توقع محللون في بورصة الدار البيضاء ان تعود المؤشرات الى الارتفاع مجدداً بعد دخول الموازنة الحكومية حيز التنفيذ مطلع تموز يوليو المقبل واستكمال ادراج اسهم ثلاث شركات جديدة وتنفيذ برامج ادماج بعض الشركات والاعلان عن برنامج التخصيص الجديد الذي يشمل قطاع الاتصالات والمصارف والملاحة الجوية. وحسب وكالات الوساطة المالية سيراوح نمو مؤشر بورصة الدار البيضاء بنهاية السنة الجارية بين 10 و12 في المئة في مقابل 20 في المئة عام 1998 و49 في المئة عام 1997. وكان المؤشر تراجع الى نحو ناقص سبعة في المئة خلال الاشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية وهي أسوأ نتيجة تسجلها بورصة المغرب منذ تحديثها عام 1993. ولاحظ المحللون ان النتائج مع ذلك تختلف من قطاع الى آخر حسب طبيعة النشاط الاقتصادي وتعكس ديناميكية في تبادل الحصص والرساميل استعداداً لمرحلة التمركز التي شرعت في تنفيذها المجموعات المالية الكبرى. فزادت اسهم الشركة الوطنية للاستثمار 5.16 في المئة، وأسهم لاسمير للنفط 5.65 في المئة بعد اعلان اندماجها مع الشركة الشريفة للبترول طبقاً لخطة توسعة لمجموعة كورال اويل في المغرب. وزادت اسهم قطاع الاسمنت بعد ارتفاع الطلب على البناء وسجل مؤشر اسمنت مراكش 7.50 في المئة بعد تخليها عن حصص لفائدة شركات فرنسية. وتحسنت اوضاع شركات تمويل الاستهلاك وحققت ماروك ليزنغ 19.5 في المئة وتسليف 3.20 في المئة. وكان التطور البارز من نصيب شركات ادارة المحافظ المالية، ونمت اسهم شركة زليجة 31 في المئة وشركة باليما 79.4 في المئة. كما ارتفعت اسهم شركات تعبئة الماء و"الماس" 63.7 في المئة بفعل زيادة الطلب على المشروبات الطبيعية المعدنية. وتطورت اسهم شركات تصنيع السيارات بفعل الطلب على الموديلات الجديدة ونمت شركة "بيرللي" للشاحنات 40 في المئة وشركة اوطوهال 5.37 في المئة. في الوقت ذاته تراجعت اسهم "اونا" بنحو تسعة في المئة متأثرة بالاداء الضعيف لبعض فروعها وكذلك الشأن بالنسبة للمصارف التجارية التي سجلت ادنى نمو منذ عقود اذ تراجع مؤشر البنك العقاري والسياحي 42 في المئة بعد الخسائر التي تكبدها نتيجة خلافات مع شركات السياحة الدولية وتنامي الديون المشكوك في استرجاعها. وتراجع البنك الوطني للانماء الاقتصادي 22 في المئة بفعل خسائره السنوية وصعوبة استرداد قروض ضخمة منها من دون ضمانات كافية. وسجلت كافة المصارف المغربية تقلصاً في الأرباح ما اثر سلباً في قيمة اسهمها. وبلغ التراجع خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة 14 في المئة بالنسبة لبنك الوفاء و7.8 في المئة لمصرف المغرب، وناقص 5.6 في المئة للبنك المغربي للتجارة والصناعة والنسبة نفسها للبنك المغربي للتجارة الخارجية الذي اضطر الى بيع بعض الحصص لتكوين رصيد كاف لتمويل عملية شراء غالبية رأس مال شركة الوطنية للتأمين واقتراض 162 مليون يورو من سوق فرانكفورت لتمويل نصف الصفقة التي تبلغ قيمتها 400 مليون دولار. وحقق البنك التجاري المغربي تراجعاً ضعيفاً بلغ حتى نهاية أيار مايو 1.7 في المئة. لكن نتائج المصارف في رأي المحللين لم تمنع من تحقيق ارباح كبيرة قدرتها بعض الجهات بنحو 240 مليون دولار على رغم تراجع قيمتها قياساً لما كانت عليه قبل سنوات. وقالت المصادر المصرفية ان البورصة ستعود الى الارتفاع مع تموز يوليو المقبل وهي الآن تعيش مرحلة تصحيح تقني للاسعار بعد الارتفاعات الكبيرة التي سجلتها في الأعوام الأربعة الماضية والتي بلغت 50 في المئة عام 1997. وحسب المصادر ذاتها تنتظر البورصة دخول "اوراق جديدة" خصوصاً تلك التي وعدت الحكومة بعرضها للتخصيص. وقال وزير المال والاقتصاد فتح الله ولعلو ل"الحياة" ان ثلاث شركات وطنية ستفتح رأس مالها امام الجمهور هي البنك الشعبي، اكبر مصرف قطاع عام تفوق عملياته