صعد نجم ميغاواتي، ابنة الرئيس الأول لاندونيسيا سوكارنو، في الانتخابات الاندونيسية، وأصبحت على رأس المرشحين للرئاسة، منافسة مرشحي حزب غولكار الحاكم والأحزاب الاسلامية الخمسة الرئيسية، علماً ان فوزها لا يشكل ضماناً لها لترشيحها وستكون مجبرة على اقامة تحالف قد لا يكفي لمواجهة منافسيها الذين قد يتحالفون مع الاعضاء غير المنتخبين في مجلس الشعب وتبلغ نسبتهم 238 نائباً من أصل 700 نائب. وحليفها عبدالرحمن وحيد مرشح حزب النهضة القومية يواجه ضغوطات من قواعد حزبه من مشايخ المدارس الدينية الرافضين انتخاب امرأة. ومع كل هذا فإن صعود ميغاواتي 52 عاماً يمثل تكراراً لظاهرة الوراثة السياسية في آسيا. وأفادت ميغاواتي من نسبها أكثر من برنامجها الانتخابي أو سياساتها المعلنة، فالذين انتخبوا حزبها "النضال من أجل الديموقراطية" انتخبوا في الحقيقة إرث والدها سوكارنو الذي توحدت اندونيسيا تحت رئاسته عام 1945 وكان يشبه الرئيس المصري الراحل عبدالناصر، فخطبه مليئة بالحماسة. لكن سوكارنو فتح المجال للشيوعيين وأساء إدارة الاقتصاد وحل البرلمان، وأعلن نفسه رئيساً مدى الحياة وواجه ماليزيا حتى جاء سوهارتو، الجنرال الذي رحب به الجميع منقذاً من كل هذه الأخطار. صعود ميغاواتي كان مثيراً، حتى بالنسبة اليها، ويدعو الى استرجاع ذكريات الآسيويين في جنوب القارة وجنوبها الشرقي، الذين قادتهم نساء ذوات قرابة برجال سياسيين سابقاً. ففي سريلانكا الرئيسة كومارتنغا ابنة رئيس الوزراء السابق الذي اغتيل عام 1959 وأمها وزيرة في حكومتها حالياً. وفي ماليزيا عندما اعتقل نائب رئيس الوزراء السابق وسجن، اسست زوجته وان عزيزة وان اسماعيل حزب العدالة الوطني. وفي الهند بدأت تشتهر صونيا غاندي، ارملة رئيس الوزراء السابق وقد تترشح لرئاسة الوزراء. وفي بنغلاديش تدور حلبة الحكومة والمعارضة بين امرأتين: أولاهما الشيخة حسينة واجد أرملة مؤسس بنغلاديش وتواجه معارضة بقيادة أرملة سياسي سابق. وفي الفيليبين المثال الأقرب الى اندونيسيا وصلت كورازون اكوينو الى السلطة عندما قادت الشعب ضد الديكتاتور ماركوس عام 1986 بعدما قتل زوجها المعارض لدى عودته من منفاه في أميركا. ومثال بينظير بوتو وباكستان ماثل للعيان. جوس كونسيبيكون الوزير في حكومة اكوينو سابقاً حضر للمشاركة في مراقبة الانتخابات في جاكارتا حذر من عدم قدرة ميغاواتي على حل المشاكل الاقتصادية كما حصل مع اكوينو في الفيليبين التي أدى حكمها الى انسحاب الاستثمارات الاجنبية وفشل الاصلاحات وثورة العمال ومحاولة الجيش الانقلاب ست مرات، آخرها أحبطته الولاياتالمتحدة بنفسها. وإذا لم تستفد ميغاواتي من درس اكوينو فإن شهرتها التي ورثتها عن ابيها ستذبل بعد أن ييأس رجل الشارع من بطء تحسن الأحوال. وتعود شعبية ميغاواتي الى سبب ثقافي أيضاً، فكثير من هذه الشعوب يحترم العائلات ذات التاريخ الاقتصادي والسياسي والثقافي وحتى الفني. فعندما كانت توزع قمصان الحزب كانت تحمل صورتها من جهة وصورة ابيها الراحل من جهة أخرى. وقالت انها زارت أباها في المنام. وينشر أعوانها قصصاً جاوية قديمة عن رئاسة امرأة لاندونيسيا من اسرة معروفة عام 2000 يسود العدل والسلام في عهدها. لكن الإرث العائلي غالباً ما يصطدم بنقاط ضعف أخرى في شخصية وأداء المستفيد منه. انتقد الصحافيون الاندونيسيون والاجانب في ميغاواتي رفضها التعليق على نجاحات حزبها حتى قال لها مراسل اندونيسي: كيف ستقودين اندونيسيا وأنت لا تعلقين ولو بجملة؟ لكنها طلبت منهم ان لا يسألوها. وهذا سلوك عرف عنها، وهو التهرب من الحوارات والمناظرات السياسية. اذ رفضت حضور أي مناظرة حتى الآن كما أنها لم تعلق ولم تتكلم أيام سقوط سوهارتو. ويؤخذ عليها عدم مشاركتها في عملية اسقاطه وعدم مساعدة الطلاب اليساريين من حلفائها. لكن مؤيديها من الجاوينين 60 في المئة من سكان اندونيسيا يعتقدون ان الصمت علامة القوة والاحترام والحكمة ولذلك أيدوها، وميغاواتي لم تكمل دراستها ولا يعرف عنها انها مفكرة سياسية ولا متعلمة مثل المرشحين الآخرين للرئاسة. في نهاية الثمانينات لم تكن هناك الا ثلاثة احزاب في ظل ديموقراطية محدودة، فدعتها قيادات الحزب الديموقراطي الذي يضم خمسة أحزاب قومية الى قيادة الحزب للاستفادة من اسم أبيها، واستقر الاختيار عليها بعدما رفض اخوها واختها هذا العرض. وبدأت شعبيتها بالصعود لكن ذلك كان محكوماً باحتكار حزب غولكار الحاكم الغالبية ما بين 1971 - 1997، ففي عام 1987 رفعت صور سوكارنو الى جانب ميغاواتي وحصل الحزب على 10 في المئة ثم 14 في المئة عام 1992 من مجموع الأصوات. لكن ذلك لم يستمر فصور سوكارنو منعت ثم دفع الجيش وسوهارتو أحد أجنحة الحزب المناوئة لها في حادثة دامية الى اخراجها عام 1996، مما دفع الحزب نحو الخسارة فحصل على 3 في المئة من الأصوات عام 1997، غير أن ذلك حوّلها الى رمز من رموز المعارضة والاضطهاد وعلى رغم ان أباها اذاق الشعب الويلات لكن الجماهير لا تحفظ التاريخ بدقة. وبعد سقوط سوهارتو بثمانية أشهر كانت ميغاواتي آخر من أسس حزباً ولم تحاول العودة الى الحزب الديموقراطي الذي بدأت فيه عملها السياسي، لكن خمسة أحزاب أخرى حاولت منافستها على الإرث القومي لسوكارنو رافعة رمز الثيران الحمر أو السود شعاراً، لكن ثور حزب ميغاواتي كان الأقدر على السبق في المنافسة. وكغيرها من الزعيمات السياسيات في آسيا تعتمد ميغاواتي كثيراً على مستشاريها كما انها لم ترتق سياسياً عبر مناصب حزبية أو حكومية، وتشبه بوتو بمواجهتها تهم فساد غير مشهورة لكنها بدأت تلاحقها وتلاحق زوجها وقريباً له. كما ان انشقاقاً بدا واضحاً في آراء قيادات حزبها في الاصلاح وهل يكون شاملاً أم جزئياً متدرجاً. وهذا ما يقلق كبير مستشاريها مختار بخاري الذي بدأ يعلق على فقدان اجتماعات الحزب الروح الديموقراطية لأن من ينتخب على أساس ميراث سياسي قد "يلجأ الى اتخاذ قرارات غير ديموقراطية لاعتقاده ان ذلك من حقه العائلي". وحصل ذلك عندما اعلنت انديرا غاندي الطوارئ عام 1975 واعتقلت بوتو معارضيها، وظهر ذلك في وقت مبكر في مواقف ميغاواتي التي تعارض اجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير تيمور الشرقية المقرر في آب اغسطس المقبل وترى ان ذلك يخالف معتقداتها القومية والوحدوية.