إذا كان من خاسر في الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة فهو أنا وحدي. غوردون براون يستطيع أن يقول إنه منع المحافظين من الفوز بغالبيةٍ للحكم وحدهم، وديفيد كاميرون يقول إنه فاز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان للمحافظين، ونك كليغ يستطيع أن يقول «انتصرنا» حتى وحزبه متأخر كثيراً لأنه أصبح «صانع ملوك»، ومن يتحالف معه يشكل الحكومة المقبلة، بل إن الأقليات، وأنا منها، تستطيع أن تدعي الفوز، ففي البرلمان الجديد ارتفع عدد نوابها من 14 الى 27، وبينهم للمرة الأولى نائبة مسلمة. أزعم انني الخاسر الوحيد في بريطانيا بعد الانتخابات وهو ادعاء يحتاج الى شرح فأشرح. أنا موطن عربي يحمل الجنسية البريطانية، وأحب البلد وأهله وأحترمهم لأسباب كثيرة، وإذا رأيت شرطياً في الشارع «أزرّر» الجاكيت وأنتقل الى الرصيف الآخر كما نفعل في بلادنا، مع إدراكي أن الشرطة في بريطانيا تخاف الناس، وليس العكس، ثم أمشي الحيط الحيط وأقول: يا رب نوصل البيت. بصفتي مواطناً بريطانياً أعرف أن الحزبين الكبيرين سيزيدان الضرائب، وبصفتي مواطناً عربياً، فالحزبان لهما السياسة نفسها في الشرق الأوسط، أي تأييد إسرائيل، وكل منهما يزايد على الآخر في السعي لتوثيق «العلاقة الخاصة» مع أميركا، أي تأييد إسرائيل مرة أخرى. وأزعم أن الوضع الآن أسوأ منه عندما وصلت الى بريطانيا قبل 35 سنة، وأنا أعتقد أنني في إجازة أسبوع واحد فقط، وأشرح مرة أخرى. في نهاية 1975 كان هارولد ويلسون يرأس حكومة عمالية لها في البرلمان غالبية ثلاثة أصوات فقط، وذهبت الى جدة لرئاسة تحرير «عرب نيوز» وعدت الى لندن قرب نهاية 1977 لبدء العمل على إصدار «الشرق الأوسط». كان العمال شبه شيوعيين والحد الأعلى للضريبة 80 في المئة (لا خطأ مطبعياً هنا)، غير أنه كانت هناك إعفاءات كثيرة، وبما أن مرتبي يحوّل من الخارج فقد دفعت ضريبة على نصفه، وكانت السيارة والبنزين والسائق على حساب رب العمل وغير ذلك فوائد كثيرة. وجاءت مارغريت ثاتشر الى الحكم سنة 1979 وخفضت الضرائب فوراً الى 60 في المئة كحد أعلى ثم هبطت بهذا الحد الى 40 في المئة. وقد دفعت الحد الأعلى للضريبة على امتداد 30 سنة. الآن الوضع أسوأ. فالحزبان الكبيران سيرفعان الضريبة الى 50 في المئة كحد أعلى على الدخول الكبيرة، مع فرض ضريبة إضافية بمبلغ 30 ألف جنيه في السنة على المواطنين الذين لا يُحاسَبون عما يملكون خارج بريطانيا، أي عليّ شخصياً. وبما أن الفوائد والإعفاءات ألغيت تدريجاً مع بدء ثاتشر خفض الضرائب، فنحن نواجه عودة السبعينات مضاعفة، وهو رأي المحاسب المسؤول عن وضعي الضريبي، أي رأي خبير. وما كنت لأتحدث عن الموضوع لو أنه اقتصر عليّ، إلا أنني في الواقع أعرف عرباً كثراً تركوا بريطانيا بسبب الضرائب، ومثلهم روس وأوروبيون شرقيون آخرون، ومهاجرون من هونغ كونغ بعد ضمها الى الصين، فلم يبقَ إلا الذين لا يدفعون ضرائب ويعيشون على حساب الدولة. كنت سأقبل الوضع الضريبي السيئ، فأنا أستطيع أن أترك البلد إذا شئت، لولا الوضع السياسي الأسوأ منه، والمقصود هنا موقف الحزبين الكبيرين، من الشرق الأوسط، فهو إسرائيلي لا يخفيه أي «مكياج» أو رتوش أو عطور، ما يعني أنني أدفع نصف دخلي ضريبة تستعملها حكومة تؤيد إسرائيل. ما سبق لا يلغي أن للعرب دائماً أصدقاء بريطانيين كباراً لا يخشون أن يعلنوا مواقفهم بجرأة ويدافعون عنها، منذ العدوان الثلاثي، ومروراً بحربي 1967 و1973 وحتى اليوم. غير أن بعض أفضل الأصدقاء قضى مثل اللورد كارادون واللورد كريستوفر ماهيو، وبعضهم تقاعد واعتزل، مثل السير جيمس كريغ والسير دنيس والترز. وهناك الآن جيل شاب من الأنصار ربما يجد طريقه الى دوائر الحكم. اللورد كارادون من عائلة سياسية معروفة، وهو كان حاكم نابلس أيام الانتداب البريطاني وسجن المناضل الشاب أكرم زعيتر، وعاش ليعتذر له عبر «الشرق الأوسط» وأنا أرأس تحريرها، ويعترف له بالجهل. وكان اللورد كارادون، واسمه الأصلي هيو فوت، شقيق مايكل فوت، زعيم حزب العمال الذي خسر انتخابات 1984 ضد مارغريت ثاتشر على أساس برنامج انتخابي يساري للغاية، حتى إنه وصف في حينه بأنه أطول رسالة انتحار في التاريخ، ولا أزال أذكر منه اقتراحات الضرائب الإضافية والوعد بأن تتخلى بريطانيا عن أسلحتها النووية أملاً بأن تحذو الدول الأخرى حذوها. اليوم لم يبقَ لي في بريطانيا سوى سياسة ضد العرب أدفع ضرائب عليها لتستمر. [email protected]