يفترض ان يعلن ايهود باراك حكومته اليوم، فقد استهلك في خمسة اسابيع كل ما يمكن ان يقال او يفعل لتشكيل حكومة ائتلافية تخلف حكومة ليكود. باراك يفاوض والأوراق قريبة الى صدره، مثل لاعب البوكر، فلا يعرف احد ما في يده. وأمس كان اثنان من ابرز المعلقين الاسرائيليين يقولان الشيء ونقيضه في تحليل المفاوضات لتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة. ناحوم بارينا في "يديعوت اخرونوت" قال ان باراك "كان يفضل منذ بداية المفاوضات ليكود على شاس". اما نهميا ديوك فقال في الصحيفة نفسها، في اليوم نفسه، "ان باراك كان يريد فعلاً شاس في حكومته". والمنطق يقول ان باراك يفضل دخول الحزبين حكومته، الا انه قد يختار في النهاية أهون الشرين، فهل يكون أهونهما ليكود بقاعدته العلمانية وقدراته الجماعية، او شاس الذي يسعى لمساعدة ناخبيه السفارديم، وقد يهادن في القضايا الاخرى اذا اعطي ما يريد انصاره من طلاب الدين الحراديم. يوم الأربعاء اجمعت الصحف الاسرائيلية على ان ليكود سيدخل التشكيلة الحكومية، وان شاس سيبقى خارجها، غير ان الوضع اختلف مرة اخرى امس الخميس، والصحف نفسها تقول ان باراك اشترط على ليكود تعهداً خطياً بعدم الانسحاب من الحكومة اذا وقعت ازمة وزارية. مهما يكن الأمر، فالموضوع مثل الحَمْل، يعني صبي أو بنت، وربما جاء توأمان، صبي وبنت، اي ليكود وشاس معاً. وما علينا غير الانتظار يوماً او يومين فالمشاورات استهلكت، ولم يبق غير القرار النهائي، وهل يقوم الائتلاف على قاعدة ضيقة او عريضة. ما يعني المراقب العربي من أمر الحكومة الجديدة هو كيف ستتعامل مع قضية السلام، وهنا نجد ان مفاوضات تشكيل هذه الحكومة، مع ماضي باراك نفسه، لم تترك سبباً كبيراً للتفاؤل. اذا دخل حزب ليكود الحكومة، فأريل شارون سيكون جزءاً من الفريق المفاوض. وهو انتزع تعهداً من باراك خلال مفاوضاتهما بأن جميع قرارات البناء في المستوطنات والقدس التي اتخذتها حكومة نتانياهو، وبدأ تنفيذها فعلاً، ستستمر من دون تغيير. أما القرارات الاخرى فستكون موضع دراسة داخل لجنة وزارية. كذلك سيكون لأحزاب اليمين تمثيل مساوٍ داخل اللجنة الوزارية المعنية بالمستوطنات لتمثيل اليسار والوسط. وهذا الكلام يعني ان تقف احزاب ليكود وشاس والدين الوطني واسرائيل بعليا في صف واحد مقابل اسرائيل الواحدة وميريتس. ولم يخرج اتفاق باراك وشارون عن مبادئ الحكومة الجديدة المعلنة من زاوية ان اي اتفاق على المرحلة الاخيرة مع الفلسطينيين، او الانسحاب من الجولان، سيعرض على الاسرائيليين في استفتاء عام لقبوله او رفضه. باختصار، التجربة تقول إنه كلما اتسعت قاعدة الحكومة الاسرائيلية كلما صعب الوصول الى سلام نهائي، فالواقع ان اسرائيل لم تعرف حكومات "وحدة وطنية" الا في حروبها مع العرب. وفي حين لا يريد باراك حرباً، بل هو يسعى الى السلام على طريقته، فإن دخول ليكود وشاس معاً، خصوصاً الاول، يعني تعقيد مفاوضات معقدة أصلاً. وأمس الخميس نسبت صحيفة اسرائيلية الى "عضو بارز" في حزب الوسط قوله "ان دخول شارون الحكومة يعني نسف عملية السلام… ومع وجود شارون في الحكومة لا يستطيع باراك الخلو الى نفسه في المرحاض عشر دقائق…". وإذا كان هذا رأي مسؤول اسرائيلي فكيف يكون موقف المفاوض العربي؟ باراك كان لا يزال يحاول أمس ضم ليكود وشاس، والحد من قدرتهما على تعطيل عمل حكومته. واذا دخل شارون الحكومة فالأرجح ان يعطى حقيبة المالية، لا الخارجية التي يفضلها. أما شاس فسيبعد عن وزارة الداخلية التي استعملها في الماضي لتقديم خدمات خاصة لانصاره. ومرة اخيرة، فباراك افضل من نتانياهو، وهو يريد السلام، الا ان المفاوضات معه ستكون طويلة ومعقدة، وهو قام بمفاوضات لتشكيل حكومته على مدى خمسة اسابيع مع الاحزاب الاسرائيلية المختلفة، تركت عند المراقب العربي انطباعاً بأن يديه لن تكونا طليقتين في الوصول الى قرارات مصيرية، بل سيضطر الى طلب تأييد احزاب كبيرة وصغيرة في كل خطوة على الطريق، وهو حتى اليوم لم يفعل شيئاً للسلام غير الحديث عنه، فبقي ان نرى افعاله.