يقف الرئيس الروسي بوريس يلتسن اليوم الأحد بخشوع أمام الراية الحمراء ليتلقى تقرير وزير الدفاع الذي سيخاطبه بعبارة "أيها الرفيق القائد الأعلى للقوات المسلحة". وهذا ليس جزءاً من رواية غرائبية، بل حقيقة تتكرر في التاسع من أيار مايو الذي يحتفل فيه الروس بالانتصار في الحرب العالمية الثانية. وفي بداية عهده، حاول يلتسن وأنصاره "فتح صفحة جديدة" وإلغاء عيد النصر، إلا أنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم وضعوا في يد خصومهم ورقة قوية، إذ لا توجد عائلة روسية إلا وفقدت أحداً من ذويها في تلك الحرب التي أدت إلى مصرع 26 مليون مواطن سوفياتي. وعلى رغم ان المحاربين القدماء الذين ظلوا على قيد الحياة لا يتجاوز عددهم حالياً زهاء مليون ونصف المليون شخص ومتوسط أعمارهم 77 سنة، إلا أن منظرهم يوحي بالمهابة وهم يضعون النياشين على صدورهم ويسيرون في التظاهرات التي تنظمها المعارضة. وغالبية المحاربين القدماء، إلى جانب مليوني "محارب على جبهة العمل" أثناء الحرب، يشكلون قوة يحسب لها حساب، وهم في غالبيتهم يعارضون يلتسن ويحملونه مسؤولية "التضحية بالنصر" وتحويل روسيا من دولة عظمى إلى كيان هزيل. إلا أن نسبة ضئيلة من هؤلاء تدين بالمبادئ الليبرالية وترى أن الزعيم السوفياتي الراحل جوزف ستالين قدم "خسائر غير مبررة". وتبذل السلطات الروسية جهوداً لتحسين أوضاع المحاربين القدماء وهم يحصلون على رواتب تبلغ ضعف ما يتقاضاه المتقاعدون المدنيون، ويدفعون 50 في المئة من فواتير الكهرباء والماء والتدفئة، ويحصلون في المناسبات الرسمية على معونات عينية من مواد غذائية وملابس، ويسمح لهم في عيد النصر بالاتصال مجاناً بالمدن الأخرى. غير أن انهيار الاقتصاد الروسي ادخل تعديلات على الاحتفالات، فلم تعد المطاعم تضج بالمحاربين القدماء الذين يتقاطرون على موسكو لملاقاة رفاق السلاح. فقلة منهم فقط تستطيع تحمل نفقات السفر وفاتورة المطعم. ويشكو المقاتلون من أن وسائل الاعلام لم تعد تقيم وزناً ل"القيم المقدسة" كحب الوطن والاستعداد للتضحية في سبيل "مجد روسيا". وشهد مراسل "الحياة" ملاسنة في أحد ميادين العاصمة بين محاربين قدماء ومجموعة من الشبان الذين صرح أحدهم في وجه الشيوخ "كان صمودكم في الحرب دعماً للطاغية ستالين وأمّن استمرار نظام العبودية الشيوعية خمسين سنة أخرى"، فتلقى صفعة لم يرد عليها.