تفضل الفتيات الدمى والصبية السيارات في السنة الأولى، لكن الدراسات تجمع اليوم على أن الأطفال يدركون باكراً من منهم ذكر، ومن منهم أنثى، قبل سن الثالثة وقبل "عقدة أوديب" بكثير! "غداً، عندما أصبح كبيراً، سأصير والداً مثل أبي". هذه الجملة غالباً ما يكررها الطفل الذكر. وهي تؤكد أنه فهم أشياء كثيرة، منها أن هناك جنسين مختلفين، وأنه ينتمي الى الجنس الذكري، وأن ذلك سيؤدي به بطريقة منطقية جداً الى أن يكون والداً. ويقول المحللون النفسيون أنه اكتسب هويته "الجنسية"، وهذا يعني بدء مشوار طويل. فإذا كان الطفل المولود حديثاً صاحب "جنس" محدد فذلك على رغمه. وطول أسابيع، سيبقى في حال اتحاد مع والدته، ما يولد لديه شعوراً بأنهما واحد. ويشرح أحد الأطباء النفسيين أن الطفل "كي ينمي المميزات الخاصة بجنسه، عليه أولاً أن يتخلص من هذه العلاقة الاتحادية مع والدته". فالهوية تنشأ بالفعل من التمييز والاختلاف. ويعي الطفل أنه موجود عندما يفهم أنه ليس والدته وإنما كل واحد منهما شخص مستقل. وفي الوقت نفسه، هو "يسجل" وجود جنسين مختلفين، وصورة الوالد، أساساً، هي التي ستسمح له بالقيام بهذه الخطوة المهمة. وحتى لو كان الأب يؤدي دور الأم، لجهة اهتمامه بالطفل فيعطيه قارورة الرضاعة ويغير له حفاضاته، فإنه لا يقوم بهذه الاهتمامات بالطريقة نفسها التي تقوم بها المرأة، لأن حركاته وتصرفاته وحتى نبرة صوته مختلفة تماماً. إذاً، ان وجود الأب أو أي شخصية ذكرية في حال غياب الوالد يمكّن العم أو الخال أداء هذا الدور سيسمح للطفل الصغير باختبار الفرق الذي سيكون الأساس في تكوين هويته. من هنا فإن الفتيات أو الصبية سيسلكون دروباً مختلفة. وسيصنف الطفل نفسه في سرعة "مثل" أحد الوالدين و"مختلفاً" عن الآخر. فالذكر الصغير يتخلص من الانصهار الطبيعي بوالدته عندما يفهم أنه لا يشبهها ويجد نفسه كوالده. ولتنمية شخصيتها وأنوثتها تتخلى الطفلة الصغيرة، هي أيضاً، عن والدتها وتهتم بوالدها كموضوع حب جديد. "فالقدرة على الشعور بالحب مرتبطة عند المرأة بفعل شعورها وهي طفلة بأن والدها أحبها"، كما يشرح الطبيب النفسي. "فدور الوالد ومكانه مهمان جداً في مرحلة الطفولة، والانصهار المطول بشخص الأم قد يضر باستقلال الفتاة أو ذكورية الصبي الصغير. لذا فإن الجهوزية والدعم الوالدي أساسيان خصوصاً عند الصبية الذين تتفاوت أعمارهم بين 18 و24 شهراً". غالباً ما يكون الطفل الذكر معجباً الى أقصى الحدود بوالده، مثله الأعلى، وهو في حاجة الى رأيه في كل شاردة وواردة. أما الفتاة فتقلد والدتها في كل شيء، فتضع أحمر الشفاه وطلاء الأظافر غير آبهة بمعارضة والدتها أو موافقتها. إذاً يعرف الطفل، مهما كان صغيراً، الى أي من الجنسين ينتمي. وهو يرتب الأشياء والتصرفات والشخصيات والأدوار بين المذكر والمؤنث. وقد أكدت ذلك دراسات عدة. فقبل سن السنتين يدرك الأولاد ان الناس نوعان: النساء يرتدين الفساتين وشعرهن طويل، أما الرجال فيلبسن البزات وربطات العنق. وإذا التزم الطفل سلوك جنسه، فليس لأنه وجد