قبل ذكرى كارثة حلبجة بثلاثة أيام تحدث رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الى "الحياة" وقال: "نحن نؤمن بأن حل القضية الكردية سيتطلب ان نعود الى بغداد". اذا كان اخذ الدروس من الماضي والسياسات الخاطئة في مرحلة ما، مسألة مهمة وجدية لكل حزب سياسي، فيبدو ان ذلك لا ينسحب على الاحزاب القومية الكردية، ثلاثة عقود تمضي الآن على دورانهم في حلقة مفرغة المفاوضات - الحرب - المفاوضات مع الحكومة البعثية من دون ان يحصلوا على شيء يذكر. بعد المسيرة الطويلة لهذه الحلقة المفرغة للمفاوضات، ماذا حصل؟ قتل اكثر من خمسة آلاف انسان بالأسلحة الكيماوية في غضون دقائق قليلة، وفقد 200 الف مواطن بعد حملة الانفال التي قام بها الحرس الجمهوري، ثم القيام بحملة عسكرية شاملة وقتل جماعي في كردستان بعد هزيمة النظام امام اميركا والتحالف الدولي في حرب الخليج. بعد كل هذه التجارب القاسية، ماذا تنتظرون من المفاوضات مع حكومة البعث؟ .... اعطيت الاجابة عن هذه الاسئلة من قبل، من خلال اتفاق 11 آذار مارس 1970، ونتائج الجولات الاخرى من المفاوضات في الثمانينات والتسعينات، بأن السلطة لم تكن ترضى بأن تدخل مسألة الحريات او حق تقرير المصير ضمن نقاط التفاوض، هذه حقيقة واضحة لا يمكن انكارها، الا من قبل اولئك الذين تسبق مصالحهم الحزبية، الحلول الواقعية المنسجمة مع ارادة مواطني كردستان. ان نظام البعث قائم على سياسة شوفينية تجاه شعب كردستان لذلك لا يمكن حل هذه القضية عن طريق العودة الى السلطة البعثية. وكانت احداث 31 آب اغسطس 1996 خير دليل على ذلك. بماذا يمكن تفسير فتح الطريق امام الحرس الجمهوري لدخول مدينة اربيل، غير المصلحة السياسية للحزب الديموقراطي الكردستاني؟ في الوقت الذي عزل النظام البعثي عن المجتمع الدولي، وأصبحت كردستان منفصلة عملياً عن العراق، أليست العودة لبغداد هي اعادتها الى سدة الحكم مرة اخرى والمطالبة مجدداً بمنح حقوق الاكراد من قبلها، اليس هذا هو تسليم الفريسة لنفسها بنفسها للصياد؟ .... ليس هناك طريق حل يقطع دابر نظام صدام حسين عن كردستان، غير اعطاء الانفصال العملي الحالي عن ذلك النظام طابعه الدولي الرسمي والشرعي. هذا هو الدرس الذي لا تتعلمه الاحزاب القومية الكردية من تاريخ فشلها المتواصل، ودائماً يوقفون الناس في صفوف الانتظار حتى تستطيع السلطة أخذ ثأرها من جماهير كردستان. من الواضح ان طريق العودة الى بغداد جاء نتيجة للمأزق السياسي لهذه الاحزاب القومية الكردية. فبعد التشاؤم جراء الركض خلف سياسات اميركا في حرب الخليج ووعود البيت الأبيض بدعمهم في تشكيل البرلمان والحكومة المشتركة بين الحزبين، انتهت بهم الازمة وعدم وضوح افق سياساتهم الى الاقتتال الداخلي. والآن نراهم يتأرجحون بين الاتفاقات المبرمة خلف كواليس البيت الأبيض التي لم تخضر بعد، وبين طريق بغداد الذي جربوه عشرات المرات ويريدون ان يقنعوا الناس بأنه الطريق الوحيد لانهاء الظلم القومي تجاه الأكراد. لندن - آسو كمال