيسية المخصصة حصراً لتوليد الطاقة الكهربائية. واضاف: "هناك سوء فهم وتصور خاطئ، ونحاول ايضاح حقيقة ان تقنيات الاندماج المغناطيسي تختلف اختلافاً كلياً عن تقنيات الانشطار النووي وحتى تقنيات الاندماج الليزري، وكلاهما يقود نظرياً الى انتاج الاسلحة. ولكن تقنيات الاندماج المغناطيسي هي اكثر التقنيات النووية سلاماً، والاهم من ذلك كله انها لا زالت في مرحلة مبكرة جداً ويحتاج تطويرها الى جهد وتعاون دوليين". وامتدح ديكوست وهو باحث فيزيائي، ايران لرغبتها في شراء البرنامج الكندي. وقال ان "الايرانيين يعكسون بذلك رغبتهم في التعاون مع المجتمع الدولي في جهد مشترك يهدف الى تطوير تطبيقات سلمية للتقنيات النووية". واعتبر الباحث الكندي تقنيات الاندماج المغناطيسي الضمان الوحيد الذي يملكه العالم لحل مشكلة الطاقة. واضاف: "بالمقارنة مع القنابل الذرية التي ليست ذات فائدة على صعيد تلبية احتياجاتنا من الطاقة فان تقنيات الاندماج المغناطيسي تقدم لنا حلاً عالمياً لمشكلة الطاقة في فترة ما بعد النفط". وتقوم تقنيات الاندماج المغناطيسي على محاكاة الشمس والنجوم في تفاعلاتها المعقدة التي تؤدي الى توليد الحرارة وتتلخص في "إخضاع غاز الهيدروجين الثقيل الديتريوم للتسخين الى 20 مليون درجة مئوية والاحتفاظ بالغاز الملتهب في بيئة محكمة، بشكل يتاح لذرات الهيدروجين فترة كافية للاندماج مع بعضها البعض. وتتولد عن عملية الاندماج نيترونات محايدة، ما يمسح بخروجها من البيئة المحكمة والاصطدام بجدار معد خصيصاً لجمع الطاقة الحرارية". واشار ديكوست الى ان تقنيات الاندماج التي يعتبرها البعض نتيجة غير مباشرة لابحاث القنبلة الهيدروجية تختلف عن التفاعلات الشمسية في امور عدة اهمها ان الشمس تحتفظ بالغاز الملتهب بفعل قوى الجاذبية الهائلة التي تملكها في ما يضطر علماء الارض الى استخدام بيئة محكمة تتألف من مجال مغناطيسي عال، ما اعطى هذه التقنيات صفتها المغناطيسية. واوضح الفيزيائي الكندي ان ابحاث تقنيات الاندماج بدأت فعلياً في الخمسينات وهي مستمرة في غالبية الدول الصناعية التي تنفق نحو بليوني دولار في هذا المجال سنوياً. واضاف: "ولكننا في مرحلة مبكرة جداً ولا تزال الطريق امامنا طويلة. ونحن نتحدث عن تقنيات معقدة للغاية وعلم ومشوار طويل من البحث قد يمتد الى 30 او ربما 40 عاماً". ورغم امتناع المصادر الرسمية عن التعليق على قيمة الصفقة الايرانية الا ان بعض المصادر غير الرسمية اشارت الى ان السعر النهائي لن يتجاوز نسبة 5 في المئة من اجمالي كلفة البرنامج. وقال ديكوست الذي اكد جدية المفاوضات الجارية مع الجانب الايراني انه "يمكن القول ان قيمة المفاعل تصل الى 35 مليون دولار ولا استطيع الكشف عن قيمة الصفقة ولكنها اقل من هذا المبلغ بكثير. واعتقد مع ذلك ان ما حصلنا عليه يعتبر سعراً معقولاً، لا سيما ان الايرانيين سيعملون على استكمال الابحاث التي بدأناها، وهذا أمر مهم بالنسبة لنا". ورجح ديكوست موافقة الحكومة الكندية على اتمام الصفقة. وقال: "لا أرى سبباً يبرر احباط الصفقة، سواء من الناحية العلمية او الفنية. وتقنيات الاندماج ليست ابحاثاً سرية بل معلنة وصريحة جداً وتجري بمشاركة دولية. وتحدثت مع الايرنيين وهم يدركون تماماً ان هذه التقنيات لاعلاقة بها بالتطبيقات العسكرية او انتاج القنابل، وهم يعلمون تماماً ما يفعلون".