شاءت الأقدار أن أتعرف على الإمارات عبر نوافذ الرياضة عندما قدم "المنتخب الأبيض" خدمة العمر لمنتخب العراق في دورة كأس الخليج العربي الرابعة لكرة القدم في قطر في العام 1976 بفرضه التعادل على المنتخب الكويتي في أكبر مفاجآت الدورة، فأعاد للمنتخب العراقي حينها فرصة التنافس على اللقب الخليجي. وبعد انقطاع دام ثلاثة أعوام تضاعف عشقي للإمارات من خلال مشجعيهم الذين زينوا مدرجات ملعب الشعب في العاصمة بغداد وهم يؤازرون منتخبهم اثناء دورة الخليج الخامسة. كانت فرقة التشجيع تضم طبّالاً وزمّاراً لا يتوقفان عن التشجيع سواء اثناء خسارة الإمارات أمام الكويت بسبعة أهداف أو أمام العراق بخمسة أو أمام البحرين بثلاثة أهداف. ايقاع الطبّال وزقزقة الزمّار كانا كنبض القلب وشهيق الرئة، ان توقف أحدهما تخلخلت موازين الحياة. كان التشجيع الإماراتي شديد الوقع على النفوس لأنه كان يعكس سعادة حقيقية رغم علقم الهزائم المريرة. في العام ذاته، تحققت لي فرصة مشاهدة الإمارات للمرة الأولى عندما نقل التلفزيون العراقي إحدى لقاءات المنتخب العسكري أمام نظيره الإماراتي. اقيمت المباراة في حينها في دبي، وكانت أرض الملعب صفراء كلون الذهب. الأرض لم تكن معبدة بالذهب، بل كانت مفروشة برمل تكاد حرارته تخرم شاشة التلفزيون فتحرق وجوه المشاهدين. رغم صعوبة المناخ كان الطبّال والزمّار يواصلان عملهما وكأنهما لم يتوقفا منذ وجودهما في بغداد. في العام 1982 استضافت أبو ظبي دورة الخليج السادسة، وكنّا في بغداد نتأهل لمتابعة افتتاح البطولة، حيث اشعلنا مكيفات التبريد ظناً اننا سنكون مرة أخرى تحت رحمة "دفء" الرمال الذهبية، وعندها حدثت المفاجأة. تحفة معمارية سموها مدينة زايد الرياضية، أرضها سجاد أخضر، مدرجاتها أحضان أم حنون. المنتخب الأبيض هزم قطر والسعودية وعُمان واحرج العراقوالكويتوالبحرين، والأهم ان الطبّال والزمّار كانا حاضرين وكيف للإماراتي أن يحضر من دون قلبه ورئته؟ بعد أربعة عشر عاماً شاءت الأقدار ان أتجول في رحاب مدينة زايد الرياضية وملعبها الفسيح، جلست بين أحضان مدرجاته، تلونت قدماي بخضرة عشبة الريان. كان الحدث بطولة كأس آسيا حيث تأهل المنتخب الأبيض إلى المباراة النهائية لمقابلة المنتخب السعودي. الطبّال والزمّار كانا حاضرين وهذه المرة جاء معهما ابناؤهما وأحفادهما. وبلغت الإثارة ذروتها عندما تم الاحتكام لركلات الترجيح لتحديد هوية البطل ومعها بلغ عطاء المشجعين الإماراتيين الذروة. السعودية فازت باللقب، والإمارات فازت بكل شيء إلا اللقب. وفيما كنت اسجل ردود فعل الانتصار السعودي، افتقدت في لحظة ايقاعات الطبّال وزغاريد الزمّار، التفت يميناً ويساراً فلم أجدهما فتحول الصرح الكبير في ثوانٍ إلى حجارة صماء. لقد غابت مراسيم الفرح الإماراتي، فالخسارة أمست غشاوة على أنظار المنتخب الأبيض ومشجعيه فلم يبصروا ضياء أفضل انجاز لهم في تاريخ البطولة، ولم يتلذذوا بحلاوة تعيين الإمارات سفيراً لآسيا في بطولة العالم الثالثة للقارات على كأس الملك فهد. كل هذه الانجازات لم تدغدغ أحاسيس الطبّال والزمّار وأبنائهما وأحفادهما فتركوا الملعب قبل أن ينتظروا تتويج المنتخب الأبيض. تُرى لو خيّر الإنسان بين نعمة الاستمتاع في خضم الهزيمة، وغباب الروح وسط جنان الانجازات، فأيهما يختار؟