اتحاد الصم يشكل منتخباً نسائياً    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    رياض العالم وعالم الرياض    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    التصعيد الروسي - الغربي.. لعبة خطرة ونتائج غير محسوبة    سمو ولي العهد: سنواصل تنويع وتوسيع اقتصاد المملكة وتعزيز مكانتها الرفيعة    الرياض الجميلة الصديقة    صافرة الكوري «تخفي» الهلال    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    الفيصلي يحتاج وقفة من أبناء حرمة    القوة الناعمة.. نجوم وأحداث !    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    الجموم بمكة المكرمة تسجّل أعلى كمية لهطول الأمطار ب (22.8) ملم    المملكة وتعزيز أمنها البحري    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    «إثراء» يُعيد وهج الحِرف اليدوية بمشاركات دولية    مبدعون.. مبتكرون    هؤلاء هم المرجفون    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    اكتمل العقد    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية كاتسير نموذجاً . دولة اسرائيل تنتهك مبادئ الميثاق الدولي ومواده الخاصة بإزالة كل أشكال العنصرية والتمييز
نشر في الحياة يوم 11 - 07 - 1999

في تشرين الثاني نوفمبر 1984، تلقيت دعوة من الرئىس ياسر عرفات لحضور الجلسة ال17 للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان، وعُيّنت اثر ذلك "عضواً مراقباً" في المجلس. وبحكم تصنيف منظمة التحرير الفلسطينية كتنظيم غير قانوني في اسرائيل ولكوني مواطناً مزدوج الجنسية لاسرائيل والمملكة المتحدة، ترتب على موقفي الايجابي من الدعوة ان اقضي العقد التالي من السنين في المنفى في المملكة المتحدة.
ومع الاعتراف عملياً بشرعية منظمة التحرير في اسرائيل في اعقاب اتفاق اوسلو، استأنفت اقامتي العادية في اسرائيل في كانون الاول ديسمبر 1994 بعد 10 سنوات من النفي السياسي في المملكة المتحدة.
وكانت بين أولى الزيارات التي قمت بها بعد عودتي، زيارة الى مدينة ام الفحم للإلتقاء بالمحامي توفيق جبارين وزوجته هيلينا وتهنئتهما على انجازهما الكبير في ايار مايو 1994 باجبار وزارة الاسكان الاسرائيلية بعد التهديد في البداية بالتوجه الى المحكمة العليا على الاعتراف بحقهما كزوجين شابين في شراء احدى الوحدات السكنية المسبقة الصنع في "التل الأوسط" في كاتسير، التي انشأتها وزارة الاسكان للاشخاص الذين يتمتعون بأسبقية، وبشكل خاص الازواج الشباب.
وكان التهديد برفع القضية الى المحكمة العليا ضرورياً بعدما اُبلغت عائلة جبارين في البداية ان الحارة الجديدة التي تقيمها وزارة الاسكان في كاتسير، "التل الأوسط"، مخصصة للعائلات اليهودية فقط.
وتحت ضغط التهديد بطرح القضية على المحكمة العليا، اعادت ادارة كاتسير ووزارة الاسكان النظر في موقفهما، وربما توصلا الى انه في اعقاب تمرير "القانون الاساسي: كرامة وحرية الانسان" من قبل الكنيست الاسرائيلي في 1992، فإن الارجح ان تتخذ المحكمة العليا قراراً لصالح جبارين. وسحبت ادارة كاتسير اعتراضاتها. فوزارة الاسكان هي في نهاية الأمر أداة لحكومة دولة اسرائيل، والحكومة الاسرائيلية تخضع للمساءلة، أقلها على الورق، امام كل مواطني اسرائيل، اليهود وكذلك العرب.
انتقلت عائلة جبارين الى كاتسير في 1995.
اعتقد ان الانجاز الذي حققته عائلة جبارين يمثل حدثاً مهماً في عملية التعظيم الذاتي للمليون فلسطيني الموجودين داخل اسرائيل ونقطة انعطاف في كفاح مواطني اسرائيل الفلسطينيين دفاعاً عن حقوقهم كمواطنين على قدم المساواة، بشكل خاص حق الانسان الاساسي في الحصول على سكن مناسب في كل الاماكن في اسرائيل، بما فيها الاماكن التي خصصتها السلطات الاسرائيلية لليهود وحدهم.
