ثمة حكومات عربية كثيرة وسياسات تنتظر تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، والمؤشرات من اسرائيل تظهر قرب انتهاء فترة الانتظار، فالأرجح ان يستطيع ايهود باراك تشكيل حكومة ائتلافية هذا الاسبوع. هناك 15 حزباً في الكنيست، بينها ثلاثة احزاب عربية، وهناك خلافات في الرأي والمواقف بين حزب اسرائيل الواحدة العمل وكل حزب آخر، بل هناك خلافات داخل كل حزب. وعندنا مثل حزب التجمع الديموقراطي الوحدوي بلد الذي يضم نائبين فقط هما عزمي بشارة وأحمد طيبي، فعندما أعلن الثاني عزمه المطالبة بمقعد في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، اعترض الأول قائلاً ان هذا الموقف خطوة أولى نحو دمج العرب في النظام الأمني الاسرائيلي. على كل حال، مثل هذه الخلافات لا يؤثر في سير المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة في اسرائيل، فالخلافات الأهم هي في جمع الأضداد داخلها. المفاوضون من اسرائيل الواحدة يعتقدون أنهم اذا اتفقوا مع ميريتس اليساري العلماني الذي يبدو انه تخلى عن تحالفه مع شينوي ضد شاس، والحزب الديني الوطني، واسرائيل بعليا الذي كاد ينشق على نفسه ثم تراجع اعضاؤه عن حافة الهاوية، وحزب الوسط، فإنهم سيصبحون في وضع جيد للتفاوض مع شاس واليهودية الموحدة للتوراة. مع ذلك لا تزال الصعوبات كثيرة، وحزب ميريتس الذي يتهمه شينوي بخيانته لا يزال، علناً على الأقل، يعارض الاشتراك في حكومة تضم شاس، وهو يطالب بثلاثة مقاعد وزارية بينها الداخلية، بينما يعرض باراك مقعداً واحداً مع استعداد للزيادة. أما حزب الوسط فربط مشاركته بإعلان موعد لوضع دستور لاسرائيل. ويريد الحزب الوطني الديني سياسة واضحة من الاستيطان، اي استمراره، في حين ان شاس يصّر على اعفاء الطلاب الدينيين من الخدمة العسكرية. ولعل ما سبق هو أهون الخلافات بين الاحزاب المختلفة، فالواقع ان توزيع المقاعد الوزارية يظل عقدة العقد، وشاس، الذي يحتل 17 مقعداً في الكنيست، سيصرّ على الاحتفاظ بوزارة الداخلية، وهو يطالب بحقائب اخرى لا رابط بينها سوى الخدمات التي يمكن ان تقدم عبرها لمحازبيه. اذا استطاع باراك تذليل العقبات هذا الاسبوع كما يأمل فالأرجح ان تشكل وزارة تحتل فيها اسرائيل الواحدة 11 مقعداً، وبعدها شاس بنائب رئيس وزراء وخمسة مقاعد، وميريتس بثلاثة وزراء مقابل اعضائها العشرة، واسرائيل بعليا بوزيرين من اعضائها الستة، وحزب الوسط بوزيرين ايضاً من الاعضاء الستة، واليهودية الموحدة للتوراة بنائبي رئيس وزراء ووزير من اعضائها الخمسة، والحزب الديني الوطني بنائبي رئيس وزراء ووزير من اعضائه الخمسة، وحزب شعب واحد هستدروت بوزير عن مقعدين في الكنيست. وما سبق يعني ان تتمتع الحكومة الجدىدة بغالبية 77 مقعداً من أصل 120، فيقود المعارضة ليكود واحزاب متطرفة صغيرة، بالإضافة الى الاحزاب العربية الثلاثة باعضائها العشرة، فهذه ستكون اسمياً في المعارضة مع أنها أقرب الى الحكومة، ولا بد ان تؤيدها وقت الضرورة. الواقع ان باراك يحتاج الى شاس اكثر من أي حزب آخر، فهو يواجه قرارات مصيرية في التفاوض مع الأطراف العربية، وداخل اسرائيل نفسها، وحزب شاس يستطيع اعطاءه الغطاء المطلوب. لذلك كان الإصرار على ضمه، في وجه معارضة ميريتس وشينوي، ومع استمرار الفضائح حول رئيس الحزب السابق ارييه درعي. وكان هذا دين بالفساد في اسرائيل وحكم عليه بالسجن، واستقال من رئاسة الحزب، إلا أنه عاد الى الاضواء فجأة مع فتح شرطة نيويورك من جديد التحقيق في وفاة حماته استر فيرديبر في نيويورك، فهي قتلت في حادث سير في مثل هذا الشهر من سنة 1991، وحكم على السائق القاتل ديفيد تافيديدشفيلي بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ، بتهمة القتل خطأ. إلا أن شرطة نيويورك أعادت فتح التحقيق أخيراً، ويبدو ان لديها معلومات عن امكان ان يكون الحادث مدبراً، مع ان السائق ينفي بشدة ان يكون يعرف درعي، أو ان يكون هناك أي اتفاق بينهما. مع ذلك يظل وجود شاس داخل الحكومة أفضل من بقائها خارجها، والمنتظرون العرب لن ينتظروا كثيراً، فإذا شكلت الحكومة الاسرائيلية هذا الاسبوع، واتبعها باراك بزيارة واشنطن الشهر القادم، فإن مفاوضات السلام المعطلة ستستأنف بنشاط. ولا نقول للمفاوضين العرب سوى توقع الأسوأ، فباراك يريد سلاماً اسرائيلياً، وسيفاوض على كل خطوة على الطريق مهما قصرت، وهو ليس بعيداً عن تفكير ليكود، إلا أنه يدرك ان الناخب الاسرائيلي نبذ سياسات ليكود، لذلك فهو قد يحاول تغليف سياسات قديمة بغلاف برّاق جديد.