تواصل السياحة المغربية انتعاشها للعام الثاني على التوالي مستفيدة من استعادة النشاط المحلي وازمة البلقان التي دفعت مئات الآلاف من السياح الاوروبيين نحو شمال افريقيا لا سيما تونس والمغرب ومصر. وقالت مصادر في وزارة السياحة المغربية ل"الحياة" ان النتائج المسجلة خلال الربع الاول من السنة الجارية، اكدت زيادة اعداد الوافدين بنحو 19 في المئة اذ بلغ عددهم 464 ألف سائح مقابل 390 ألف سائح خلال الفترة نفسها من العام الماضي. واشارت الوزارة الى ان اكبر زيادة في اعداد الوافدين سجلت في السياحة الشرق اوسطية العرب التي تطورت بنسبة 40 في المئة متبوعة بالسياحة الاميركية بنسبة 27.6 في المئة ثم الاسواق الاوروبية التقليدية بنسبة 19 في المئة. وحسب توزيع الجنسيات ارتفع السياح الفرنسيون 39.5 في المئة والاسبان 11.7 في المئة والبريطانيون 9.4 في المئة والايطاليون خمسة في المئة بينما تراجعت اعداد السياح الالمان ثلاثة في المئة. وزادت اسواق اوروبية اخرى اهتمامها بالمغرب مثل الاسكندنافيين 41.3 في المئة والهولنديين 15.8 في المئة، والبرتغاليين 73.6 في المئة. وزاد السياح اليابانيون 19.7 في المئة. وقال وزير السياحة المغربي حسن الصبار ل"الحياة" ان المغرب يتوقع استقبال 2.5 مليون سائح عام 2000. واعتبر ان الارقام المسجلة تطابق التوقعات الاولية لبرنامج الحكومة في مجال السياحة الدولية على المديين القصير والمتوسط. ويتطلع المغرب الى استقبال اربعة ملايين سائح اجنبي في عام 2003، لكن المصادر المهنية تعتقد من جانبها ان حجم السياحة يجب ان يواكبه نمو في حركة الاستثمار السياحي والفندقي. ويحتاج المغرب على المدى المتوسط الى بناء 30 الى 50 الف سرير جديد لرفع الطاقة الايوائية الاجمالية الى نحو 140 ألف سرير. وعندما سألت "الحياة" وزير السياحة عن احتمال تدفق اعداد اكبر من السياحة الدولية نحو المغرب خلال السنة الجارية، تفوق التوقعات المسطرة سابقاً، اجاب ان مشكلة الاكتظاظ قد طُرحت على الواجهة في معادلة العرض والطلب في بعض المناطق التي تشهد كثافة في اعداد الوافدين من السياحة الدولية والمحلية. وتشهد فنادق في جهات عدة من المغرب ضغطاً في الطلب يفوق السعة المتوافرة، وعادت مشكلة الحجوزات الزائدة الى الواجهة بعد غياب دام سنوات عدة. وقال صاحب وكالة سياحية في الدار البيضاء: "ان زبائننا في الاسواق الاوروبية يقترحون برامج معينة نتقيد بها على رغم صعوبة الاستجابة اليها جميعاً في فترة ازداد الاهتمام السياحي بالمغرب". وتوقع ان تمتلأ الفنادق المصنفة بالكامل في جل المدن السياحية المغربية، لا سيما في مراكش ووارزازات واغادير، التي يفضلها الزوار الاجانب باعتبارها تحظى بتعريف اكبر في وسائل الدعاية والاعلام. وقال عمدة مدينة مراكش السيناتور عمر الجزولي ل"الحياة" انه يتوقع ان يفوق اعداد السياح في مراكش وحدها 1.3 مليون زائر. واعتبر الجزولي ان المدينة اكتسبت في السنوات الاخيرة شهرة عالمية جعلتها محطة اساسية في جولات زوار المغرب الذين يحرصون على زيارة الصروح التاريخية للمدينة التي بُنيت قبل 800 سنة. وكانت زيارة السيدة الاميركية الاولى هيلاري كلينتون لمراكش في نيسان ابريل الماضي ساهمت في التعريف بالمدينة في شمال القارة الاميركية والدول الانغلوساكسونية بفعل الاهتمام الذي ابدته وسائل الاعلام الاميركية بتلك الجولة التي شملت كذلك مصر وتونس. وستعود السيدة كلينتون الى المغرب الشهر المقبل لترأس حفل توزيع الجوائز على الطلبة المتفوقين في جامعة الاخوين في مدينة ايفران الواقعة على جبال الاطلس. ويستفيد المغرب، مثل تونس ومصر، من انتقال