مقال علي حرب الذي نُشر في جريدة "الحياة" بتاريخ 15 حزيران يونيو 1999، بعنوان "حملة بيار بورديو على أجهزة الإعلام... ما بين طفولة يسارية وشرطة عقائدية"، كان له وقع خاص لدي وكان مثيراً للدهشة والاستغراب وربما لدى بعض المثقفين والمختصين في المجالات العلمية، والسبب الرئيسي في ذلك يعود الى تتبعي عن كثب لمؤلفات بورديو السوسيولوجية تحديداً ولاهتمامي الخاص بها، ولزخر المقال المذكور بالكلمات الأخاذة السياسية بشكل خاص والاستنتاجات والأحكام القيمية، الخ... وأمام الضجة والصراخ النقديين اللذين أثارهما علي حرب، نحاول إبداء أو استنتاج عدد من الملاحظات. - قد يكون صحيحاً أن بورديو يمارس نجومية معينة من خلال النقد الذي يوجّهه لوسائل الإعلام والتلفزيون بشكل محدّد عن طريق ابراز مخاطره أو تأثيراته السلبية في دوائر الإنتاج الثقافي المختلفة: الفن والأدب والعلم والفلسفة والقانون، أو مخاطره بالنسبة الى الحياة السياسية والديموقراطية، أو الإشارة الى الطريقة التي يعالج بها بعض الحوادث أو المشكلات والى البعد الإيديولوجي الذي يخفيه وكيف يستغل المشاعر والعواطف والأحاسيس...، أو للفهم السائد عن الإعلام، غير أن هذه النجومية غير مقصودة وليست هدفاً بذاته وترتكز على مفاهيم ومعتقدات وتصورات وطريقة في التحليل مختلفة عمّا هو سائد، ممّا يعني أن بورديو يطرح فكراً جديداً أو معتقداً جديداً، وإن حظي هذا الفكر بالهالة والإعجاب، فمرده الى قوة المنطق أو البراهين والحجج التي يقدّمها. لا ندري ان كان تهكم علي حرب هنا المقصود منه أن لا تحمل ممارسة بورديو أية قيمة معنوية، أو كأن المطلوب منها أن لا تحمل هذه القيمة. وبالتالي، هل المطلوب من المثقف أن يلغي دوره وفكره وأن لا يواجه أو يحارب المعتقد السائد كي لا يحظى بأية نجومية أو أي رأسمال رمزي يبعدانه عن "حقيقة" المثقف، أو أن يمارس نجوميته، إن اقتضى الأمر، على أرضية النجومية السائدة؟ وهل توجد ممارسة مجردة عن أية قيمة؟ من جهة ثانية، إسهام التلفزيون "في تعطيل الوعي وتسطيح الثقافة" لا ينطبق على كل المشاهدين، وانما على المشاهدين الذين يتميّزون بمستوى ثقافي أو معرفي متدنٍ ويميلون الى تصديق ما يُعرض عليهم بشكل عام. ويمكن القول، كما يرى بورديو، أن وسائل الإعلام بمجملها عامل ينزع التسيّس، ويؤثر في المجموعات المنزوعة التسيّس من الجمهور وفي النساء أكثر من الرجال، وفي الأقل ثقافة أكثر من الأكثر ثقافة، وفي الفقراء أكثر من الأغنياء. وإذا كانت تأثيرات وسائل الإعلام بشكل عام سلبية، فهذا لا يعني أن الحقيقة الى جانب عالِم الاجتماع، فقد ينتج الصحافيون الحقيقة وعلماء الاجتماع الكذب... - القول إن بورديو لا يعتبر التلفزيون وسيلة للاتصال والإشهار وانه يرى الابتكارات التقنية كما لو أنها آلات شيطانية بذاتها على الشر والخديعة، كلام قيمي لا يعبّر عن فهم صحيح لبورديو، إذ كيف يكون الأمر بهذه الدونية في الفهم والتحليل. بالطبع، لا ينطلق بورديو من المسلّمة أو البديهية أو المفترض المسبق الذي ينطلق منه علي حرب من أن التلفزيون وسيلة للاتصال والإشهار أداة تسجّل الواقع - الأولوية للمرئي، غير أنه يرى في هذا التعريف شكلاً ظاهرياً أداة وسيطة. فيأمل مثلاً بأن يتحول التلفزيون الى أداة للديموقراطية المباشرة إذا ما تم رفع المستوى العلمي للمشاهدين المستمعين وتعزيز/ تقوية استقلاليته بإدراك الميكانيزمات التي تعمل على ضرب هذه الاستقلالية. وهكذا، لا يجوز الاكتفاء بفكرة الاتصال والإشهار أو بما هو مرئي فقط وبنفي البنى غير المرئية الموضوعية المنظِّمة. وهل التلفزيون أداة مجردة على القوى السياسية والاجتماعية والسوق والربح التجاري؟ وحين يرفض علي حرب أن يحمل التلفزيون معاني غير مرئية، ألا يعني هذا أنه هو الذي يعتقد بأنه أداة بحد ذاتها؟ وحين يحاول بورديو إدراك ما وراء التلفزيون أو الميكانيزمات غير المرئية التي تُمارس من خلالها الرقابة السياسية المفروضة عليه وعلى المدعوين والصحافيين أيضاً من خلال شروط الاتصال أو تحديد الوقت أو ما يمكن قوله، والذاتية الممارسة بشكل واعٍ أو لا واعٍ على المستويات كافة، يكون فهمه مرتكزاً على أن التلفزيون أداة شيطانية بحد ذاتها؟ وإذا كان التلفزيون أداة للحجب والهيمنة، فهل هذا لا يخفي ميكانيزمات معينة تنفي أن يكون التلفزيون أداة بحد ذاتها؟ وهل الصفة الشيطانية ناتجة عن التلفزيون كآلة بحد ذاتها تتكلم بمعزل عن الإنسان أم كآلة مسيّرة من فئات ومجموعات معينة؟ التناقض في فهم علي حرب لبورديو يعود إذاً الى العبارتين التاليتين: اعتبار التلفزيون أداة للحجب والهيمنة من ناحية، واعتباره آلة شيطانية تنطوي بذاتها على الشر والخديعة من ناحية أخرى. - يطلق علي حرب كلمات لا ندري من أين أتى بها، مثل، "جرم معرفي" و"متعاملين مع الاحتلال النازي"، ويستخدمها بإطار التقليل من أهمية موقف الخصم أو تحقيره. ما يقوله بورديو، في الحقيقة، عن الكتّاب والعلماء والفلاسفة الذين يتعاملون مع التلفزيون هو أنهم لا يتمتعون بالاستقلالية المطلوبة نتيجة عوامل عديدة، أهمها، الهيمنة التي يمارسها الصحافيون الإذاعيون مع أنهم في موقع أدنى في حقل الإنتاج الثقافي، والشروط التي تتم على أساسها الدعوة أو الحديث، والخضوع لمتطلبات المستمعين والقوى الخارجية المحدِّدة، واللجوء الى حسم المسائل الثقافية والعلمية المتنوعة من خلال التحكيم والديموقراطية، واللجوء الى الأحكام القيمية، والهامش الضعيف لاستقلالية التلفزيون، إلخ. ويوضح بورديو أن الهدف من هذا النقد هو الدفاع عن الشروط الضرورية للإنتاج وعن نشر الإبداعات الأكثر رقياً للبشرية وعن ثبات ورفع حق الدخول الى حقول الإنتاج الثقافي، وبالطبع بالنسبة الى علم الاجتماع. أمام هذا الموقف نسأل صاحب المقال، هل مهمة عالم الاجتماع تتحدد بما هو مرئي ظاهري شكلي فقط دون العمل على كشف الميكانيزمات غير المرئية التي تشكل البنى الموضوعية الفعلية لوسائل التعبير؟ - صحيح أن بورديو يعتبر الحقيقة في العلوم الاجتماعية حقيقة اجتماعية أو رهاناً من الصراعات، لكن هل الاعتقاد بنسبة المعرفة أو الحقيقة يُفترض أن يكون مطلقاً أو تعسفياً، بحيث يمكن القول، بالنسبة الى أية نظرية مهما كانت أهميتها، بأنه لا قيمة لها ما دامت ملتبسة تحمل أكثر من معنى أو نسبية؟ هل يجوز القاء الاتهامات والأحكام دون العودة الى الواقع كمقياس أساسي للحقيقة والعلم؟ وإذا كانت اتهاماته ملتبسة، فلماذا لم يُعمل على كشفها؟ هل القول بدفاعه عن سلطته الأكاديمية وموقعه الفكري كافٍ لإدانته؟: هل التأكيد على شرط الاستقلالية الأكاديمية والسياسية أمر مشابه لعدم التأكيد على هذا الشرط؟ أية نظرة أقرب الى الحقيقة، تلك التي ترتكز على موقع يتصف بدرجة لا بأس بها من الاستقلالية، أم تلك التي تفتقد الى هذه الصفة وتتميّز بدرجة من التبعية؟ لا نعتقد بأن نفي صفة الإطلاق عن نسبية المعرفة أو التخفيف من وطأتها بالتأكيد على صفة الاختصاص يعدّل أو يغيّر من حقيقة موقف صاحب المقال الذي يتسم بالتفلّت الإرادي من أي ضوابط علمية أو منطق علمي. كما أن التأكيد على ارتباط المعرفة بالسلطة أو على أن المعرفة سلطة أو على أنه لا توجد معرفة صافية مستقلة قائمة بذاتها، لا يغيّر من حقيقة موقفه الرافض بالمطلق شكلاً لأي سلطة أو رأسمال رمزي كيفما كانت طبيعته، دون العمل على كشف حيثيات أو ميكانيزمات هذه السلطة أو هذا الرأسمال. لا نطلب منه أن يتقبّل أي سلطة أو أي رأسمال رمزي، إنما أن يشرح هذه السلطة ويفسرها. المطلوب ليس مواقف قيمية تتسم بالقبول أو بالإدانة أو الرفض، إنما مواقف تبرّر وجود السلطة أو الرأسمال الرمزي علمياً بأسباب محددة من الواقع. ويوجب هذا الموقف خيارات سياسية محدّدة لها وقع سلبي على بعض الفئات والمجموعات الاجتماعية. فاعتبار المعتقد الجديد أو الاتجاه الفكري الجديد مثلاً بأنه سلطة جديدة مما يفترض منّا أن نرفض أي سلطة يعني بصريح العبارة، وبواسطة هذه الحجة، مصادرة حقوق أن نضالات المجموعات الاجتماعية المقهورة أو المهيمن عليها، ودعم السلطات القائمة. لا شك بأن أي معرفة أو أي نظرية مرتبطة بسلطة ما، وقد يكون من الصعب أو المستحيل الغاء أي سلطة، لكن ليس من العلم بشيء أن نصادر قوى التغيير أو أن نردع تحركها أو رغباتها ومطامحها وطريقتها في التفكير والفهم بحجة أنها ستشكل سلطة جديدة، وعلينا رفضها. القبول أو الرفض يجب أن يرتبط بحيثيات السلطة. - لا ندري ما المقصود من وصف علي حرب للوضعية المدرسية لعلماء الاجتماع كما يراها بورديو! هل الدعوة الى اليقظة من السبات المدرسي أو الى الخروج من المعاقل الأكاديمية تتناقض مع الهجمة على التلفزيون ووسائل الإعلام أو مع محاولة فهم حقيقة الإعلام؟ هل المطلوب من بورديو أن يبقى في اطاره الأكاديمي ليبقى مخلصاً لمعاييره الأكاديمية؟ ما يحذّر منه بورديو، بهذا الصدد، هو المعرفة العفوية لعلماء الاجتماع، إذ خطرها في العلوم الإنسانية هو أكبر منه في العلوم الطبيعية أو الفيزيائية نظراً للفصل غير الواضح بين الرأي المتداول المشترك والحديث العلمي، أو للتمييز غير الدقيق بين المفاهيم العامية غير العلمية والمفاهيم العلمية. فعالِم الاجتماع متورط أكثر من غيره في الموضوع الذي يتناوله لصعوبة الفصل بين الذات والموضوع، بحكم الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، وهو مدعو لنقد اللغة العادية التي يستعملها والمفاهيم الفلسفية التي تحملها... وأما بالنسبة الى فكرتي انفتاح الحقل العلمي على الواقع اليومي والوجود المعاش والتجديد أو الانفتاح على المجالات والممارسات التي يستبعدها أهل الاختصاص، نسأل: هل هاتان الفكرتان يجب أن تشكلا هدفين بحد ذاتهما، انفتاح من أجل الانفتاح وتجديد من أجل التجديد؟ ألا يجب أن تسيرا وفق منطق علمي محدد لا يؤثر سلباً في استقلالية الحقل وتعزيزها؟ وبخصوص الرواية الموجهة الى القارىء العادي، كيف يمكن اللجوء الى تحكيم هذا القارىء خارج النّقاد؟ هل هذا الأخير يملك القدرات أو الإمكانات والأهلية التي تمكّنه من الحكم؟ - لا ندري من يتخبط في مواقفه، بيار بورديو أم علي حرب! هل الهجمة على التلفزيون ووسائل الإعلام من قبل بورديو غير مبرّرة؟ هل يتوجب ادانته لمجرد تهجمه على التلفزيون؟ هل ممارسة النضال من قبله تعني ممارسة للنبوة؟ هل ممارسة السياسة تعني رفضاً للتغيير؟ أليس علي حرب الذي يقع في سبات ايديولوجي يخدم الوضع القائم حين يرفض أي شكل للنضال لمجرد أن أية فكرة تنتج سلطة؟ ما الذي يفهمه علي حرب بتفكيك بنية المؤسسات؟ هل تفكيكها هو لجهة فهمها وتحديد آلياتها ثم هدمها فيزيائياً وعملياً؟ هل التهديم هدفٌ بذاته؟ هل المؤسسات شيء قائم بذاته مستقل عن الإنسان؟ حين يدعو بورديو الى الحفاظ على بعض المؤسسات الاجتماعية، فإن دعوته نابعة من فكرة أن هذه المؤسسات تخضع لميزان قوى اجتماعي أو سياسي معين بحيث إذا ما تعدّل لمصلحة الفئات المتضررة أو المهيمن عليها يصبح عندها بالإمكان توجيه هذه المؤسسات وجهة مختلفة. وبيار بورديو لا يضمن نجاح أي وجهة لأن المسألة متعلقة بطبيعة التناقضات والعلاقات الاجتماعية، كما أنه لا يصادر أي تغير بحجة أنه سيتحول الى سلطة. فالدولة مثلاً ليست حيادية كلياً، ومستقلة عن المهيمنين، وإنما لها استقلالية تكبر بقدر ما تكون قديمة وقوية ومُسجل في بناها اجتياحات أو مكتسبات اجتماعية وثقافية مهمة الحق في العمل والضمان الاجتماعي - كانط أو هيغل، موزار أو بيتهوفن.... انها مكان للصراعات. وللمهيمن عليهم مصلحة في الدفاع عن الدولة، وبشكل خاص، بوجهها الاجتماعي. فالقوانين الاجتماعية أو الاقتصادية لا تُمارس إلاّ إذا تركناها تعمل. ونسأل علي حرب: هل محاربة العقل المدرسي لدى علماء الاجتماع يعني التفلّت الفكري وادانة الدعوة الى تعزيز أو تقوية الاستقلالية الأكاديمية أو العلمية للحقول الثقافية؟ وإذا كانت هناك إدانة لبورديو لأنه ينظر الى التلفزيون من زاوية أكاديمية علمية، فهل مطلوب منه أن ينظر اليه من زاوية سياسية؟ وهل المسألة شخصية بين بورديو والتلفزيون، بحيث لأنه لم يُتح له ممارسة سلطته الأكاديمية ثارت ثائرته؟ أهذا هو التفسير العلمي؟ وهل يُعقل أن نشرح هجوم بورديو على التلفزيون بلبوس النبوة والرسالة؟ ولنفترض أنه لم يهاجم التلفزيون، فهل هذا يعني أنه أصبح علمياً وأكاديمياً؟ وهل تصح الاستنتاجات العامة الضبابية لجهة القول بالوقوع في المأزق والغرق في الأوهام والأساطير؟ وهل تفضّل بتوضيح هذه الأوهام والأساطير؟ ومن ينخرط في التيارات السياسية ويمارس طفولة يسارية يكون أكثر تقوقعاً وانغلاقاً ويلعب دور الشرطي العقائدي أم يكون أكثر انفتاحاً وتفلّتاً؟ وما معنى القول أن يكون منطق النضال مختلفاً عن منطق المعرفة وأن لكل حقل مقتضياته ورهاناته وأن نتحدث في الوقت نفسه عن التباس المعرفة أو الحقيقة؟ وكيف نطلب من بورديو عدم التحصن وراء الاختصاص من جهة، وندينه لأنه يمارس طفولة يسارية من جهة أخرى؟ وهل يُفترض أن ندين أي عالِم لمجرد انتمائه السياسي، أم يجب أن نبحث في طبيعة الموقف المتخذ؟ وإذا كان الخروج من المأزق يكون بتجاوز أي من الموقفين من خلال التفاعل بين العقل الأكاديمي والعقل اليومي والعقل الميديائي والمجال التلفزيوني، فهل العقل اليومي مجرد عن السياسة؟ وهل التفاعل مع المجال التلفزيوني يفترض عدم التهجم على وسائل التعبير؟ وهل قال لنا الأستاذ علي حرب ما الأسباب التي دفعت بورديو الى أن ينقلب رأساً على عقب من حارس للأصولية الأكاديمية الى مناضل اجتماعي والى أن ينتقل بين المواقف المتعارضة بنوع من التخبط؟ وإذا كان العصر عصر الإعلام، فهل هذا يفترض منّا التعامل معه بلطف من دون اثارة حساسيته، وبالتالي التوافق والتكيف معه؟ - صحيح أن "الفضاء" الميديائي يسهم اليوم في صناعة الحقيقة، غير أن هذه الحقيقة مصطنعة تبعاً لوجهة نظر معينة أو لفئات محدّدة من التصنيف والرؤية، وتخدم فئات ومجموعات سياسية واجتماعية، ولها بصماتها في الحقول الثقافية المختلفة. ونعتقد بفكرة أن "العولمة" تسهم في تشكيل نمط الوجود وأسلوب العيش، غير أن هذه الظاهرة ليست حتمية محدّدة مسبقاً تفرض تأثيرها في الإنسان من دون تأثير منه، أو حتمية طبيعية وتفترض تقبّلها أو التكيف معها، ومهمة العالِم أن يعمل على تفكيكها أو إظهار الميكانيزمات المحدِّدة. ونسأل أخيراًَ، هل بورديو يقف ضد لغة العصر ومنطقه لأنه لا يفسر هذه اللغة أو لا يتوافق معها؟ وإذا كان يدعم المؤسسات القائمة مثل العائلة والكنيسة والدولة والحزب، فكيف تكون له ممارسة طفولية يسارية؟ وهل معرفة كيف تُلعب اللعبة تمنعنا من أن ننصب أنفسنا أوصياء على الحقيقة أو شرطة للمعرفة؟ وهل يجوز القول بأن بورديو لا يعترف بما يقع، لأنه يعطي معنى مغايراً للمعنى الذي يعطيه علي حرب للتلفزيون؟ وهل الوجود هو فقط للحقيقة أو للمعنى الذي يعطيه علي حرب؟ وما المعنى الذي يضيفه لنا بخصوص العدالة والحرية والمساواة؟ - تتسم رؤية علي حرب، بشكل عام، بالطابع الليبرالي الإرادوي، وبأنها مباشرة تستند الى الإدانة، بدل الرؤية غير المباشرة التي تستند الى التواضع الإدراكي والميكانيزمات غير المرئية في التفسير. ويتسلح بالتقدم والعقل والعلم، ويؤيد أو يبجّل ما نسميه التكنولوجيا والحداثة ووسائل الاتصال، ويعتقد بحتمية أو بقدرية "العولمة"، دون أي نقد، ويعتبر نقمته فاضلة، ويتسم خطابه بالطابع السياسي بإسم الموقف العلمي، ولديه إجوبة جاهزة، بدل العمل على ابداع طريقة في ابداع الأجوبة بشرح أو كشف الموضوع من خلال طرق وتقنيات علمية. - مع أن صاحب المقال يتحدث عن بورديو من خلال مفهوم الحقل، غير أنه لا يبيّن قيمته العلمية لجهة كونه أداة نظرية مهمة تسمح بالتخلص من فكرة البدائل القراءة الداخلية والقراءة الخارجية، ودون خسارة لمكتسبات هاتين المقاربتين المدركتين تقليدياً كأنه لا يمكن التوفيق بينهما" وبإدراك التجاذبات ووجهات النظر المختلفة، وبالقول بوجود وضعية نظرية مولِّدة لخيارات منهجية سلبية وايجابية في بناء المواضيع" وبتقديم المؤلفات كحقل من المواقف المتخذة التي لا تُدرك إلا علائقياً... كما لا يقوم بأي مقارنة بين مفهوم الحقل ومفهوم البنية أو النسق. * استاذ في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية.