أصدر فريق العمل الدولي برعاية "مجلس العلاقات الخارجية" الاميركي برئاسة ميشيل روكار، رئيس وزراء فرنسا سابقاً تقريره النهائي عن مؤسسات السلطة الفلسطينية الذي اعتمد "تقويماً شاملاً ومنهجياً" واستهدف تقويم مقدرتها "على المنافسة على الشرعية مع الجهات الراديكالية التي ترفض اتفاقات اوسلو"، على حد ما جاء في مقدمة التقرير. وأوصى التقرير بإجراء اصلاحات تشتمل على "دستور رسمي أو قانون أساسي، ومكتب رئاسة أكثر رشاقة، ومجلس تشريعي أكثر فاعلية ونظام قضائي أكثر استقلالاً، وعمليات مالية أكثر شفافية ومساءلة، وإدارة عامة أكثر رشاقة، وقوة شرطة خاضعة للسيطرة المدنية". والتقرير الذي اشترك في اعداده عشرون خبيراً غالبيتهم من الفلسطينيين، صاغه فريق عمل دولي مكون من ست عشرة شخصية من احدى عشرة دولة من أمثال رومانو برودي الرئيس المعين للمفوضية الأوروبية، وتيري لارسون المستشار الخاص لوزير خارجية النروج وعبداللطيف الحمد رئيس مجلس ادارة الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، وأعضاء سابقين في الكونغرس الأميركي. وإذ حاول هؤلاء تفهم الظروف الصعبة من "تشرذم جغرافي" و"سيطرة بلا سيادة على الأرض والسكان والمصادر الطبيعية"، والتزامات أمنية صارمة تجاه اسرائيل، فقد اعتبر الفرىق الدولي ان السلطة نجحت في انشاء مجلس وزراء عامل، واجراء انتخابات عامة للرئاسة والمجلس التشريعي، وتوفير التعليم والعناية الصحية وخدمات اساسية أخرى، وصياغة تشريعات وأطر تنظيمية لعمل الادارة العامة والنشاط الاقتصادي والتجاري الخاص، والمحافظة على الأمن والقانون والنظام العام. لكن الفريق عاد وأكد ان السلطة تعاني من "نقائص تتراوح بين المأسسة غير الكافية لحقوق المواطنين، وتركيز الصلاحيات بيد السلطة التنفيذية، واستخدام التوظيف في القطاع العام بشكل كبير لتخفيف البطالة أو للمكافأة على الولاء السياسي، الى حالات استخدام العنف من قبل الشرطة والإدارة المالية غير السلمية. وبناء على هذا فقد اعتبر التقرير ان على السلطة الفلسطينية والجمهور الفلسطيني على حد سواء "ان يستخلصوا من طبيعة هذه التحديات ان السياسة والممارسة الحاليتين لا يمكن ان تدوما، لأن المساعدة الدولية لن تستمر بنفس المستوى للأبد". وسبق ان سادت أجواء من التوتر في أجهزة السلطة بسبب التسريبات التي وصلتها حول التقرير أثناء إعداده في مراحل متقدمة وبعد ان انتهى فريق العمل الفلسطيني بالتنسيق بين يزيد صايغ وخليل الشقاقي من اعداد التحليل النقدي وجمع الاقتراحات. واعتبر مقربون من الرئيس ياسر عرفات ان الهدف من وراء التقرير الإساءة الى السلطة. وأدى هذا الأمر الى صياغة حذرة جداً للتقرير تحاول ان تسلط الأضواء على النصف الفارغ في حين تؤكد مرة تلو الأخرى على صعوبة الظروف التي بالرغم منها كانت هناك بعض الانجازات التي تملأ النصف الآخر. ولربما كان التقرير أكثر حذراً تجاه العامل الغائب في كل هذه العملية - اسرائيل. اذ وللغرابة، لا تذكر كلمة احتلال ولو مرة واحدة في كل التقرير، وكأن استعمال مثل هذه الكلمة هو تجن وليس وصفاً دقيقاً للواقع. وحتى كلمة استيطان التي ذكرت مرة واحدة جاءت في اطار القضايا "الخلافية"، وليس غير الشرعية التي تقوم بها اسرائيل. وربما كان أخطر ما جاء في التقرير الذي لا يتعدى كونه الدرس الأول في "المدنيات" لطلاب العلوم السياسية حول "فصل السلطات وشفافية التنفيذ وحرية التعبير. وصدقية القضاء واستقلاله، هو أولى توصياته التي اعتبرت ان "اتفاقات أوسلو والاتفاقات اللاحقة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة اسرائيل قد شكلت الاطار الذي من خلاله ستتشكل القاعدة الدستورية والنظام القانوني للسلطة الفلسطينية". وان شكل المرحلة الانتقالية سيكون هو شكل وطبيعة الحكم في المرحلة النهائية مما يمنع تحقيق السيادة والاستقلال الحقيقيين. ويحمل التقرير في طياته عصا طويلة، قوامها كلمات وعبارات مثل "ينبغي" و"لا بد" و"على السلطة" ان تفعل أو تتجنب كذا وكذا مقابل اعطائها علامات متوسطة في الاجتهاد والمشاركة، وبعض الجزرات في شكل مساعدات من البنك الدولي والسوق الأوروبية المشتركة... الخ. والتقرير الكامل الذي يعد بضع مئات من الصفحات، لم ينشر بعد، حتى يحلل ويقوّم جدياً. ولكن هنالك إشكالية حقيقية في محاولة تقويم "دولية" وسياسية للسلطة الوطنية ومؤسساتها من دون تقويم عام وشامل لطبيعة الصراع في السنوات الخمس الماضية وتحميل اسرائيل مسؤولياتها الأكبر في تعطيل عمل المؤسسات الفلسطينية. فكل فلسطيني يعرف ان السلطة مقصرة، ويبقى ان تُعامل اسرائيل بنفس الشجاعة التي عامل بها التقرير السلطة الفلسطينية.