لكل ثورة غضب عربية منذ أحرق محمد البوعزيزي نفسه في 17/12/2010 أسبابها التونسية أو المصرية أو اليمنية أو الليبية، غير أن السبب المشترك بينها جميعاً هو كره إسرائيل. المصريون هاجموا السفارة الإسرائيلية واقتحموها بعد أن هتفوا ضد إسرائيل في ميدان التحرير، والأردنيون تظاهروا أمام سفارة إسرائيل في عمّان، وتركيا طردت السفير الإسرائيلي في أنقرة لسبب «فلسطيني» هو مهاجمة أسطول السلام في عرض البحر لمنعه من الوصول إلى قطاع غزة. مع ذلك نسمع أن مجموعة الثماني وعدت بتقديم 38 بليون دولار للمساعدة على التغيير في الشرق الأوسط، والولاياتالمتحدة قدمت 65 مليون دولار لجماعات مؤيدة للديموقراطية في مصر، ما أثار غضب الحكومة من جهة، وما جعل بعض الجماعات يعلق أنه لا يريد مالاً أميركياً، وقال آخرون إن: «الإدارة الأميركية تحاول أن تشتري الإصلاحات». السفيرة الأميركية الجديدة لدى مصر آن باترسون استُقبلت لدى وصولها بعداوة غير مبررة أبداً من بعض الميديا المحلية، إلا أننا نعرف أن الاستياء هو من السياسة الخارجية الأميركية لا من السفيرة، فهي ديبلوماسية محترفة، ولا بد أن تحاول جهدها لتحسين العلاقات مع مصر، وقد قرأت لها تصريحاً عن شعورها بأن مصر تسير في طريق الديموقراطية. أرجو ذلك، ولكن هل الديموقراطية في مصر أو أي بلد عربي تناسب الولاياتالمتحدة؟ إذا أجريت الانتخابات البرلمانية المصرية، كما هو متوقع، في النصف الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) فالإخوان المسلمون سيكونون في مقدم الفائزين، حتى لو لم يحصلوا على غالبية نيابية، وموقفهم ضد إسرائيل لا يحتاج إلى شرح. وإذا أجريت انتخابات الرئاسة في شباط (فبراير) القادم كما نسمع فإن برامج المرشحين تلتقي في نقطة واحدة هي التشدد ضد إسرائيل. اليوم إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل أصبح موضوعاً مطروحاً، ولعل المشير حسين طنطاوي عكس شعور الشارع المصري وهو يرفض الرد على مهاتفة من بنيامين نتانياهو خلال حصار السفارة في القاهرة، كما رفض وزراء مصريون الرد على اتصالات نظرائهم الإسرائيليين، ما جعل الإدارة الأميركية تتدخل لنقل الرسائل بين الطرفين. طبعاً مع وجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل تضم عدداً من مجرمي الحرب ستظل العلاقات متوترة، وسيظل الشارع العربي ضدها. ونتانياهو كان من الوقاحة أن يقول: «إن الهجوم على السفارة لن يمر من دون رد»، مع أنه رفض الاعتذار بعد أن قتلت إسرائيل دعاة سلام غير مسلحين في عرض البحر، ثم جاء ليحتج ويهدد في حادث لم يُقتل فيه أي ديبلوماسي إسرائيلي. وإذا مضينا في المقارنة فإننا نرى أن كثيرين من الذين هاجموا السفارة، واعتدوا على الشرطة وبعضهم أضرم النار في سيارات سيحاكمون بموجب قانون الطوارئ، أما الذين قتلوا دعاة السلام فقد أعلنت حكومة نتانياهو براءتهم من دون محاكمة. أذكر عندما بدأت ثورات الغضب العربية أن معلقين أميركيين كثيرين، بينهم توماس فريدمان، وهو معتدل، وروجر كوهن، وهو ليكودي حتى لو أنكر ذلك، كتبوا أن إسرائيل لا علاقة لها بما يحدث، غير أن شباب مصر أثبتوا أن العلاقات مع إسرائيل على رأس قائمة ما يريدون أن يشمله التغيير. والآن هناك إسلاميون في الحكم في ليبيا، وإذا كانت سورية نفسها دولة «ممانعة» فإن المعارضين الذين يحاولون إسقاط الحكم يضمون جماعات إسلامية هي حتماً أكثر معارضة لإسرائيل من الحكومة الحالية. اليوم انتقلت «الممانعة» من سورية وإيران وغيرهما إلى تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل ستدفع ثمن سياساتها المتطرفة من تدمير عملية السلام إلى الحصار على قطاع غزة ومصادرة أراضي الفلسطينيين وبناء المستوطنات. والمشكلة الوحيدة للعرب، من ممانعين أو غيرهم، مع الولاياتالمتحدة هي تأييدها إسرائيل، فكل إدارة أميركية ستدفع ثمن سيطرة اللوبي على السياسة الخارجية الأميركية، وقد ضيّع باراك أوباما، رغم ثقتي بنواياه الحسنة، كل المشاعر الطيبة التي أطلقها خطابه في القاهرة، فإدارته لم تنفذ شيئاً مما وعد، بل شعر بعض العرب بأنهم أمام ولاية ثالثة لجورج بوش الابن، وأخشى أن تمنع انتخابات الرئاسة الأميركية السنة المقبلة أي تغيير في السياسة الخارجية يمكن أن يرضي الشارع العربي. [email protected]