ومن نافلة القول ان حرمان مواطني اسرائيل الفلسطينيين حقهم في الاقامة في موقع وفق اختيارهم، على قدم المساواة مع المواطن اليهودي، هو أحد اشكال العنصرية والتمييز العنصري الذي يجب ان يُدان ويجري التصدي له.
في اجتماعات لاحقة، قام توفيق جبارين وانا، مع زملاء عرب ويهود آخرين، ونشطاء مخضرمين في مجال حقوق الانسان، بتشكيل جمعية خيرية اسمها "البيت": "جمعية للدفاع عن حقوق الانسان في اسرائيل"، وسجّلنا الجمعية لدى "مسجل الجمعيات الخيرية" في القدس عام 1995.
كان الهدف ان تكون جمعية "البيت" منظمة مبتكرة صغيرة تتصدى لأحد المجالات التي كانت مهملة حتى ذلك الحين على صعيد انتهاك حقوق الانسان في اسرائيل، وهو على وجه التحديد انتهاك "المادة 13" من الاعلان العالمي لحقوق الانسان:
1- لكل فرد الحق في حرية الحركة والاقامة ضمن حدود كل دولة.
2- لكل فرد الحق في ان يغادر أي بلد، بما في ذلك بلده، وان يعود الى بلده.
وسعت جمعية "البيت"، في مقدم اولوياتها العملية، الى التركيز على الدفاع عن حق الانسان المكفول عالمياً في حرية الاقامة في اسرائيل، واولاً وقبل كل شىء حق المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل في السكن المتكافئ .
ومن المناسب ان نلفت بهذا الشأن الى ان كل اراضي اسرائىل تقريباً 92 - 93 في المئة من اراضي دولة اسرائيل مقصورة قانونياً او عملياً على اعمال البناء والاستيطان والسكن لليهود حصراً، مع استبعاد مواطني اسرائيل من غير اليهود، بشكل خاص مواطنيها الفلسطينيين. ونتيجة ذلك، فُرض على الفلسطينيين العيش في احياء معزولة في مدن مختلطة مثل عكا وبلدات مزدحمة وتعاني تخلف الخدمات مثل ام الفحم وقرى مثل عرعرة ومناطق متخلفة غير معترف بها مثل كمانة. والكثير من هذه الاخيرة يفتقر كلياً الى خدمات اساسية مثل توفير الماء ومشاريع الصرف الصحي والكهرباء، فيما يتعرض الى التهديد بالطرد والهدم.
اُنشئت جمعية "البيت" لتوعية الجمهور بأزمة السكن الحادة التي يعانيها الفلسطينيون في اسرائيل والشروع ببرامج عملية، مدعومة بابحاث تطبيقية سليمة، للمطالبة بحلول مدعومة من الحكومة لمشاكل السكن من دون تمييز للعائلات الفلسطينية، وتوفير مشورة مهنية للعائلات الفلسطينية، من مواطني دولة اسرائيل، الذين يرغبون في السكن في مواقع خصصتها السلطات لليهود وحدهم.
وفي اعقاب سابقة جبارين في كاتسير قامت عائلتان عربيتان اخريان، هما عائلة عادل وايمان قعدان من باقة الغربية وعائلة فتحي ونوال محاميد من ام الفحم، بتقديم طلب الى إدارة كاتسير للسماح لهما بالاقامة في كاتسير. ولم يكن الطلب هذه المرة للاقامة في الوحدات السكنية المسبقة الصنع التي انشأتها وزارة الاسكان في "التل الأوسط"، بل في الضاحية السكنية التي انشأتها الوكالة اليهودية في "التل الغربي". جوبهت كلتا العائلتين بالرفض لانهما عربيتان، وعندما لفتتا الى سابقة جبارين جرى تذكيرهما بأنه على رغم ان "كاتسير - هاريش" هي وحدة بلدية واحدة فإن "التل الأوسط" هي مجمع سكني تابع لوزارة الاسكان مخصص لكل مواطني دولة اسرائيل، بما فيهم المواطنون العرب، اما "التل الغربي" فإنها تابعة للوكالة اليهودية، وهي لليهود وحدهم.
