وسط رقص البدو والزغاريد والمراسيم المهيبة احتفل الأردن في التاسع من حزيران يونيو الماضي بتنصيب عبدالله بن الحسين ملكاً على البلاد. وكانت بريطانيا لاحظت بارتياح كبير اداء الملك عبدالله على الصعيدين المحلي والعالمي منذ تسلمه السلطة اثر وفاة والده الواسع الشعبية قبل اكثر من خمسة أشهر. تمتعت بريطانياوالأردن بعلاقات خاصة منذ 1923، عندما اعترفت لندن، مع التأييد الكامل من عصبة الأمم، بالأمير عبدالله حاكما على الاردن. وكانت بريطانيا وقتها، بعد هزيمة الامبراطورية العثمانية، تمارس الوصاية على المنطقة بهدف تأهيلها للاستقلال. وتلقت عمان من لندن في السنين اللاحقة الدعم الاقتصادي والعسكري. وتستمر الى الآن علاقات الصداقة بين الطرفين، وعلى كل الصعد، بدءا بالعائلتين. في 1951 شكل اغتيال الملك عبدالله على يدي فلسطيني في المسجد الأقصى صدمة مؤلمة لبريطانيا. وكان حفيده الملك حسين وقتها درس في كلية هارو ثم كلية ساندهرست العسكرية البريطانية. وكان عمره 17 سنة عندما اعتلى العرش بعد والده طلال، الذي اضطر الى التنازل لأسباب صحية. وقال الديبلوماسي المرموق الراحل السير انتوني بارسونز، سفير بريطانيا السابق الى الأممالمتحدة، في كتابه "يقولون أن الأسد ..." عن تجربته في الشرق الأوسط ان "الملك حسين يحظى باعجاب شعب بريطانيا ومحبته اكثر من اي زعيم شرق أوسطي آخر. وهو يستحق ذلك. إذ لعبت شجاعته ومهارته وتجربته وصفاته القيادية الدور الأكبر في الحفاظ على تماسك بلده خلال اكثر من ثلاثين سنة من الأزمات السياسية والحروب". ولم تكن رئيسة وز راء بريطانيا السابقة مرغريت ثاتشر تعرف الكثير عن الشرق الأوسط عندما انتقلت الى داوننغ ستريت مثل رئيس الوزراء الحالي انتوني بلير، لكنها اقامت علاقات طيبة مع الملك حسين اثناء زياراته المنتظمة الى لندن، واعتبرته "الوجه المقبول للعرب". وأثار ذلك مشكلة لوزراء خارجيتها، الذين اضطروا الى بذل جهود كبيرة لاقناعها بأن اراء الملك حسين عن الصراع العربي الاسرائيلي، على اهميتها، هي ليست الوحيدة، بل يجب الاستماع الى ما تقوله شخصيات اخرى، من بينها ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير التحرير الفلسطينية. وكانت ثاتشر تعتبر منظمة التحرير منظمة ارهابية وتقارنها بالجيش الجمهوري الارلندي. هنالك قضيتان شابتا التاريخ الطويل من الصداقة بين بريطانياوالاردن. الأولى كانت الطريقة المفاجئة التي اقدم فيها الملك حسين على طرد غلوب باشا، وهو ما اثار حفيظة الجيل القديم من ساسة بريطانيا. وكتب وقتها اللورد كارادون، وهو سفير بريطاني آخر الى الأممالمتحدة، أن مغادرة غلوب باشا "جاءت بعدما انقضت مرحلته. واذا كان اسلوب اقصائه مهينا فإن قبضته على السلطة كانت بلغت درجة من القوة بحيث ربما كان من الصحيح ان لا يستمر اكثر في موقع القوة الكاملة الذي ابتناه لنفسه". القضية الثانية جاءت اثناء احتلال العراق للكويت، عندما اعتبرت لندن ان عمان اتخذت موقفا اقرب مما يجب الى بغداد. ولم تقتنع بريطانيا بمحاولات الملك حسين التوصل الى حل سلمي للأزمة، كما لم تبد الكثير من التفهم لاعتماد الأردن المتزايد على العراق. ولم تدرك أوساط لندن السياسية ان استمرار الحرب وتدفق اللاجئين سببا مشاكل حقيقية للاردن. لقيت وفاة الملك حسين، المبكرة نسبياً، اهتماماً كبيراً من الصحافة البريطانية. كما اهتمت الصحافة بالاسابيع المذهلة والدرامية التي سبقتها. وبدا الأخذ والرد داخل العائلة المالكة الأردنية وكأنه مسرحية شكسبيرية. ولم يكن من المعتاد اعطاء هذا المقدار من الاهتمام الى العالم العربي. وحصل الأمير الحسن، الذي تلقى تعليمه في اكسفورد، والمعروف بثقافته العالية وحنكته السياسية، على كثير من التعاطف في لندن. إذ اعتبر ولياً للعهد طوال السنين ال34 الماضية. واستغربت الأوساط البريطانية ان العاهل الجديد هو الأمير عبدالله، الابن الأكبر لثاني زوجات الملك حسين، المولودة في مدينة ابسويتش البريطانية. وكان الأمير عبدالله سار على خطى والده من حيث التعليم في كليتي هارو وساندهرست، اضافة الى قضائه بعض الوقت في اكسفورد ومع الجيش البريطاني في المانيا. قام الملك عبدالله بجولات عربية وأوروبية واسعة، من ضمنها زيارة ناجحة تماما الى لندن. ان الخدمة الأفضل التي يمكن ان تقدمها بريطانيا له هي تركه ليوطد موقعه في بلده وكذلك بين زعماء الشرق الأوسط. فيما ان الأسوأ ان تحاول لندن التأثير عليه، خصوصا وان سياستها الحالية تجاه الشرق الأوسط لاتتجاوز ان تكون نسخة من سياسة واشنطن. لا شك ان تحسين الوضع الاقتصادي الاردني هو من بين المهام الرئيسية للملك عبدالله، وهو مجال يستطيع توني بلير المساعدة فيه. * سياسي بريطاني، نائب سابق من المحافظين.