نفسه من خلال أحد والديه، وحسب، وإنما لأنه أيضاً أجبر على التكيف مع ذلك منذ ساعته الأولى. اليوم يمكننا معرفة جنس الجنين بالايكوغرافيا، وقبل أن يولد يحلم به والده لاعب كرة أو طبيباً أو مهندساً أو معلمة مدرسة أو راقصة باليه. "فتقبل الجنس والتدرج به تحدده أيضاً الثقافة" كما يقول الاختصاصيون، و"قبل الولادة نقولب أولادنا بحسب ديكور الغرفة أو اختيار الثياب والألوان". وما أن يصل الطفل الى المنزل حتى يتصرف الأب والأم بطريقة مختلفة، بحسب جنسه. وتعطى حرية الاكتشاف والحركة للطفل الذكر أكثر، أما الفتيات فيتلقين المساعدة غالباً، وعليهن أن يكن اجتماعيات وأكثر مسؤولية، فيما المطلوب من الذكور أن ينضجوا ويستقلوا. حتى تفسيرنا لتصرف الطفل يختلف باختلاف جنسه. فمن خلال بكائه نكتشف الغضب لدى الصبي والاستغاثة لدى الفتاة. وغالباً ما يكون الوالد هو الذي يقولب الأدوار. فهو يبدو أكثر ثرثرة مع الفتاة فيما يشتري ألعاباً ذكورية تنمي شخصية الصبي. وهو يوقعه أرضاً ويتصارع معه، ويركض وراءه ويلعب معه بالكرة. وعندما يكبر الطفل قليلاً يقدم اليه بطريقة تقليدية، الألعاب التي تتماشى وجنسه. فألعاب الصبيان تنمي الخيال والخلق وحب المغامرة وحب القتال. أما ألعاب الفتيات، وهي محصورة عدداً، غالباً ما تنحصر في أدوار الأمومة والأعمال المنزلية. ويدعو الطبيب النفسي الى "تشجيع الأطفال على اعتماد تصرفات تعتبر مناسبة لجنسهم، إذ أن الوالدة ثم الوالد وأخيراً المجتمع بكامله يؤثرون في تطور هوية الطفل الجنسية. ففي عمر السنة يتصرف الطفل على أساس أنه ذكر أو أنثى قبل أن يعي تماماً هويته الجنسية"، قبل أن يكتشف فعلاً الفرق التكويني الأساسي. وعندما يعيش الأطفال في جو مختلط يبدأون في أشهرهم العشرين الأولى بمراقبة بعضهم بعضاً وملاحظة الفرق في التكوين بين الصبي والفتاة، الأمر الذي يشغلهم طويلاً ويولِّد فيهم أسئلة ومشكلات، وعقداً ربما. ولكن ما أن يطمئن الطفل الى نوعية جنسه، لا يعود شيء يمنعه من اللعب وتقليد الجنس الآخر، إذا أراد ذلك. ويجب ألا نشعر بالخوف إذا ارتدى الصبي حذاء والدته ذا الكعب العالي أو وضع مخدة تحت كنزته بعد زيارة صديقة حامل لوالدته. فالأطفال في هذا العمر يعشقون التنكر، كطريقة لإظهار فضولهم نحو الجنس الآخر لاكتشافه أكثر. ولكن إذا قال الصبي مثلاً أثناء اللعب "عندما أصير أماً..."، يجب تنبيهه لكي لا تختلط عليه الأمور، وتصبح عنده مشكلة هوية جنسية حين يكبر. وعلى الأهل أن يتقبلوا بكل رحابة صدر جنس طفلهم، ذكراً كان أم أنثى. فإذا أبدوا اعتزازهم بأنوثة طفلتهم، لن يؤثر ذلك في رغبتها في اللعب بالسيارات أو تسلق الأشجار إذا رغبت في ذلك، وتعليم فن الطبخ للذكر الصغير لن يضره إذا كانت كل العائلة في المقابل تتباهى برجوليته الظاهرة. فهذه الألعاب تعبير عن هوية مكتسبة جيداً. وبعكس ما كان الاعتقاد سائداً، فإن الهوية الجنسية تتكون باكراً قبل "أوديب". ففي سن العقدة الشهيرة هذه، أي في الرابعة أو الخامسة، يجب فقط توطيد مكتسبات الطفل في شأن هويته.