توجهت عائلة قعدان الى "جمعية الحقوق المدنية في اسرائيل" أي سي آر آي للحصول على مشورة مهنية، ورفعت هذه الجمعية قضيتهم الي المحكمة العليا. ووافقت المحكمة العليا على طلب "أي سي آر آي" بالنيابة عن العائلة وأمرت إدارة كاتسير بأن تُفرد قطعة ارض في ضاحية "التل الغربي" التابعة للوكالة اليهودية كي تتمكن عائلة قعدان من بناء منزل لها هناك بأسعار العام 1995 في حال اصدرت المحكمة العليا حكماً في صالح العائلة. وقد مضى الآن ما يقرب من أربع سنوات على تقديم طلب عائلة قعدان الى المحكمة العليا. ونُظر في الطلب في البداية من قبل ثلاثة من قضاة المحكمة، وجرى توسيعهم في وقت لاحق لتضم خمسة قضاة. ولم تصدر المحكمة العليا قرارها بعد، ولا تزال عائلة قعدان تنتظر.
وتوجهت عائلة محاميد الى جمعية "البيت" طلباً للمشورة القانونية. وارتأت الجمعية انه لن يكون من المفيد ان تنسخ طلب "أي سي آر آي"، ولجأت بدلاً من ذلك الى تحرك موازٍ. فأعد المستشار القانوني لجمعية "البيت"، المحامي توفيق جبارين، عقد توكيل انتداب وقّعه فتحي محاميد وانا. ويسمح "قانون الانتداب" الاسرائيلي للعام 1965 بالتوكيل غير المعلن، وفي اعقاب الرفض السابق الذي لقيه محاميد من كاتسير، ذهبت الى كاتسير بالنيابة عنه باعتباري ممثله غير المعلن.
ان اسم اوري ديفيس أشبه بايقونة تاريخية بالنسبة لمواطنين كثيرين ممن يبلغ عمرهم 40 عاماً فما فوق. لكنه لن يعني شيئاً بالنسبة لكثيرين ممن أعمارهم دون 40 عاماً. وبما اني كنت مصمماً على مخاطبة كاتسير بشكل رسمي تماماً فقد قدمت نفسي في زيارتي الاولى مستخدماً اسمي الأول في بطاقة الهوية الرسمية: اوريئيل ديفيس. بدا ان الاسم لم يثر انتباه السيدة تزيبي ميلر، "منسقة شؤون الإسكان والاستيعاب" في كاتسير. لم يجر الاستفسار عن ذوقي في الطعام، او عن الالوان التي اختارها لملابسي، او الكاتب المفضل لدي، او اتجاهي السياسي. ولو ان هذه الاسئلة وجّهت إلي، كنت سأرفض الاجابة انطلاقاً من ان مثل هذه الاسئلة تمثل انتهاكاً لحقي في الخصوصية كفرد. كما لم اُسأل اذا كنت "يهودياً". فبطاقة هويتي كانت تؤكد ذلك.
بعدما اجتزت بنجاح المقابلة غير الرسمية التي اجرتها السيدة ميلر، دُعيت لحضور مقابلة رسمية اجرتها "كاتسير: الجمعية التعاونية للاستيطان الجماعي في السامرة م.ض". وعندما اجتزت هذه المقابلة بنجاح، طُلب مني توقيع عقد بناء لقطعة الارض رقم 1026، جادة هآميريم الرقم 42، التل الغربي، كاتسير، وذلك مع "شركة تال-ايرون كاتسير الاقتصادية م.ض"، ودفع أجور البناء التي تبلغ 20 الف دولار بأقساط معقولة. توجهت بعدها الى الوكالة اليهودية حيث وقعت اتفاقاً آخر عنوانه "اتفاق التزام". تلا ذلك عقد بناء مع "ادارة أراضي اسرائيل" آي إل أي. واخيراً، في اعقاب إكمال البناء، جرى التوقيع على عقد استئجار مع "آي إل أي" لمدة 49 سنة عقد الاستئجار قابل للتجديد وقابل لأن يورث.
ومن نافلة القول ان كل الاكلاف المتعلقة بالموضوع بما فيها رسم الختم وأجور البناء والانشاء دُفعت من قبل فتحي محاميد.
