المملكة صانعة السلام    تزامنت مع تباشير التأسيس.. الاختبارات بالثوب والشماغ    لمسة وفاء.. زياد بن سليمان العرادي    عبدالله المعلمي.. صوت العقل والرزانة في أروقة الأمم المتحدة    الاحتلال يواصل الاقتحامات وهدم المنازل في الضفة    التعامل بحزم مع الاعتداء على «اليونيفيل».. السعودية تدعم إجراءات لبنان لمواجهة محاولات العبث بالأمن    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    وزير الداخلية والرئيس التونسي يستعرضان العلاقات والتعاون الأمني    في الجولة الأخيرة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يواجه الغرافة.. والنصر في ضيافة بيرسبوليس    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    2 % معدل التضخم في المملكة    ريادة سعودية في صناعة الفوسفات.. 4.6 تريليون ريال موارد تعدينية بالشمالية    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    ضبط 5 وافدين في جدة لممارستهم أفعالا تنافي الآداب العامة في مراكز الاسترخاء    هيئة العقار تشارك في «ريستاتكس الرياض»    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    قصة برجس الرماحي    تكريم المبدعين    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    محافظ جدة يُدشّن الحملة الوطنيّة المحدودة للتطعيم ضد شلل الأطفال    النفط ينهي سلسلة خسائر «ثلاثة أسابيع» رغم استمرار مخاوف الهبوط    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    وزير الاقتصاد: توقع نمو القطاع غير النفطي 4.8 في 2025    يانمار تعزز التزامها نحو المملكة العربية السعودية بافتتاح مكتبها في الرياض    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    ملّاح داكار التاريخي.. بُترت ساقه فامتدت أسطورته أبعد من الطريق    الرياض.. وازنة القرار العالمي    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    مسلسل «في لحظة» يطلق العنان لبوستره    عبادي الجوهر شغف على وجهة البحر الأحمر    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    بيان المملكة.. الصوت المسموع والرأي المقدر..!    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    وزير الاقتصاد يلتقي عددًا من المسؤولين لمناقشة مجالات التعاون المشترك    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة الى حوار ومصارحة حول مستقبل الاكراد والفيديرالية للعراق مطلب يقتضيه حق تقرير المصير
نشر في الحياة يوم 26 - 06 - 1998

عاش الاكراد في وطنهم كردستان وحسب الحقائق الجغرافية والتاريخية منذ آلاف السنين. والأدلة والبحوث والدلالات على ذلك كثيرة، قبل الميلاد وقبل التوثيق العربي، كما ورد في زمن زنيوفون اليوناني الذي مرّ من كردستان في القرن الرابع قبل الميلاد وذكر عن مسيرته الشاقة هذه، اضافة الى ما هو معلوم عن كردية الحوربيين والمتأنيين والميديين وغيرهم، ثم يأتي التوثيق العربي ابن الأثير والمسعودي وغيرهما وهذه الدراسات تؤكد ايضاً الانتشار الجغرافي للاكراد خلال القرون العشرة الاولى من الفتوحات في موطنهم كردستان.
وبعد القرن السادس عشر تبدأ الدلائل والوثائق العثمانية، كما ورد في ما كتبهُ اولياجلي في القرن السابع عشر، بعد رحلته في المنطقة، عن وجود الاكراد في مناطق سكناهم في الامبراطورية العثمانية، وكذلك في كتاب الشرفنامة للمؤرخ الكردي البدليسي القرن السادس عشر. وللاستمرار في التسلسل التأريخي نأخذ ما كتبه الفرنسي بيير جوبير في 1821 رحلة الى أرمينيا وبلاد فارس الذي يذكر ان كردستان تمتد من جبال أرارات شمالاً وحتى جبل حمرين جنوباً، ومن أورمية ووان شرقاً حتى نهار دجلة غرباً. ثم نأتي الى الأب آبوجي اليسوعي 1886 الذي يؤكد هذه الحقائق، ومن ثم يقول: "تعتبر كردستان من احسن الأراضي العثمانية" ويعني بذلك الموارد الطبيعية. بعد هذا نتناول عهد الاستعمار الغربي فلقد ذرع ماركس سايكس الانكليزي كردستان شبراً شبراً ووضع خرائط مفصلة عام 1908 ثم تجاهل كل شيء حول واقع الشعب الكردي ووطنه واتفق مع جورج بيكو الفرنسي على تقسيم كردستان في معاهدة سايكس بيكو 1916. في الوقت نفسه كتب مينورسكي الروسي دراسة "الاكراد: دراسات وانطباعات" في 1915 يحدد فيها المنطقة الكردية، وينطبق التحديد هذا الى حدّ كبير مع ما سبق ذكره من دراسات. خلاصة القول ان الاكراد شعب عريق كالعرب، كما تؤكد المصادر التاريخية التي ترجع بعضها الى ثلاثة آلاف عام او اكثر.
