إعترف جيل جاكوب، رئيس مهرجان "كان"، في مؤتمره الصحافي الذي عقده لاعلان الأفلام المختارة للعروض الرئيسية للدورة الثانية والعشرين، بأنه بات من الصعوبة ايجاد الأفلام الصالحة. وقال: "تكاثرت المهرجانات والأفلام الجيدة تناقصت". مع ذلك تبدو جعبة الدورة التي ستنطلق في الثاني والعشرين الجاري مزدحمة الى حد كبير. لكنها مزدحمة بالأسماء المعروفة من دون اضافات جديدة. أحد معاوني جيل جاكوب نُقل عنه قوله: "الأسماء نفسها والزبائن انفسهم.. نحن في حاجة الى دم جديد، وأخفقنا ان نؤمنه في هذه الدورة". ويقول جيل جاكوب في هذا الصدد: "هذه هي الأفلام المتاحة لنا. هناك ندرة في الانتاجات الفنية والمشاريع الطموحة". المشكلة لا تبدو محصورة في نطاق البحث المضني عما يصلح في غياب المخرجين الجدد، او حتى القدامى جداً، بل هي ايضا في نطاق عمليات خلط اوراق ونقل الافلام من داخل المسابقة الى خارجها، ومن تظاهرة الى اخرى قبل ساعات من اعلان النتائج الرسمية الاخيرة. هذا حدث مع افلام عدة، بينها فيلم يوسف شاهين "الآخر" الذي كان مفترضاً به ان يشارك في المسابقة لكن شاهين فوجئ به خارجها في تظاهرة "نظرة ما" الموازية. رقم قياسي شاهد جيل جاكوب ومعاونوه في مراحل الانتقاء 1138 فيلماً، من بينها 578 فيلماً روائياً طويلاً. وهذا اعلى رقم في تاريخ المهرجان. في العام الماضي شاهدت المجموعة نفسها 1054 فيلماً قبل ان تصل الى اختياراتها. من ال 578 فيلماً روائياً هذا العام تم اختيار 22 للمسابقة وستة افلام للعروض خارجها، و22 فيلماً في تظاهرة "نظرة ما". بالاضافة الى فيلمي الافتتاح والختام غير المشتركين في المسابقة. عدد الافلام الناطقة بالانكليزية اقل منه في العام الماضي: 7 في المسابقة و10 خارجها. وهذا يعود الى عاملين: عدد من الأفلام التي سعى جاكوب لجذبها هذا العام لا تزال قيد الانجاز، من بينها افلام للبريطانيين آلان باركر ومايك لي والنيوزيلاندية جين كامبيون. ثم ان الافلام التي رغب في الحصول على موافقة هوليوود لعرضها لم يستطع الحصول عليها. اهمها واكبرها حجماً الفيلم الجديد لجورج لوكاس "ستار وورز: الجزء 1" الذي كان يأمل جاكوب في عرضه في ختام المهرجان اسوة بفيلم "اي تي" لستيفن سبيلبرغ قبل سبع عشرة سنة. الى جانب فيلمي باركر ولي وكامبيون، سعى جاكوب الى عرض الجديد المنتظر من المخرج الهنغاري استيفان زابو، ومن البولندي/ الفرنسي رومان بولانسكي لكن الفيلمين لن يكونا جاهزين في الموعد المحدد ايضا. شاهين حتى الساعات القليلة قبل المؤتمر الصحافي في 22 الشهر الماضي كان جيل جاكوب ومجموعته لا يزالون غارقين في خلط الأوراق ونقل بعض الافلام من خارج المسابقة الى داخلها او العكس، الى درجة ان عدداً من الدعوات التي تم توجيهها الى السينمائيين وبينها على الأرجح دعوة يوسف شاهين لم تحتوِ على تفاصيل البرنامج. الضحية العربية هي "الآخر" فيلم يوسف شاهين الجديد الذي أحاطه، كعادته في السنوات الاخيرة، بالكتمان، ويدور حول الظواهر السياسية في الشرق الاوسط من خلال قصة ذاتية من تلك التي طرحت اعمال المخرج العربي الاخيرة. وليس معروفاً تماماً سبب تحويل هذا الفيلم الذي كان شاهين كرر مرات عدة انه سيشارك فيه بمسابقة "كان" الجديدة. بل انه في أحد تصريحاته الاخيرة قال انه سيستمر في الاشتراك في مسابقات "كان" الى ان يفوز بالسعفة الذهبية. انسحب او لم يُضم أصلاً؟ والقصة التي سيتداولها المعلقون، خصوصاً حين يأتي موعد عرض الفيلم الصيني المشترك في المسابقة هذا العام، هي تلك المتصلة بالفيلم الصيني "No One Less" الذي اعلن مخرجه زانغ ييمو انه سحبه احتجاجاً على عبارة قالها جيل جاكوب بعدما شاهد الفيلم. واتفق معظم معاوني جيل جاكوب على ان الفيلم الذي تقع احداثه في الريف الصيني ليس في مستوى افلام زانغ السابقة. وحين بلغ ذلك المخرج الصيني بادر الى ارسال فيلم آخر هو "العودة الى الوطن"، لكن اللجنة لم تشعر حياله باعجاب يذكر ورفضته ايضاً. هذا ما أثار المخرج الصيني، خصوصاً بعدما سمع تلميح جيل جاكوب ان فيلمه الثاني دعاية حكومية، فاتخذ من ذلك الرأي محوراً لهجوم عنيف شنه على المهرجان ورئيسه واصفاً إياه بتفضيل السياسة على الفن ونافياً ان يكون فيلمه بوقاً دعائياً لحكومته. لكن المثير في العملية بأسرها ان زانغ سارع قبيل اعلان البرنامج الرسمي الى سحب فيلميه. اما الفيلم الصيني المعروض فعلاً في المسابقة فهو لتشان كايغي وعنوان "الامبراطور والقاتل" من انتاج ياباني/ صيني/ فرنسي. وهو واحد من افلام عدة، تم تحويلها جزئياً او كلياً فرنسياً. وهناك فيلمان اميركيان من تمويل فرنسي هما فيلم جيم يارموش "كلب شبح: طريقة الساموراي" وفيلم ديفيد لينش "القصة المستقيمة". وفرنسا شريك ايضا في فيلم المخرج البريطاني بيتر غريناواي "ثمانية نساء ونصف"، وفي فيلم الاسباني بدرو ألمودوفار "كل شيء عن أمي". اما الاشتراكات الفرنسية - الفرنسية في المسابقة فهي محصورة في "حياتنا السعيدة"، لمايلو و"وقت مستعاد" لراوول رويز، و"الانسانية" لبرونو دومونت. اميركيا واذ لم تجد ادارة المهرجان ما بحثت عنه لدى شركات هوليوود الكبرى، فان الاشتراك في المسابقة محصور بأربعة: "المهد سيهتز" للممثل المخرج تيم روبنز الذي يعود فيه الى فترة الثلاثينات من حياة الممثل/ المخرج اورسون ويلز فترته المسرحية والاذاعية قبل دخوله المجال السينمائي بتحفة المواطن كين". ايضا "الكلب الشبح - طريقة الساموراي" الذي يعود به جيم يارموش الى المسابقة وكان اشترك في المهرجان عبر فيلم "ميت" قبل ثلاث سنوات. فيلمه الجديد يحكي قصة قاتل منتمٍ الى المافيا الاميركية لكنه يجيد الساموراي الياباني ولديه بدايات تبلور إنساني. الفيلم الثالث هو "ليمبو" للمخرج جون سايلس. سايلس اشترك قبل عامين في تظاهرة "نصف شهر المخرجين" المستقلة بفيلمه "النجمة الوحيدة". بعده حقق "رجال مسلحون" والآن يشترك في المسابقة بفيلم تقع احداثه في ألاسكا، من بطولة ديفيد سترثون وكريس كريستوفر وهذا الاخير كان عاد الى الأضواء بفضل دوره في "النجمة الوحيدة". اما فيلم ديفيد لينش فان شيئاً ليس معروفاً عنه، لكن العنوان "قصة مستقيمة" قد ينتهي الى قيام المخرج بتغيير نمط افلامه السابقة التي كثيراً ما تعرضت للنقد كونها غير مفهومة سرداً او مضموناً. تكهنات باقي الافلام التي لم يتم ذكرها هي "رحلة فيليسيا" للكندي أتوم إيغويان. وهناك تكهنات ساخرة في هوليوود منذ الآن تقول ان ايغويان هو الذي سيخرج بالسعفة الذهبية. من ايران هناك فيلم وقف وراءه ثلاثة مخرجين هم محسن مخملياف وأبو الفضل وناصر تاجهاوي عنوانه "حكايات من كيش". ومن اسرائيل، فيلم "كادوش" واشتراك وحيد من اليابان يقدمه المخرج المعروف تاكيشي كيتانو بعنوان "كيكوجيرو". والمخرج البرتغالي المخضرم مانويل د أولفييرا. ومن الايطالي العتيق ايضا ماركو بيلوكيو "المربية" ومن ابناء جيله المكسيكي ريبستين فيلم "لا احد يكتب للكولونيل". ريبستين هو الغربي الوحيد الذي تصدى لأعمال نجيب محفوظ فأخرج "زقاق المدق" ثم انتج "بداية ونهاية". من هونغ كونغ فيلم "الحب سيمزقنا" ليوليك - واي وهو جديد على المهرجانات. اما بريطانيا، فالى جانب "ثمانية نساء ونصف" لبيتر غريناواي، يطل مايكل وينتربوتوم عبر فيلمه الجديد "ووندر لاند". أخيراً هناك الفيلم المنتظر للمخرج الروسي ألكسندر زوخوروف "مولوش" وهو المخرج الذي أثار الاعجاب عبر قصيدته السينمائية شبه الصامتة "أم وإبن". خارج المسابقة فيلم الافتتاح هو للروسي نيكيتا ميخالكوف الذي كان أنهى "حلاق سيبيريا" منذ اشهر وأبقى الفيلم معلباً، باستثناء عرض محلي وآخر خصص لأكاديمية الأوسكار لعلها ترشحه طلبا للمهرجان الفرنسي. اما فيلم الختام فهو اوروبي ايضا آت من بريطانيا ومن اوليفر باركر بعنوان "الزوج المثالي".