بعد ذلك بأربع سنوات، يوم الجمعة 28 ايار مايو 1999، تم تدشين المنزل في جادة هآميريم رقم 42، التل الغربي، كاتسير، باقامة حفلة استقبال. وحضر الحفلة ما يقرب من 70 الى 80 شخصاً، من ضمنهم ضيوف وافراد من عائلتي محاميد وجبارين، واعضاء واصدقاء لجمعية "البيت"، وعائلة اصدقاء يهود من كاتسير. وألقيت الكلمة التالية امام جمع الحضور:
"الاصدقاء والضيوف الاعزاء:
أود ان اشكركم لتشريفكم إياي والمناسبة بحضوركم هنا اليوم، واعتذر لكوني وجّهت اليكم الدعوة بشكل خاطئ الى حفلة الاستقبال اليوم لتدشين منزلي الجديد في جادة هآميريم الرقم 42، كاتسير التل الغربي. فنحن لا نجتمع هنا للاحتفال بتدشين منزلي، بل منزل فتحي ونوال محاميد اللذين تصرفت بالنيابة عنهما.
على امتداد بضعة اشهر كانت احدى الشائعات المتداولة في كاتسير تفيد بأن هذا المنزل في جادة هآميريم الرقم 42، ليس منزلي بل منزل المقاول فتحي محاميد من ام الفحم، الذي شيّد هذا المبنى الرائع. وقبل حوالى أربعة اشهر، قابلني وجهاً لوجه الرئيس التنفيذي لمكتب "شركة تال-ايرون كاتسير الاقتصادية م.ض" الذي قال انه يريد ان يعرف متى أنوي الانتقال الى المنزل ومدى صحة الشائعة المذكورة. طمأنته بأني سأنتقل الى المنزل في نهاية ايار مايو السنة الجارية، وتمكنت من تفادي الاجابة بشكل مباشر على سؤاله في شأن مدى صحة الشائعة المذكورة.
قبل اسبوع ابلغت الجيران اني سأنتقل بعد ظهر هذا اليوم، واعتذرت لهم عن أي ازعاج قد تسببه لهم حفلة تدشين المنزل. وبدا عليهم الاستغراب فعلاً عندما علموا بأني اليهودي حسب ما يُفترض سأنتقل الى المنزل. كانوا متأكدين بأن عائلة عربية ستنتقل اليه، وناشدوني مراراً وتكراراً الاّ أدع عرباً ينتقلون الى المنزل. فكاتسير، حسب ادعائهم، مخصصة كموقع لليهود وحدهم. لم اتمكن، بالطبع، من اعطائهم أي تطمينات بهذا الشأن. وتحاشيت اعطاء إجابة مباشرة، مكتفياً بالقول أني سأنتقل الى المنزل اليوم، الجمعة 28 ايار مايو. وقلت ان ما سيحدث بعد ذلك غير واضح.
وبالفعل، لا يزال الكثير مما سيلي ذلك غير واضح. لكن ليس كل شيء غير واضح، وأود ان أتناول هنا الوضع القائم كما يبدو بوضوح، وبعض الشيء عما آمل ان يكون عليه الوضع:
واضح ان العنصرية جريمة وشيء فاحش مثير للاشمئزاز يمثل انتهاكاً فظاً لقواعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ويملي الضمير على كل شخص شريف ان يرفع صوته ضد كل اشكال العنصرية، في كل مكان وفي أي وقت، اولاً وقبل كل شيء في كل مكان على مقربة منه وفي أي وقت خلال حياته، وان يدين العنصرية ويقاومها، ويعمل على التصدي لكل اشكال التمييز العنصري ويسعى الى تفكيكها وازالتها.
وواضح ان أي تمييز او اقصاء او حصر او تفضيل، بالاستناد الى العرق او اللون او الاصل او الاصل القومي او الاتني، يكون هدفه او نتيجته الغاء او إضعاف الاعتراف او التمتع بحقوق الانسان والحريات الأساسية في المجال السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي او اي مجال آخر في الحياة العامة بما فيها، بالطبع، الحق في سكن مناسب، او ممارستها، على قدم المساواة، يُعرّف على انه "تمييز عنصري" في القانون الدولي راجع "المادة 1" من "الميثاق الدولي الخاص بإزالة كل اشكال العنصرية والتمييز العنصري" للعام 1966، الذي وقعته اسرائيل في السنة ذاتها وصادقت عليه في 1979.
