شهدت صناعة السياحة في مصر في الفترة الأخيرة طفرات كمية ونوعية غير مسبوقة اقترنت مع البدء في اقامة بنية تحتية كاملة في مجالات عدة وتشجيع الاستثمارات لرواد القطاع الخاص في المناطق النائية، خصوصاً في المجال السياحي على ساحل البحر الأحمر والتي بدأت في الثمانينات وتوسعت جنوباً وشمالاً على طول خليج العقبة. وتبنت البلاد استراتيجية للقرن المقبل من ملامحها الطفرة الكمية في مجال السياحة، إذ زاد عدد السياح الوافدين من مليون عام 1982 إلى 2،4 مليون عام 98، كما زاد عدد الليالي السياحية من تسعة ملايين الى 27 مليوناً، وارتفع الدخل السياحي من 300 مليون دولار عام 1982 الى 9،3 بليون عام 1998. في الوقت نفسه زادت الطاقة الفندقية المتاحة من نحو 29 ألف حجرة الى 89 ألفاً حالياً، وزاد عدد الشركات ووكالات السفر ليصل إلى نحو ألف شركة مقابل 331 عام 1982، وزادت أعداد المنشآت السياحية من مطاعم وأماكن ترفيه أكثر من الضعف وحققت أعداد المرشدين السياحيين طفرة من 935 مرشداً عام 1982 إلى 2،4 ألف حالياً. وتتطلب الاستراتيجية المذكورة التوسع في الطاقة الايوائية المتاحة من الفنادق والقرى السياحية والبواخر النيلية بما يزيد على 300 ألف غرفة موزعة جغرافياً على مناطق البحر الأحمر ووادي النيل وخليج العقبة والساحل الشمالي وسيناء ومراكز أخرى. ويتركز الاهتمام في المرحلة المقبلة على الاهتمام بزيادة الوعي السياحي وضرورة ترسيخ حقيقة مفادها ان السياحة منتج اجتماعي يهم كل فئات المجتمع الذي لا بد من أن يكون حاضناً لهذه الصناعة المهمة التي تصب مواردها في المقام الأول في المجتمع والاهتمام أيضاً بمنافذ الوصول وتعددها من مطارات والاهتمام بالطيران العارض بوصفه العامل الرئيسي لحركة السياحة العالمية لمصر. القرى السياحية واللافت أن الاستثمار اتجه أخيراً إلى سياحة "الشمس والرمال" خصوصاً في منطقة البحر الأحمر وجزء من شرم الشيخ والغردقة ما يستدعي انشاء قرى سياحية ذات مستوى عال تروج أساساً للسياحة. وشهدت الفترة منذ عام 1993 وحتى الآن اقبالاً كبيراً في الاستثمار لإقامة القرى السياحية. ووصل عدد الشركات التي اقامت قرى سياحية إلى نحو 891 يبلغ رأس مالها المصدر نحو 4.23 بليون جنيه واستثماراتها 4.42 بليون في مقابل 24 شركة تبلغ رساميلها المصدرة سبعة بلايين جنيه واستثماراتها 4.11 بليون. وتبلغ نسبة مساهمة المصريين في رأس مال الشركات 2.18 بليون جنيه والعرب ثلاثة بلايين جنيه، والأجانب 2،1 بليون. وعزا رئيس هيئة الاستثمار في مصر الدكتور ابراهيم فوزي في مقابلة مع "الحياة" الاقبال على اقامة القرى السياحية الى مكانة مصر المميزة في السوق العالمية للسياحة فضلاً عن أن اسعار السياحة الترفيهية في مصر مناسبة جداً للسياح، إضافة الى ان القانون يسمح ببيع 50 في المئة من الوحدات في كل قرية سياحية للافراد من المصريين والعرب والاجانب ما وفر تمويلاً للمستثمرين يساعدهم في اقامة مشاريع القرى السياحية. وقال فوزي إن المستثمرين يركزون في اقامة القرى السياحية على البحر الاحمر وشرم الشيخ وخليج العقبة وإن كان هذا النشاط بدأ يتجه اخيراً الى الساحل الشمالي، اذ حصلت شركة المانية على موقع في الساحل لإقامة قرى للاستثمار السياحي. وتوقع فوزي أن يتجه الاستثمار في القرى السياحية الى شمال سيناء ومرسى علم قريباً في اطار نشاط السياحة الترفيهية وليس السياحة الثقافية. وقال إن ما شجع على الاستثمار في القرى السياحية هو الحصول على حوافز وتسهيلات في مناطق البحر الاحمر، إذ يشتري المستثمر المتر بدولار واحد، اضافة الى الحوافز المقدرة في قانون حوافز الاستثمار اذ تصل فترة الاعفاء الى عشر سنوات. من جهة اخرى شهد الساحل الشمالي ومرسى مطروح وبعض مناطق شمال وجنوب سيناء والعين السخنة اقامة عدد من القرى السياحية تصل استثماراتها الى 15 بليون جنيه. وشهدت هذه المناطق اقبالاً ضخماً على اقامة القرى السياحية، مثل المصايف التي تبنى