سبعة بلايين دولار، وشركة اتصالات المغرب العملاقة التي تفوق اصولها 1.5 بليون دولار، اضافة الى شركة الخطوط المغربية التي ستطرح 40 في المئة من اسهمها. وتتوقع الجهات الرسمية ان تنعش هذه الاسهم سوق الأموال المغربية نظراً الى حجم تلك الشركات ودورها في الاقتصاد المحلي. وكانت ارباحها الصافية مجتمعة بلغت عام 1998 نحو 192 مليون دولار منها 100 مليون دولار ارباح اتصالات المغرب و40 مليون دولار ارباح شركة الخطوط الملكية المغربية و52 مليون دولار ارباح البنك الشعبي. وتعتقد المصادر المغربية ان طرح الاسهم ليس هدفاً مالياً فقط بل يرجى منه جلب استثمارات اجنبية ودخول شركاء جدد الى سوق المغرب ونقل التكنولوجيا المتقدمة خصوصاً في مجال الاتصالات فضلاً عن توفير تحالفات جديدة في عصر ميزته التنافسية والعولمة والعملقة. وتمهد هذه الخطوات لبروز تكتلات مالية جديدة في سوق المغرب لها ارتباطات بالبورصة والمصارف وشركات التأمين ومجتمعة اكثر من 60 في المئة من اجمالي الناتج المحلي المقدر بنحو 40 بليون دولار. شركات التأمين والتمركز يتوقع ان يلعب قطاع التأمينات دوراً استراتيجياً في العقد المقبل في مجال تعزيز الادخار المؤسساتي، وتنمية الاحتياط الاجتماعي ورفع حجم التمويل الاستثماري وتطوير التوظيفات المالية في وقت يتراجع فيه دور الدولة الاجتماعي وتتسع دائرة الذين لا سند ولا رعاية لهم، ويقدر البنك الدولي نسبة هذه الفئة بنحو 20 في المئة من اجمالي عدد السكان. وكان المغرب وافق مبدئياً على تحرير تدريجي للتأمينات يسمح بفتح رؤوس الأموال الاجنبية على ان يواكب هذا التحرير توسيع لقاعدة الائتمان لتنتقل نسبة التغطية الاجتماعية من 17 في المئة حالياً الى 33 في المئة في العقد المقبل، على ان تنتقل حصته في اجمالي الناتج المحلي من 2.5 في المئة حالياً الى خمسة في المئة لاحقاً مع ما يستوجب ذلك من تغيير في التشريعات وزيادة في ضوابط العمل الائتماني. وكانت شركات التأمين المغربية خضعت لقرارات جديدة منذ عام 1996 بهدف تقوية الضمانات المالية والوثائق الحسابية التي يجب على الشركات مراعاتها بهدف رفع مستوى تغطية المخاطر تزامن مع اقرار نظام محاسبي جديد لقطاع التأمين. وأضفى القرار مرونة على تكوين الأصول الممثلة للاحتياطات اذ تم خفض الحصة الالزامية للسندات المصدرة او المضمونة من طرف الدولة من 60 الى 40 في المئة. وزادت الاموال بحوزة منظمات التقاعد والاحتياط الاجتماعي بعد التحسن الذي طرأ على وضعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي بلغت احتياطاته الاضافية 1.5 بليون درهم بفضل الجهود الرامية الى رفع مستوى تحصيل المبالغ المستحقة لدى الشركات التي كانت تتحاشى تسديد حقوق المستخدمين والعمال. وكانت جهات حكومية تقدر مجموع المبالغ المستحقة للصندوق بنحو ثلاثة بلايين دولار منذ عام 1969. وكان البنك الدولي قدم للمغرب قروضاً بقيمة 200 مليون دولار لتطوير مجالات الادخار المؤسساتي وصناديق التقاعد وتوسيع التغطية الاجتماعية لأكبر نسبة ممكنة بعد ان اظهرت الاحصاءات ان 16 في المئة فقط من السكان يتمتعون بتغطية تأمينية ما يجعل ملايين الاشخاص يواجهون صعوبات في تحصيل خدمات صحية وعلاجية. كما رصدت الحكومة مبلغ 227 مليون درهم لتصفية ديون مستحقة لصناديق الاحتياط الاجتماعي والتقاعد وحوادث العمل. ورصدت مبلغ 70 مليون دولار لتعويض عمال مناجم الفحم في منطقة جرادة قرب الحدود الجزائرية بعد اغلاق المنجم وتشريد عائلات العاملين الذين فوجئوا بعدم تمتعهم بالتغطية. وتنوي الحكومة اقرار مبدأ تعميم التأمين والتقاعد بالنسبة لكافة السكان مطلع سنة 2000. شركات التأمين والمصارف: تحالف تبدو العلاقة وطيدة بين شركات التأمين والمصارف التجارية في المغرب، فإلى جانب تملك حصص مهمة في اكبر المصارف التجارية، تلعب شركات التأمين دوراً بارزاً في نشاطات البورصة عبر شركات المحافظ المالية. وكانت شركات التأمين استفادت كذلك من برنامج التخصيص ما مكنها من السيطرة على مصارف كبيرة او الدخول في مساهمات مشتركة مع اطراف استثمارية خارجية. وجرت العادة على ان يستند كل مصرف الى شركة تأمين او العكس. وهو تزاوج يعكس في جانب آخر طبيعة الرأسمال العائلي التقليدي الذي قام على تداخل الحصص والمساهمات في شكل يصعب معه احياناً معرفة من يسيطر على الآخر: المصارف أم التأمينات؟ وكان حدث سيطرة مجموعة بن جلون على غالبية رأس مال الشركة الوطنية للتأمين اثار مواقف متناقضة في السوق المالية المغربية نظراً الى قيمة الصفقة من جهة 400 مليون دولار وانعكاس التحالف الجديد على وضعية بعض المجموعات الاقتصادية مثل اونا والوطنية للاستثمار. وأدت العملية الى قيام تحالف يجمع البنك المغربي للتجارة الخارجية وشركة "الملكية للتأمين"، وشركة "الوطنية للتأمين" وشركة "اليانس الافريقية للتأمين" بعد ان قررت مجموعة "غروباما" الفرنسية التخلي عن حصصها في سوق المغرب عقب سيطرتها على مجموعة جان الفرنسية التي كانت لها تجارب في المغرب. واعتبر المراقبون ان التحالف الذي ولدته الصفقة جعل مجموعة عثمان بن جلون المالية تسيطر على اكبر تجمع مصرفي - تأميني يمكنها من مراقبة نحو 27 في المئة من قطاع التأمين المغربي اضافة الى البنك المغربي للتجارة الخارجية اكبر مصرف خاص في المغرب. وتقدر الجهات المعنية قيمة شركتي "الوطنية" و"الافريقية" بنحو 4.4 بليون درهم 490 مليون دولار. وإذا اضيفت اليهما شركة "الملكية للتأمين" التي تسيطر على 10.5 في المئة من سوق التأمين يصبح بامكان "البنك المغربي للتجارة الخارجية" ان يراقب اكبر سوق للمال والتأمين في المغرب، وتمتد المراقبة الى الاستفادة من حصص الوطنية - والافريقية التي يمنحها نسبة 17 في المئة من رأس مال مجموعة "اونا" العملاقة وتسعة في المئة من رأس مال البنك التجاري المغربي و11 في المئة من رأس مال الشركة الوطنية للاستثمار التي تراقب بدورها 25 شركة انتاج في مختلف القطاعات. وكانت المنافسة احتدمت بين اونا من جهة والمغربي للتجارة الخارجية - الملكية للتأمين من جهة اخرى لشراء الاصول الفرنسية "الوطنية" اكبر مؤسسة تأمين في المغرب وبالتالي قيادة القطاع، خصوصاً ان "اونا" تملكت في وقت سابق جميع اسهم "الشركة الافريقية للتأمين". وتمكنت مجموعة بن جلون من الفوز بالصفقة بعد تحالف مع مصرف "كوميرز بنك" الالماني الذي يملك 10 في المئة في المغربي للتجارة الخارجية ما يمهد لتوسع نشاطه في المغرب. وينظر المراقبون الى هذه التحولات باعتبارها مدخلاً لقيام مجموعات مالية جديدة تخرج الاقتصاد المغربي من رسملة العائلات الى اقتصاد الاكتتاب وسوق المال والتحالفات الدولية. ويجري الحديث في هذا المجال عن تقارب وشيك بين المصارف التي تراقبها جهات فرنسية في المغرب وهي البنك المغربي للتجارة والصناعة الذي يراقبه البنك الوطني لباريس ومصرف المغرب الذي يملكه 51 في المئة "كريدي ليونيه" و"الشركة العامة للابناك" التابعة ل"سوسيتيه جنرال". في مقابل هذا التقارب عزز "بنك الوفاء" علاقته التاريخية مع بنك "بلباو - بي بي في" الاسباني وشرع "البنك التجاري" في احياء تحالفات قديمة مع "كريدي ايطاليانو" فيما يتجه "المغربي للتجارة الخارجية" الى تحالفات مع شركات التأمين والتوسع في هونغ كونغ والصين عبر مصارف عربية بريطانية. ونتيجة ذلك يتوقع المحللون ان يتقلص عدد المصارف في المغرب خلال السنتين المقبلتين الى نحو عشرة من اصل 15 مصرفاً حالياً بإدماج رؤوس الاموال ما يجعل المصارف الصغرى مهددة بالاندثار في حال لم تجد حليفاً مقبولاً وهو واقع ينعكس كذلك على شركات التأمين ومؤسسات ادارة المحافظ المالية داخل البورصة التي تضم 54 شركة من احجام مختلفة.