واضح انه في بطاقات الهوية الشخصية التي تصدرها وزارة الداخلية الاسرائيلية لمواطني اسرائيل والمقيمين فيها الذين يُعترف بهم قانونياً باعتبارهم "يهود"، بما في ذلك هويتي، يُصنّف الاصل الديني اليهودي ك "قومية". بمعنى آخر، تنتهك دولة اسرائيل مبادئ ومواد "الميثاق الدولي الخاص بازالة كل اشكال العنصرية والتمييز العنصري" ليس في التطبيق فحسب بل في قانونها المحلي ايضاً. وقد صاغ الكنيست الاسرائيلي بنية قانونية معقدة تستهدف حصر وتقييد الحق في سكن مناسب في كل مواقع المستوطنات التعاونية بما فيها الكيبوتزات والموشافيم والمستوطنات الجماعية ب"اليهود" وحدهم، وتحديداً باولئك الاشخاص الذين يُعتبرون "يهوداً" في القانون. هذه البنية القانونية المعقدة، تعتمد على قانون "مكانة المنظمة الصهيونية العالمية/ الوكالة اليهودية، 1952، قانون "الصندوق القومي اليهودي" 1953، "القانون الاساسي: أراضي اسرائيل"، قانون "أراضي اسرائيل" و"قانون ادارة أراضي اسرائيل" للعام 1960، والمواثيق المبرمة بين حكومة دولة اسرائيل والمنظمة الصهيونية العالمية/ الوكالة اليهودية و"الصندوق القومي اليهودي" في 1954 و1961 على التوالي وتُطبّق بجلاء بطريقة عنصرية اذا استندنا كما يجب ان نستند الى معايير القانون الدولي وقواعد السلوك المتنور المقبولة في الغرب. وآمل ان تجد المحكمة العليا السبيل لتوجيه المؤسسات المذكورة بتعديل الطريقة التي تُطبّق بها هذه البنية القانونية، بشكل خاص في الوقت الحاضر، بعد تمرير الكنيست ل "القانون الاساسي: حرية وكرامة الانسان" للعام 1992، بهدف تطبيقه بطريقة تتمشى مع القواعد المذكورة للسلوك المتنور.
واضح ان "الصندوق القومي اليهودي" و"كاتسير: الجمعية التعاونية للاستيطان الجماعي في السامرة م.ض" و"الوكالة اليهودية لارض اسرائىل" و"ادارة اراضي اسرائيل" آي إل أي تنسق يداً بيد في كاتسير بهدف حرمان المواطنين العرب في اسرائيل من حق الاقامة في هذا الموقع. لذا فإنه شرف عظيم بالنسبة لي ان اسلّم اليوم مفاتيح هذا المنزل في جادة هآميريم الرقم 42 في التل الغربي في كاتسير لعائلة فتحي ونوال محاميد، اصدقائي الذين تحركت بالنيابة عنهم كوكيل، ابتداءً بزيارتي الاولى الى مكتب مجلس بلدية تال-ايرون كاتسير في نيسان ابريل 1995 للقاء تزيبي ميلر، "منسقة شؤون الإسكان والاستيعاب" في ذلك الحين. وآمل حقاً ان تتمكن عائلة قعدان في وقت قريب من بناء منزلها على قطعة الارض المخصصة لها. واتطلع، بالطبع، الى ان تتوصل المحكمة العليا الى توجيه المؤسسات المذكورة بأن تنهي التنسيق بينها وتسمح بتحويل الحقوق في العقارين المحددين الى عائلتي قعدان ومحاميد، كما فعلت عندما وجدت وسيلة للسماح بعقد ايجار منزل بوريس سنيور في كفار شمارياهو، الذي شُيّد ايضاً على ارضٍ تابعة ل "الصندوق القومي اليهودي"، الى سعد مرتضى السفير المصري الأول في اسرائيل.