والتآخي العربي - الكردي حقيقة تاريخية لها مقوماتها ومعطياتها، والخلاف العربي - الكردي وتأجيجه واستخدام العنف فيه يتناقض مع جدلية التاريخ، لقد جاءت العلاقات نتيجة تضحيات جسام للشعبين على مرّ السنين اذ وقفا معاً لرد غزوات كثيرة وكانت مصائبهم مشتركة الى حدّ كبير اثناء الحكم العثماني والبريطاني والفرنسي، وقد لعب الاكراد ادواراً كبيرة في بناء الحضار الاسلامية بل حتى العربية احياناً. نذكر على سبيل المثال في هذا المجال اشخاصاً في مصر ادوراهم مشهودة في هذا المجال كصلاح الدين الايوبي ومحمد علي الكبير وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده واحمد شوقي وقاسم امين وعباس محمود العقاد وغيرهم، اضافة الى مئات آخرين في مصر والبلدان العربية والاسلامية.
عن هذه العلاقات العربية - الكردية تحدث الكثير من الزعماء والشخصيات العربية ونذكر هنا فقط البعض وبسرعة. قال المرحوم عبدالرحمن عزام اول امين عام لجامعة الدول العربية: "ان آمال العرب والعراق خاصة ومستقبل العراق ليست في التوسع على حساب الكرد وانما في التفاهم واحترام خيارهم الحرّ …الخ". مجلة "الهلال" 1943. والرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي عمل على ايجاد تفاهم عربي - كردي في العراق وأيّد حصول الشعب الكردي على حقوقه ضمن الوحدة العراقية كتب في رسالة جوابية الى رئيس جمعية الطلبة الاكراد في اوروبا في 15/1/1959: "اكتب اليكم لأشكركم على التصريح الصحافي حول العلاقة العربية - الكردية في الجمهورية العراقية وأود ان اشير الى ان روح التآمر بين الاكراد والعرب عمل استعماري، ويبعثُ الأمل في نفوسنا ان نرى روح السلام والتعاون المخلص تسود العلاقات بين العنصرين في العراق… الخ". كتاب احمد فوزي "خناجر وجبال". اضافة الى تصريحاته وكلامه عندما التقى بعض القادة الاكراد في فترات مختلفة حول قضية الشعب الكردي وضرورة حلها سلمياً، ولا أريد هنا ذكر تفاصيلها انما اشرت فقط الى الرسالة اعلاه التي تظهر اهتمامه بالقضية وقلقه من تدهور العلاقات العربية - الكردية . وكان عبدالناصر سبّاقاً الى تهنئة الاكراد وبغداد بعد اعلان اتفاقية 11 آذار مارس 1970 على رغم ان العلاقات كانت متوترة جداً بينه وبين قيادة بغداد آنذاك.
والرئيس الجزائري الاسبق احمد بن بله وجّه نداء الى العرب والمسلمين في 1988 جاء فيه: "ان ابناء الشعب الكردي احفاد نورالدين وصلاح الدين وقفوا منذ مئات السنين اي منذ ان جمعتهم راية الاسلام، بجانب العرب، ان هذا الشعب وهو في محنة اليوم يستحق من اخوانه العرب والمسلمين ان يرفعوا اصواتهم لحمايته من الإبادة …الخ" جريدة "السفير" 4/9/1988. وجاء هذا النداء مع بعض النداءات الاخرى من اخوان عرب قليلين اثناء قصف نظام بغداد كردستان بالسلاح الكيماوي، ومع الاسف الشديد كان موقف الحكومات العربية سلبياً تجاهنا ولم تقف ضد هذه الجريمة الكبيرة، بل العكس، وقفت الغالبية العظمى معها وحاولت اسناد النظام والتغطية على فعلته هذه كما فعلت حكومات في الشرق والغرب. توجه السلك الديبلوماسي العربي بقيادة عميدهم سفير الكويت لمقابلة السيد ديكويار الامين العام للامم المتحدة ليؤكد له ان صدام لم يستخدم السلاح الكيماوي في كردستان، وهذا الموقف كان له تأثيره السلبي على العلاقات العربية - الكردية.
