من كان يصدق أن القرصنة البحرية، كما عرفتها المحيطات في القرون الماضية، عادت الى الظهور في قوة وخطورة جعلت حكومات منطقة جنوب شرق آسيا تستنفر طاقاتها وتعقد اجتماعات طارئة لبحث استفحال الظاهرة. لا شك أن التدهور الاقتصادي الذي ضرب المنطقة في الأعوام الثلاثة المنصرمة، والإفلاس الذي طاول قطاعات واسعة من خفر السواحل، خصوصاً في أندونيسيا، ساهم الى حدّ كبير في بعث القرصنة انطلاقاً من الجزر الأندونيسية، وما يجاورها. وفي تطور أخير أبلغ عدد من شركات النقل والشحن حكومات المنطقة أن استمرار غياب التدابير الآيلة الى لجم القراصنة سيؤدي الى كارثة مزدوجة على خطوط مضيقي سنغافورة وملكّة، أكثر المضائق البحرية ازدحاماً في العالم. ويعتقد شينغ إينغ رئيس وكالة الشحن في سنغافورة أن القرصنة هي أكثر المخاطر المحدقة بسير حركة الملاحة، ويقول "تعتبر آسيا اليوم وكر القراصنة الجدد. وهناك اتجاه واضح لدى شركات النقل البحري لتلافي العمل على خطوط معينة". وحسب المكتب الدولي للملاحة فإن 38 عملية قرصنة من أصل 66 وقعت في جنوب شرق آسيا خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام المنصرم. بينها 18 غزوة انطلقت من الجزر والمياه الأندونيسية، كما وقعت عشر غزوات أخرى في المضيق الملتوي بين سنغافورةوأندونيسيا. عموماً يحاذي القراصنة "ضحيتهم" في الليل وهم على متن مراكب سريعة، ويتسلقون جوانب السفينة بواسطة حبال معنقدة. ويقول شينغ "ان المعتدين مسلحون بالبنادق والسكاكين وان 66 قتيلاً سقطوا العام الماضي على أيدي هؤلاء في جنوب شرق آسيا"، وتخشى شركات الملاحة والحكومات المعنية أن تؤدي إحدى هجمات القراصة الى كارثة بيئية - اقتصادية إذا تعرّضت ناقلة نفط للاصطدام بسفينة منهوبة وتائهة. ذلك أن القراصنة كثيراً ما يقتلون أو يربطون البحارة بعيداً عن قمرات القيادة ما يجعل سفنهم شاردة على هوى البحر. تعبر المضيقين المذكورين أعلاه ستمئة سفينة شحن يومياً معظمها ناقلات نفط وجهتها الهند والمحيط الهادىء، عبر جنوبالصين وبحار أندمان. قائد البحرية في سنغافورة، الأدميرال ريتشارد ليم يؤكد أن بلاده تنسق عمليات الضبط والملاحقة مع السلطات الأندونيسية بموجب معاهدة موقعة العام 1992، إلا أن التصدي البحري لا يكفي "من الضروري" يقول ليم "ان تعمل البلدان المعنية بسرعة فائقة لترتيب شبكة ملاحقة أرض - جوية موازية للعمل البحري كي نستطيع القبض على القراصنة ومنعهم من ترويج بضائعهم المسروقة في الأماكن التي يعتقدونها آمنة لتجارتهم". وفي عودة الى التاريخ، عندما كان القراصنة يرفعون العلم الأسود وفي وسطه جمجمة وعظمتان متقاطعتان، كشفت أبحاث ديفيد كوردينغلي المنشورة حديثاً في كتابه "تحت البيرق الأسود: رومانسية وواقع الحياة مع القراصنة" أن سفينة قرصنة غرقت عام 1717 قرب ماساشيوستيس كان اسمها "وحيدة" والاسم ليس ترجمة بل هو اسم عربي يبدو أن مصدره شاطىء شمال أفريقيا. واللافت في كتاب كوردينغلي انه يلقي أضواء ايجابية على "نظام" القرصنة في القرنين السابع عشر والثامن عشر حتى بداية القرن التاسع عشر، حين وصل عدد القراصنة في بحر الصين الى خمسين ألف قرصان. ويزعم كوردينغلي، الذي درس التاريخ في اوكسفورد وساسيكس، أن القراصنة بين 1680 - 1725 كانوا متمردين ديموقراطيين، ينتخبون قباطنتهم ويعاملون أسراهم معاملة حسنة اضافة الى أنهم كانوا يتوزعون الغنائم ويوزعونها بالعدل والقسطاس، وكانوا يولون جرحاهم ومعوقيهم اهتماماً خاصاً مدى الحياة. كما يذكر كوردينغلي أن المساواة العنصرية لم تكن في مكان على اليابسة بقدر وجودها على سفن القراصنة في عهدهم الذهبي.