ومن حسن حظ كاتسير ان اسمها سيرتبط بنقطة انعطاف مهمة في تاريخ دولة اسرائىل. وسيأتي يوم يشعر فيه سكان كاتسير بالفخر للمكانة الريادية التي اكتسبها موقعهم بحكم قربه من مدينة ام الفحم وقرية يافا الغربية وقرية عرعرة. فالفضل يعود لموقع كاتسير الجغرافي الذي سمح لعائلة المحامي توفيق وهيلينا جبارين ان تنشئ اول منزل عربي في كاتسير التل الأوسط وسمح، ابتداءً من اليوم، لعائلة لا تقل مدعاة للاعجاب، هي عائلة نوال وفتحي محاميد، ان تشيّد منزلاً عربياً ثانياً في كاتسير التل الغربي. واُضيفت الى ذلك مساهمة مثيرة للاعجاب من عائلة عادل وايمان قعدان التي لا يزال الطلب المتعلق بحقها في ان تبني منزلها في كاتسير التل الغربي قيد النظر في المحكمة العليا، فضلاً عن التزام جمعية "البيت" للدفاع عن حقوق الانسان في اسرائيل، التي يلتئم هذا الجمع برعايتها.
اُدرك ان البعض وسط سكان كاتسير، وهم الغالبية اليوم، واقلية غداً، يعارض إقامة عائلة توفيق وهيلينا جبارين في "التل الأوسط" في كاتسير، ويعارض على نحو مماثل إقامة عائلة عادل وايمان قعدان وعائلة فتحي ونوال محاميد في "التل الغربي" في كاتسير. لكن ادرك ايضاً ان هناك البعض وسط سكان كاتسير، وهم اقلية اليوم، وغالبية غداً، يرحب باختيار عائلات جبارين وقعدان ومحاميد الاقامة في هذا الموقع ويتقبلون وجودها بقلوب مفتوحة وأذرع ممدودة، لا لان هؤلاء "عرب" واولئك "يهود"، بل لان اولئك وهؤلاء هم اشخاص وبشر ينبغي ان يُمنحوا مساواة كاملة في الحقوق. ينبغي ان اضيف انه ربما كان يمكن مبدئياً القبول بفكرة اقامة دولة اسرائيل كدولة "يهودية" كما جاء في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 181 في تشرين الثاني نوفمبر 1947 الذي اوصى بتقسيم فلسطين الجغرافية الى دولتين كل منهما ثنائية القومية وديموقراطية، احداهما"يهودية" والاخرى "عربية"، ترتبطان معاً في وحدة اقتصادية. لكن قرار الجمعية العامة هذا لم يكن إذناً لارتكاب انتهاكات فظة لقواعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان عبر الاحتلال والطرد الجماعي والتشريد والتمييز العنصري ضد غير اليهود، بشكل خاص ضد العرب الفلسطينيين كأفراد وكجمهور. لم يكن يُقصد منه ان يكون إذناً لانشاء دولة تقوم على التفوق الاتني هدفها ان تضمن في القانون وجود غالبية أثنية يهودية في كاتسير، او أي مكان آخر. يشرفني بهذه المناسبة ان اقدم الى فتحي ونوال محاميد وعائلتهما مفاتيح المنزل الكائن في جادة هآميريم الرقم 42، الذي بنيته في كاتسير بصفتي ممثلكم. والى ان يتحدد وضعكم القانوني في كاتسير بشكل واضح، ارحب بكم في ضيافتي.
واود ان اشكركم جميعاً مرة اخرى لتشريفكم إياي والمناسبة بحضوركم."
بعد ذلك باسبوع، كتب المحامي توفيق جبارين الى "ادارة اراضي اسرائيل" آي إل أي يطلب رسمياً نقل الحقوق في العقار المذكور في جادة هآميريم، الرقم 42، التل الغربي، كاتسير من اسمي الى اسم فتحي محاميد.
والارجح ان ترفض "آي إل أي" الطلب، وعندذاك سيُحال الامر الى المحكمة العليا.
ونتوقع ان نفوز.
* زميل ابحاث بصفة الشرف في "مركز دراسات الشرق الاوسط والاسلام" في جامعة درهم، بريطانيا، وفي "مركز دراسات الخليج العربي" في جامعة اكستر، بريطانيا، رئيس مؤسسة "البيت" جمعية للدفاع عن حقوق الانسان في اسرائيل، وعضو مراقب في المجلس الوطني الفلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.