التآخي العربي - الكردي يعني الاعتراف بمساهمة كل جانب في احترام واقرار ما لدى الجانب الآخر، وان المبادرة هنا يجب ان تأتي اكثر من الشقيقة الكبرى الامة العربية، ففي الوقت الذي يتوقع العرب تأييد الأكراد لنضالهم عليهم ان يؤيدوا من دون شروط حق تقرير المصير للأمة الكردية وان يقفوا معها في المحن ووقت الحاجة، ولا اطلب هنا اكثر مما يقوله الاخ معمر القذافي دائماً حول الامة الكردية وضرورة الاعتراف بحقها في تقرير المصير وبناء كيانها. ان الاكراد لم يتوسعوا على حساب الشعوب الاخرى وقتالهم كان دفاعياً وضد دعوات الصهر والغزوات والابادة التي اثبتت فشلها الذريع دوماً وأضرّت بالغاً بمصالح الكرد والشعوب التي يعيشون معها خصوصاً العربية. عندما اقول تأييد حق تقرير المصير للأكراد من دون تحديدات وشروط، اعني بذلك نقطتين اساسيتين:
1 - تقرر السلطة التشريعية الكردية الاقليمية هذا الحق في العراق مع مراعاة مصلحة العراق وشعبه، لا السلطة التشريعية المركزية كما يقول البعض في معرض تعليقهم على الفيديرالية مثلاً، اي انهم لا يوافقون على ان يكون خيار الشعب الكردي بيده وفق ارادته الحرة كأي شعب.
2 - ليس صحيحاً ان يقال ان حق تقرير المصير يجب ان يمارس ضمن حدود العراق اذ ان الاقرار بهذا الحق يعتبر ناقصاً ومقيّداً هكذا ويفرض على الأكراد ان يمارسوه ضمن اطار محدود وهذا يتناقض مع مبدأ ممارستهم الحرة لحقهم.
يقول جمال الأتاسي في مقدمة كتاب "العرب والاكراد" لمنذر الموصللي: "كان من المفروض ان يؤدي اختلاط العرب والاكراد في اوطانهم ومعاناتهم من الظلم والاضطهاد الى التقارب بينهم وليس الابتعاد والى ايجاد قواسم مشتركة للتحالف والاتفاق بين الحركتين التحرريتين العربية والكردية والوصول الى منظور مشترك لبلوغ الاهداف العربية القومية لكل منهما …الخ".
ولا بد هنا من الاشارة ولو بكلمات الى الواقع المأسوي الذي تعيشه الأمة الكردية المجزأة، فهناك اكثر من 35 مليون كردي في بلدان مختلفة لا حقوق لهم، ففي تركيا يُسمون بالاتراك الجبليين او بالارهابيين وتُشنُ عليهم حرب ضروس على طرفي الحدود. في ايران كان الكرد آريين زمن الشاه من دون حقوق والآن وفي العهد الاسلامي يقولون كلما مسلمون ولا فرق وايضاً الأكراد من دون حقوق.
