يبدو أن الغرب مقتنع بأنه قطع الطريق على إيران للحصول على سلاح نووي، كما يبدو انه مقتنع أن الالتزامات الإيرانية كافية للحد من طموحاتها النووية العسكرية، وأنه قادر على مراقبة مدى التزامها بتنفيذ تعهداتها، ولكن مفاعلاتها الهرمة تشكل خطرا على المنطقة، وان مفاعل بو شهر النووي الذي يجثم على ساحل الخليج العربي يشكل مصدرا لأخطار تأتي مع الماء والهواء والتربة، وأن شعوب الخليج ستحبس أنفاسها مع أية هزة أرضية، وبحسب استاذ الفيزياء النووية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور محمد الجارالله، فإن الخطر في المفاعل النووي الإيراني يأتي من جانبين، إنشائي وتشغيلي. تناسي مخاطر بوشهر ولكن، ومع تركيز دول 5+1 على كبح جماح سباق التسلح النووي في العالم، تناست المخاطر التي يحملها مفاعل نووي سلمي في دولة كإيران، ولو اقتنعنا كمواطنين خليجيين بسلمية برنامج إيران النووي، من سيضمن لنا قدرة دولة مثل إيران تفتقد للقدرات التقنية العالية، على تأمين مفاعل بوشهر النووي ومفاعلاتها الاخرى، خصوصا وأنها في منطقة تنشط فيها الزلازل؟ ولقد عرف العالم خطر السلاح النووي مرة واحدة، كان ذلك عندما ألقت الولاياتالمتحدة في العام 1945 قنبلتين على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما أودتا حينها بحياة مئات الآلاف من اليابانيين، ومنذ ذلك التاريخ لم يشهد العالم عملا عسكريا نوويا، بل إن الكثيرين يرون أن السلاح النووي قوة ردع أصبح استخدامها أشبه بالمستحيل، فليست هناك أمة يمكنها تحمل تبعات استخدام هذا السلاح. أما على صعيد البرامج النووية السلمية التي تستخدم لإنتاج الطاقة، فقد شهد العالم الكثير من الحوادث التي شكلت كوارث عالمية، وكان انفجار مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا في عام 1986، والذي تم تشييده لتوليد الطاقة الكهربائية، أكبر كارثة نووية عرفها العالم، فقد أطلق المفاعل 8 أطنان من الوقود النووي إلى الأجواء، وكان حجم المواد المشعة التي انبعثت من المفاعل يعادل ما تطلقه 200 قنبلة نووية، وتلوثت أجواء أوروبا بالاشعاعات، ونجم عن الحادث وفاة 8000 آلاف شخص، إضافة إلى اصابة مئات الآلاف بالاشعاعات، ما سبب للكثير منهم أمراضا كالسرطان والاعاقات والتشوهات، وتم تهجير أكثر من 200 ألف مواطن. محطة داييتشي وبعد حوالي 25 عاماً من كارثة تشيرنوبيل، كان العالم على شفا كارثة نووية جديدة عندما ضربت هزة أرضية عنيفة اليابان، أتبعها مد تسونامي، ما تسبب بأضرار في محطة داييتشي النووية في فوكوشيما، وبالرغم من الجهود الكبيرة التي قامت بها اليابان لتفادي تبعات الانفجارات في المفاعل، إلا أنه أطلق ملوثات إشعاعية خطيرة. وإضافة إلى هاتين الكارثتين شهد العالم كوارث عديدة أخرى، ففي اليابان أيضا تعرض مفاعل توكاي مورا لحادثة تسرب إشعاعي في العام 1999، وبالرغم من تبني الحكومة اليابانية معايير سلامة متشددة إلا أن العام 2004 شهد انفجارا آخر في مفاعل ميهاما. وكادت الولاياتالمتحدة أن تكون ضحية مأساة نووية أخرى في مفاعل دايفد بيسي في العام 2002، وفي العام 2003 أعلنت فرنسا خطة طوارئ نووية بعد فيضان نهر الرون وتهديده أحد المفاعلات التي تنتج الطاقة الكهربائية، كما اكتشفت المملكة المتحدة في العام 2000 أخطاء فادحة في معايير السلامة في مفاعل سيلافيد. هذه التهديدات دفعت بالكثير من الدول المتقدمة إلى إعادة التفكير في برامجها النووية، بل إن بعض الدول وضعت خططا للتخلص نهائيا من المفاعلات النووية، ففي اليابان توقفت كل المفاعلات البالغ عددها 48 مفاعلا عن العمل تدريجيا بعد كارثة محطة فوكوشيما، ولن يعود معظمها إلى العمل بسبب المعارضة الشعبية. وفي ربيع العام 2011 اتخذت الحكومة الألمانية قرارا بالتخلي عن الطاقة النووية، وأقر البرلمان الألماني خطة زمنية يتم بموجبها إغلاق المفاعلات التي ما زالت قيد العمل في مهلة أقصاها العام 2022. كما بدأت دول أخرى برامج التخلي عن الطاقة النووية في وقت مبكر، مثل السويد، وإيطاليا، وبلجيكا، وناقشت دول أوروبية أخرى الموضوع ومررت قرارات بحظر إنشاء مفاعلات جديدة. هذه نماذج من حوادث نووية كثيرة هددت البشرية في دول بلغت القمة في التكنولوجيا، وأنفقت بسخاء لتأمين مفاعلاتها النووية، فكيف بدولة مثل إيران تعاني اقتصاديا وتقنيا وقد تتنازل عن معايير السلامة نظرا لكلفتها الباهظة؟ خطران إنشائي وتشغيلي ووفقا لأستاذ الفيزياء النووية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور محمد الجارالله، فإن الخطر في المفاعل النووي الإيراني يأتي من جانبين، إنشائي وتشغيلي. وأوضح الجارالله أن بناء المفاعل الإيراني بدأ في عهد الشاه في العام 1975 بواسطة شركات ألمانية، وتوقف بعد الثورة الإيرانية، وعادت إيران لاستئنافه بواسطة شركات روسية بعد سنوات طويلة من التوقف، ما أدى إلى تقادم مرافقه في المراحل الأولى، وعدم التأكد من صلاحيتها. أما الجانب الآخر لخطر المفاعل الإيراني وفقا للدكتور الجار الله فيأتي من عدم التزام إيران بمعايير السلامة اللازمة، واحتمال إلقاء نفايات نووية تحمل إشعاعات عالية في مياه الخليج. وبذلك يتضح أن الأمان النووي في دولة كإيران وهم يصعب تصديقه، وأن مفاعل بو شهر النووي الذي يجثم على ساحل الخليج العربي يشكل مصدرا لأخطار تأتي مع الماء والهواء والتربة، وأن شعوب الخليج ستحبس أنفاسها مع أي هزة أرضية أو ظروف مناخية متقلبة تحدث في إيران، وأن القلق من مفاعل نووي قد يهمل مشغلوه معايير الأمان يفوق القلق من ترسانة من الأسلحة النووية التي لن يجرؤ أحد على استخدامها.