عرفت مصر منذ اعتماد الدستور أسلوب الاستفتاء لاختيار المرشح للرئاسة، ثلاثة مرشحين رسميين، وآخرين حاولوا اقتحام دائرة الضوء من دون أمل يذكر. ومن الصعب أن تغيب عن ذاكرة المصريين اسماء مثل الشرملسي أو هتلر اللذين انضم اليهما أخيراً الجيزاوي، إذ اختار الثلاثة منافسة رؤساء مصر في مرحلة كان فيها كل منهم في ذروة شعبيته. وشهدت مصر منذ 1952 ثمانية استفتاءات رئاسية، بدأت مع إقرار الدستور في 1956. ولم يتغير النظام الانتخابي على رغم تعديل الوثيقة الاساسية للبلاد في 1964، وحتى مع صدور الدستور الدائم في 1971. محمود الشرملسي مواطن مصري بسيط، قرر منافسة عبدالناصر في ذروة زعامته في منتصف الستينات وفي ظل غياب كامل للتعددية، وسيطرة الحزب الواحد. فبدا المرشح المنافس وكأنه "معتوه" غير مستوعب لنتائج أفعاله. وكرر الشرملسي "فعلته" في مواجهة الرئيس السابق أنور السادات في 1976، ولم يواجه مصيراً أفضل مما أقدم عليه قبل 11 عاماً، حيث وجد نفسه في الأولى داخل اسوار مصحة الأمراض العقلية مستشفى المجانين وفي الثانية خلف أسوار السجن بتهمة "إهانة رئيس الجمهورية"، وبعد اطلاقه ذاب المرشح "الجسور" بين ملايين البشر في القاهرة، من دون أن يعرف أحد هل هو مجنون فعلاً أم أُلصقت به التهم لأسباب سياسية؟ وشهد العام 1976 اسماً جديداً طُرح على الاستفتاء الرئاسي. فبعد ثلاثة اعوام على حرب اكتوبر وعامين من اتجاه الرئيس الراحل انور السادات الى استعادة التعددية السياسية، قرر مواطن مجهول آخر ممارسة حقه الديموقراطي في مواجهة "الريس". وفوجئ المصريون بالمرشح هتلر أبو سعدة يطرح نفسه منافساً للسادات، ويخوض معركة قوية، ويعقد لقاءات على المقاهي، وفي ساحات جامعة عين شمس في القاهرة، طارحاً برنامجاً انتخابياً يستهدف خفض سعر كيلو اللحوم الى 10 قروش، وثمن البيضة الى مليم ورفع الحد الادنى للأجور الى 100 جنيه، وتعديل النظام السياسي للدولة ليصبح "مستشارية" على غرار الدولة الألمانية. لكن نهاية هتلر كانت مختلفة عن تلك التي وصل اليه نظيره الشرملسي. إذ وجد نفسه، كما يتردد، داخل السجن بتهمة قتل ابنه بعد أن أوسعه ضرباً، ثم قام بدفنه في خزانة الملابس في غرفة النوم. فقد كان هتلر لا يؤمن "بمراسم الدفن الاسلامي". وفيما خاض الرئيس حسني مبارك منذ 1981 ثلاث جولات استفتاء منفرداً كل منها مدتها ستة أعوام، فإن الرأي العام فوجئ قبل أيام بدعوى قضائية أقامها العضو السابق في البرلمان المحامي المعروف السيد ابو الفضل الجيزاوي ضد رئيس البرلمان الدكتور فتحي سرور بتهمة منعه من ممارسة حقه في منافسة مبارك على منصب الرئاسة. ورغم أن الدستور المصري يلزم الراغب في الترشيح بالحصول على تزكية 152 نائباً يمثلون ثلث عدد النواب كمرحلة أولى لطرح اسمه على البرلمان، إلا أن ذلك الشرط لم يمنع الجيزاوي من اقامة الدعوى. واستند الجيزاوي في دعواه الى أن نظام الاستفتاء المنصوص عليه، يتعارض مع إقرار الدستور مبدأ التعددية الحزبية نظاماً سياسياً للدولة، وهو بذلك منع المواطنين من ممارسة جانب من حقوقهم السياسية بالترشيح للرئاسة. الجيزاوي الذي اشتهر عنه اقامة دعاوى قضائية طعناً على نتائج الانتخابات، حتى إنه طعن على نفسه عندما كان نائباً، استناداً الى "فساد النظام الانتخابي"، يرى أن "النضال القانوني" وسيلة مهمة "لاستكمال الديموقراطية"، وتحقيق "الاتساق القانوني" ومنح المواطن "كل حقوقه السياسية".