للتمليك وليس كنشاط سياحي. وحدث اقبال على اقامة هذه النوعية فوصل سعر الشاليه إلى ما بين 300 ألف وخمسة ملايين جنيه. ويبين ذلك أن اقامة القرى السياحية بغرض السياحة او كمصايف ترتبط اساساً بالبحرين الاحمر والمتوسط، وإن كان البعض بدأ اخيراً في اقامة قرى سياحية في بعض المناطق الصحراوية وإقامة تجمعات صناعية قرب طريق القاهرة - الاسكندرية الصحراوي وفي محافظة الفيوم على بحيرة قارون. لكن هذه نسبة محدودة. وأدت اقامة القرى الى تغيير هذه المناطق واقامة مشاريع خدمية مكملة لها حتى اصبحت من المناطق الاستثمارية الجاذبة. معوقات وأكد تقرير لمجلس الشورى أن صناعة السياحة في مصر من أهم مصادر النقد الأجنبي. وعلى رغم العائد الكبير للضرائب عن النشاط السياحي الذي يصب في الاقتصاد القومي فإن هناك نوعاً من المغالاة في هذه الضرائب، إذ يفرض قانون ضريبة المبيعات 10 في المئة على عروض الصوت والضوء وخمسة في المئة على خدمات الفنادق والمطاعم والنقل السياحي والتلكس والفاكس والمكالمات الهاتفية للسياح. وطالب التقرير بعدم خضوع الخدمات السياحية لضريبة المبيعات والغاء ضريبة دعم التضامن الاجتماعي على تذاكر السفر لمصر التي تبلغ 10 في المئة حتى لا يشتري السياح التذاكر من الخارج. ونقل عن تقرير وزارة السياحة ان البلاد العربية تمثل مصدراً لنسبة كبيرة من السياح وصلت إلى 9،48 في المئة عام 1991 وتراجعت الى 4،24 في المئة في 1997، وتراجع عدد السودانيين والليبيين في هذه الفترة لأسباب سياسية. وأكد التقرير أن أوروبا الغربية تعتبر الركيزة الأساسية للسياحة الى مصر وارتفعت خلال هذه الفترة من 3،32 الى 2،48 في المئة، كما زاد عدد السياح الاسرائيليين إلى مصر من 120 إلى 292 ألفاً. وتوقعت وزارة السياحة في تقريرها ارتفاع عدد السياح في الخطة الخمسية الرابعة ليصل الى53 مليون سائح وفي الخطة الخمسية 2002 - 2007 الى 94 مليون سائح. وحول السياحة الداخلية في مصر أوضح التقرير أنها تعتبر في مهدها إذا ما قورنت بنظيرتها في الدول المتقدمة، إذ تبلغ النسبة في دول اوروبا 64 في المئة، وأعرب التقرير عن الأمل في أن تصل هذه النسبة إلى 20 في المئة من عدد سكان مصر سنة 2000، بارتفاع متوسط الدخل الفردي وتنفيذ خطط علمية للنمو السياحي. وطالب التقرير بمراجعة القوانين واللوائح التي تنظم السياحة المصرية بما يستجيب للتطورات السريعة فيها وبما يتواكب أيضاً مع المتغيرات الكبيرة في السوق السياحية الدولية، مشيراً إلى أن هناك حاجة إلى إعادة تعريف وتصنيف المنشآت الفندقية والسياحية وتحديد أنواعها ونطاق أعمال كل منها. ودعا الى إعادة النظر في الرسوم والضرائب العديدة التي يخضع لها المنتج السياحي المصري والضرائب على المبيعات والاعفاءات الضريبية والجمركية، بما يضمن أن يسهم في زيادة الحركة السياحية وزيادة عوائدها. وحض التقرير انشاء جهاز دائم لمواجهة أزمات السياحة تتوافر لديه كل البيانات عن السياحة المصرية الداخلية والخارجية وعن المشاكل المحتمل حدوثها ووضع السياسات والاستراتيجيات البديلة لمواجهتها بما يضمن حماية صناعة السياحة في مصر من الآثار السلبية لتلك المشاكل. وأشار التقرير الى أهمية إزالة مشاكل الفنادق العائمة والممثلة في انخفاض مستوى المياه في النيل وعدم وجود علامات ملاحية في المجرى وعدم وجود مراس كافية لرسو الأعداد المتزايدة من تلك الفنادق مع تشجيعها على خفض أسعارها في المواسم التي تقل فيها السياحة الاجنبية الوافدة لتنشيط السياحة الداخلية. وطالب بتشجيع القطاع الخاص على تكوين شركات طيران وطنية بما يسمح بتوافر الظروف المناسبة للمنافسة التي هي عصب التطور وتحسين الخدمة على الخطوط الداخلية والخارجية. وأكد التقرير أهمية مراجعة رسوم المرور في قناة السويس للبواخر السياحية حتى يمكن جذب بواخر البحر المتوسط بإضافة موانئ البحر الأحمر الى رحلاتها وتطوير وتحديث خدمات المنافذ الجوية والبحرية والبرية والسكك الحديد.