وفي سورية وفي بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة لا حقوق لهم رسمياً، اما في العراق فالصراع مستمر مع المآسي ولا يوجد حل عادل لهذه القضية الى الآن. ان مأساة الامة الكردية لو بقيت على هذه الحال فانها ستؤثر ايضاً سلباً على الشعوب المجاورة، خصوصاً الشعب العربي، وعلى الامن والاستقرار في المنطقة، انها كالقضية الفلسطينية في حاجة الى حل عادل ودائم. اقترحنا في السابق دوماً ونعيد الآن ايضاً: "لماذا لا يُعقد مؤتمر اقليمي حول هذا الموضوع تحضره الدول ذات العلاقة والاكراد من كل الاجزاء باشراف الامم المتحدة وحضور الدول الكبرى لايجاد حل على اساس الاعتراف بحقوق الأكراد وليأت هذا الاقرار على اساس الاتحاد الاختياري داخل هذه البلدان وبصيغة الفيديرالية اذا لم تسمح الظروف الدولية والاقليمية بأكثر من هذا وبشكل يضمن وحدة هذه البلدان التي كان عدم حل القضية الكردية دوماً خطراً عليها وليس وجود هذه القضية كما يزعم البعض. وليُعقد هكذا مؤتمر في القاهرة مثلاً، ان ارادت، لمَ لا وقد اجتمعت هذه الدول مرات عدة، وعقدت اتفاقات واحلافاً ضد الشعب الكردي كاتفاق سعدآباد 1937، وحلف بغداد 1955 واتفاقية الجزائر 1975 وغيرها؟ كذلك نشير الى الاجتماعات المتكررة بين تركيا وايران وسورية بعد تأسيس برلمان كردستان 1992 في العراق بهدف عدم فسح المجال لتطور ونجاح هذه التجربة الديموقراطية. فلمَ لا تعقد هذه الدول اجتماعاً واحداً لحل هذه القضية سلماً كما أسلفنا في حين عقدت اجتماعات كثيرة جداً لمحاصرتها ومعاداتها من دون جدوى؟
عندما اعلن البرلمان الكردستاني الفيديرالية في تشرين الاول اكتوبر 1992 نُظرَ اليها في كثير من الاوساط العربية والاسلامية بشكل سلبي وبادرت ايران وتركيا الى مواجهة الاعلان ومعه الكيان الكردي الاقليمي بشتى الاساليب، وربط البعض هذا الاعلان بالحماية الاميركية لكردستان العراق وبناء المنطقة الآمنة، والربط ليس صحيحاً فالمنطقة الكردية لم تكن آمنة ولا محمية كما يجب وكانت تعاني ولا تزال من مشاكل جغرافية وسياسية واقتصادية لا يراها الآخرون من بعيد، كما لا يرون معاناة شعبنا من القرارات الدولية التي أتت بوحي من مصالح اميركا ودول اخرى وليس من مصالح الشعب الكردي بالطبع. وساء الوضع كثيراً في كردستان العراق بعد الاقتتال الداخلي المؤسف الذي خلق انطباعاً سلبياً واسعاً.
جاءت المطالبة بالفيديرالية كتطور طبيعي للاهداف الكردية وكاستحقاق نضالي مبني على اساس حق شعبنا في تقرير المصير، ولنتناول هنا كيفية هذا التطور: رضينا نحن الأكراد في العراق بحق تقرير المواطنة الكاملة في العهد الملكي فلم نحصل عليه بل جوبهنا بموجات من القتال من قبل بغداد والاستعمار الانكليزي، ورضينا بعد ذلك بالمادة الثالثة من الدستور الموقت بعد 14 تموز يوليو 1958 في عهد عبدالكريم قاسم التي اكدت على شراكة العرب والاكراد في العراق ولم تُنفّذ بل استُخدم العنف ضدنا مرة اخرى، ثم قبلنا ببيان اللامركزية في 1963 ولم ينفّذه البعثيون بل شنّوا علينا حرباً واسعة تعاونوا فيها مع ايران وتركيا، ثم قبلنا ببيان شباط فبراير 1964 في عهد عبدالسلام عارف وبعده ببيان 29 حزيران يونيو 1966 في عهد عبدالرحمن عارف وعبدالرحمن البزّاز ولم يُنفذ اي منهما وعشنا جولات جديدة من القتال المؤسف الدامي. وفي سنة 1970 صدر بيان الحادي عشر من آذار التاريخي كنتيجة لحوار مع السلطة، وكان انجازاً مهماً لاعترافه بحق الأكراد في الحكم الذاتي وهذا ايضاً لم يتم تنفيذه كما يجب، ورجعنا الى موجات دامية من القتال بل الى الحرب في 1974 اعقبتها اتفاقية الجزائر السيئة الصيت بين حكم بغداد وحكم الشاه لمحاصرة القضية الكردية وضربها. وفي السبعينات والثمانينات بل حتى في مفاوضات 1991 التي جاءت بعد حرب الخليج الثانية وتأسيس المنطقة الآمنة عندنا واشتركت فيها الجبهة الكردستانية العراقية بكل جدية، لم يطالب الأكراد بأكثر من الحكم الذاتي على الرغم من كل تلك المآسي التي عانينا منها منذ 1975 خصوصاً في اواخر الثمانينات.
