ماذا حققت اسرائيل على الصعيد السياسي من الحرب الصاعقة التي شنتها على البنى التحتية اللبنانية على مدى سبع ساعات ليل الخميس الماضي وفجر الجمعة؟ انشغلت الأوساط السياسية في الاجابة على السؤال خلال اليومين الماضيين، وسط ذهول وأسى من حجم الضربة واعاقتها للاقتصاد اللبناني. وحتى العقل الغربي البارد، اضطر الى ترجمة هذا الذهول بعبارة يبدو انها سرت بين عواصم دول القرار لتبرر الطلب الى اسرائيل وقف هجماتها، وهي ان الرد الاسرائيلي على صواريخ الكاتيوشا على شمالها "غير متوازن" disproportional في الكثافة والاضرار والضحايا. وهي عبارة استخدمها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، كذلك سفراء دول كبرى في بيروت. حتى الديبلوماسية الاميركية التي ساوت بين تطرف رئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته بنيامين نتانياهو وبين تطرف "حزب الله" كما قال السفير في بيروت ديفيد ساترفيلد الى كبار المسؤولين اول من امس اعترفت بأن درجة التصعيد الاسرائيلي لا تتناسب مع الواقع. الا ان عدم التوازن هذا بدا لكثيرين انه تغيير في قواعد اللعبة يقوم على ان تجاوز تفاهم نيسان أبريل، بعدم التعرض للمدنيين والمنشآت المدنية، هو حق اسرائيلي، لا حق لبناني، للمقاومة التي على ارضه. ويرى مصدر سياسي ان اسرائيل، التي تدرك ان تفاهم نيسان مدعوم من الدول الكبرى، تؤكد مع تسليمها ببقائه، ان تجاوزه غير مسموح به الا لها هي، فإذا قصفت طائراتها المدنيين في الجنوب وصولاً الى البقاع فهذا مبرر واذا قصفت المقاومة شمال اسرائيل رداً على استهداف المدنيين اللبنانيين فهذا ممنوع. وهو فحوى الرسالة التي نقلها السفير ساترفيلد الى الحص حين نصح بأن يلتزم الجانب اللبناني المقاومة عدم الرد ما وراء الحدود. هل تقف النتائج التي تتوخاها اسرائيل عند هذه الحدود ام انها تطلب وقف عمليات المقاومة في الجنوب، كما تنص عليه خطة رئيس الوزراء المنتخب ايهود باراك لاستئناف مفاوضات السلام؟ رؤساء الجمهورية العماد إميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سليم الحص، استبقوا هذا الامر كل على طريقته وأكدوا ان لا تغيير في ثوابت الموقف اللبناني ولا وقف لأعمال المقاومة. بل ان لحود ذهب حد القول "انهم حاولوا في جزين ولم ينجحوا ثم حاولوا في صيدا اغتيال القضاة الاربعة ولم يفلحوا... والآن يحاولون ولن نغير موقفنا". وهو كلام يعني ان لبنان تلقى رسائل ميدانية تضغط لضمان امن اسرائيل ولم يستجب لها. الا ان المسؤولين اللبنانيين ينطلقون جميعاً، تشاركهم في ذلك القيادات السياسية بمعظمها، من ان محاولة تبرئة رئيس الوزراء المنتخب ايهود باراك من العمليات التي حصلت هو من ضمن اللعبة الاسرائيلية، التي تهدف الى وقف عمليات المقاومة، في نهاية المطاف. ومع ان دمشق عبر الاذاعة الرسمية اشارت الى ان نتانياهو يسعى بهذا العدوان الى احراج باراك، فإن بعض الاوساط السياسية اللبنانية رأى في ذلك اشارة ليونة سورية، ازاء الرسالة التي توختها اسرائيل، لا يلغي ان باراك شريك في الحرب الصاعقة التي تعرض لها لبنان. وفي استقراء اهداف ما حصل تتوقف الاوساط الرسمية والسياسية المختلفة عند مجموعة استنتاجات، بعضها يستند الى معطيات ومنها: 1 - ان العدوان كان ثمرة المحادثات المتقدمة بين باراك والاحزاب المتشددة ومنها "ليكود"، من اجل ائتلاف حكومي بينهما. 2 - ان باراك يفرض اسلوبه في المفاوضات المقبلة منذ الآن وهو يستغل المرحلة الانتقالية التي تتحضر لها اسرائيل الى اقصى الحدود فيستفيد من مرحلة نتانياهو لإنجاز بعض المقدمات فيتحمل سلفه سلبياتها ويحصد هو ايجابياتها بالمعنى الاسرائيلي من دون ان يلام او يدان لأن الحاكم ما زال نتانياهو. وهي مقدمات تهدف الى تغيير قواعد اللعبة في المفاوضات على المسارات كافة وخصوصاً المسارين السوري واللبناني فيأتي الى الحكم وتكون الظروف هيأت له شروطاً افضل للتفاوض والمناورة والضغط، على امل الحد من اعمال المقاومة في الجنوب، اذا لم يكن ممكناً وقفها. وثمة من يعتقد ان باراك سعى الى ارساء قاعدة تقول انه اذا كان على المفاوضات ان تبدأ على المسار السوري من حيث انتهت ديبلوماسياً، فإن عليها ان تبدأ من حيث انتهت العمليات العسكرية في الاسبوع الفائت ايضاً. 3 - ان باراك بعث برسائل عدة الى دمشقوبيروت حول مطلب اسرائيل بالضمانات والترتيبات في حال انسحابها، بدءاً من الانسحاب من جزين الذي كان يأمل ان يتبعه دخول الجيش اللبناني اليها. وهو ما لم يحصل. بل ان بعض الاوساط يشير الى انه كان من المتوقع ان تدخل السلطة اللبنانية الى المخيمات لجمع السلاح منها وتعطيلها كبؤرة محتملة لأي عمل عسكري ضد اسرائيل. وهذا لم يحصل. وبعض التقارير الديبلوماسية اخذ يتحدث منذ فترة عن اختبار جديد قد يلجأ اليه باراك بالانسحاب قريباً من بلدة حاصبيا الواقعة في الشريط الحدودي المحتل، في سياق امتحان مدى الاستعداد من اجل ادخال الجيش الى المواقع التي يخليها الاسرائيليون، بعد العدوان الذي شنه الاسبوع الماضي. 4 - ان الاسلوب الذي استخدم ضد لبنان وبنيته التحتية يوم الخميس الماضي هو رسالة الى المفاوضين العرب جميعاً وخصوصاً سورية ولبنان، من جانب باراك، تذكر بما قام به حلف شمال الاطلسي ضد يوغوسلافيا، وتشير الى وجوب التعاطي مع باراك كرجل غير متساهل ومتشدد خصوصاً في المسائل الامنية. 5 - ان بعض الاوساط تساءل عما اذا كان هناك خطأ في الحسابات انجر اليه من قاموا بإطلاق صواريخ الكاتيوشا يوم الاربعاء الماضي غير متوقعين ان يأتي الرد الاسرائيلي بهذا الحجم في المرحلة الانتقالية في اسرائيل، ام ان ما حصل اختبار لاستعدادات باراك، تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب في كيفية التعاطي معه لاحقاً...