قبل سنوات زرت صنعاء. في اليوم الأول ذهبت إلى وزارة الإعلام وجلست مع المنتظرين، وحين جاء دوري قال لي المسؤول: "ايش عندك يا أخ؟"، فعرّفته بنفسي، قال لي: آسف لتأخيرك، توقعت من شكلك أنك يمني. قلت له: الحمد لله هذا سيسهل مهمتي معك، أنا آت على حسابي الخاص، وأريد منك أن تساعدني في تكاليف إقامتي. نظر إليّ ضاحكاً وقال: سعودي وتطلب مصاريف الإقامة؟ قلت له: ألم تقل ان شكلي يمني؟ فقدم لي سيارة، ومرافقاً في منتهى دماثة الخلق والوعي. بعد خمسة أيام من الجولات، التقيت الشاعر، والكاتب، وأستاذ الجامعة الدكتور عبدالعزيز المقالح، كنت أريد أن آخذ رأيه بما سمعت وشاهدت، كان الموعد في مقر اتحاد الكتاب اليمنيين، حين وصلت وجدت المقالح، وعبدالعزيز الحضراني، وعثمان أبو ماهر المخلافي، وآخرين نسيت أسماءهم من طول الغياب. كانت الجلسة عامرة بحزم القات والشيش، فسيطر حديث القات على جل جلستنا تلك. كنت أعرف المقالح من خلال ما يكتب، واكتشفت في تلك الجلسة تواضعه المتفرد ولطفه، فحاورته من دون حرج، قلت له: كنت آتياً للحديث معك عن القات، وها نحن في جلسة "مقيل". ضحك المقالح، وقال: القات في اليمن سلوك اجتماعي شبه عام ومشكلتنا معه ليست في كونه يصنف كمخدر عند بعضهم، هذه أسهل مضار القات. مشكلته في اليمن أنه أصبح وسيلة لأمراض اجتماعية خطيرة أبرزها الرشوة، فالمواطن اليمني الفقير لا بد أن يحصل يومياً على حزمة قات لمواكبة المظهر الاجتماعي، ومن هنا تأتي المشكلة. شعرت أن تلك الجلسة برلمان مصغر. قبل أن أودع روادها قال لي الحضراني: جلسات القات في اليمن مثل حديقة "الهايد بارك" في لندن، كل يقول ما يشاء من دون خوف من الحكومة، وهذه ميزة جلسات القات.