السياحة الدولية من وسط اوروبا وشرقها الى شمال افريقيا وغربها وجنوب البحر الابيض المتوسط، بسبب تزايد احتمالات الحرب البرية في البلقان وما ينجم عنها من مخاطر على حركة السفر والتنقل المدني. ويعلق صاحب فندق صغير في الرباط بالقول "رب ضارة نافعة، ومصائب قوم عند قوم منافع". ويقارن الرجل، وهو عجوز في السبعينات بين وضع السياحة العربية حالياً ووضعها اثناء ازمة الخليج عندما ألغت وكالات السفر برامجها صوب جنوب البحر الابيض المتوسط وشرقه، ويضيف: "كلما ابتعدت المنطقة العربية عن النزاعات زاد الاهتمام بها وزيارتها لأنها مهد لكثير من الآثار والمواقع النادرة". ويعتقد مراقبون ان تراجع الازمة في الجزائر يساعد كذلك في تحسن وضع السياحة المغاربية التي تضررت بنتيجة تلك الازمة واغلاق الحدود البرية بين دول المنطقة. وبقدر ما تعيش السياحة المغربية فترة الطفرة، كما سمّاها وزير المال في تصريح سابق الى "الحياة" اشتدت المنافسة بين وكالات السفر والفنادق على تحقيق اكبر نسبة من العائدات بالعملة الصعبة للاستفادة من قانون تخفيض الضرائب الذي يمنح اعفاءات كبيرة للشركات السياحية التي تحقق عائدات بالعملات الصعبة بمعدل امتلاء لا يقل عن 50 في المئة. وقالت مصادر حكومية ان هدف القانون تطوير السياحة الدولية من جهة، وتشجيع اصحاب الفنادق على رفع حجم استثماراتهم وتحسين اداء وجودة الخدمات من جهة اخرى. واعرب اصحاب وكالات السفر عن خوفهم من ان يدفع المشروع اصحاب الفنادق الى البحث مباشرة عن الزبائن من دون المرور بالوكالات لجلب اكبر قدر من التحويلات، ما يؤثر على الوضعية المالية لتلك الوكالات. لكن الاوساط المهنية تعتقد ان المنافسة وحرية السوق تمنحان فرصاً للاطراف كافة وان زيادة الطلب من شأنه الاستجابة الى طلب جميع الناشطين في هذا القطاع. وتتنافس كبريات الوحدات الفندقية حالياً على حيازة اكبر نسبة من حركة السياحة الدولية الوافدة. وتقترح مجموعة "اكور" الفرنسية، التي تولت ادارة "فندق المنصور الذهبي" و"قصر المؤتمرات" في مراكش، اسعاراً تقدر بنحو 305 دراهم للغرفة الواحدة 32 دولاراً، والدفع بالعملة الصعبة لجذب السياح الاوربيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية. وتمتلأ غرف الفنادق التي دخلت تجربة منافسة الاسعار، والتي ترى ان المنافسة ضرورية لكسب حصة وافرة من السياحة الدولية الموجهة الى البحر الابيض المتوسط. ويعتبر القائمون على هذه الفنادق ان الاسعار في المغرب غالية مقارنة بتونس ومصر، ما يتطلّب تخفيضها لبلوغ درجة امتلاء بنسبة مئة في المئة. وعلى اساس ان "السياح مثل الطيور اذا ارتوت من منبع ماء لا بد ان تعود له ثانية". وهناك مشاهد تستوقف الذين يهتمون بالسياحة ومنها مشهد سيدة فرنسية في الستين من عمرها وقفت امام بائع الصحف بجوار "مقهى باليما" الشهير امام البرلمان، وسط الرباط، طلبت صحيفة لوموند" ودفعت سعرها عشرة دراهم. وبعد تصحف اوراق الجريدة عادت الى البائع واستفسرته ان كان الملحق غير مدمج في الصحيفة لانها اعتقدته - خفيفاً - حسب تعبيرها، فرد البائع مازحاً - الملحق موجود وربما لأن الاخبار قليلة في العالم وفي فرنسا -. فردّت ضاحكة "هذا افضل لأتمكن من قضاء عطلتي في بلدكم الجميل من دون اكتراث بما يجري هناك". وكانت تعني كوسوفو وازمة البلقان. ملايين مثل تلك السيدة سيزورون بلاد العرب هذا العام، فنحن بالنسبة اليهم ملاذ للراحة والاطمئنان بعيداً عن اوروبا الملبدة سماؤها بهدير الطائرات والصواريخ الذكية والغبية وما بينهما. ما أبعد اليوم عن الامس، عندما خلى الشارع نفسه من السياح الفرنسيين قبل ثماني سنوات.