الا ان الذي لمسناه في 1991 كان تراجعاً واضحاً عما اتفق عليه في 1970 من بنود علنية وسرية خصوصاً في ما يتعلق بتحديد المنطقة الكردية، ووقف تغيير معالمها القومية، ومسألة الامن والاستخبارات والاجهزة القمعية في كردستان والعمل الحزبي للاكراد داخل القوات المسلحة واي خطوة ولو كانت صغيرة نحو الانفتاح والديموقراطية في العراق، كما ان الحكم العراقي لم يوافق على صلاحيات تشريعية لمجلس كردستان الاقليمي ولا على مشاركة الاكراد في القيادة الحقيقية اي في صنع القرار العراقي.
والأغرب من هذا انهم كانوا يطالبوننا علناً بالتقليل من مطالبنا لانهم عانوا من حربين ومن مؤامرات على سلطتهم علماً ان الحربين من صنع سياساتهم بشكل عام كما هي حروبهم في كردستان واستخدامهم للسلاح الكيماوي ضدّنا ولسموم الثاليوم والزرنيخ وغيرها وللتعريب والتبعيث والتهجير ولعمليات الأنفال التي دُفن فيها اكثر من مئة وثمانين الف كردي احياء لا نعرف اين هي قبورهم الى الآن، اي انهم يطلبون منّا نحن الضحية ان ندفع ضريبة ما قاموا به هم؟!
أدت هذه العقبات المهمة الى عدم الاتفاق بيننا في 1991 وليس كما يقولون "الاكراد لم يتفقوا بتأثير اميركي، علماً ان القيادة الكردية تحلّت في 1991 بمرونة في جولات مفاوضاتنات مع الحكومات العراقية المتعاقبة.
بعد كل هذه التطورات قرر البرلمان الكردستاني تحديد الفيديرالية كهدف نناضل من اجله، اضافة الى ما ذكرنا فان في الفيديرالية ضمانات لحقوقنا لا نجدها في الحكم الذاتي نحن بحاجة اليها حيث نتعامل مع سلطة تؤمن بلغة القوة والقهر فقط مع الاسف.
اتكلم عن هذه الامور والتطورات لتجاربي العملية فيها فقد اشتركت في مجمل جولات الحوار مع الحكومات العراقية المتعاقبة وخصوصاً الحكم الحالي وكنت مطلعاً بالكامل على التفاصيل الدقيقة للجولات التي لم اشترك فيها شخصياً، وفي سنة 1970 ترأست الوفد الكردي في اهم مفاوضات وانجحها في تاريخ علاقتنا مع الحكومات العراقية.
ان عقلية وسياسات الحكم العراقي لم تتبدّل الى الآن وهذا ما نلمسه ويلمسه بشكل اوضح من حاوروهم خلال السنوات القليلة الماضية ويحاورونهم الآن. انني شخصياً، على الرغم من ايماني بأن كل المشاكل يجب حلّها بالحوار كلما كان ذلك ممكناً، لا اؤمن بجدوى حوارات تجري الآن مع السلطة بل اعتبرها مضرّة بوحدة الصف الكردي وبقضيتنا، خصوصاً عندما تجري على صعيد حزبي وليس كردياً عاماً. ان حل المشاكل بالطرق السلمية مفيد دوماً حتى مع السلطة الحالية وعلى رغم التجارب التي ذكرناها، ولكن، على الاكراد ان يقوموا بالحوار موحدين وكفريق واحد وان يتم على اساس قرار مجلس الامن 688 لسنة 1991 وبحضور طرف ثالث كما يتم الحوار لحل مختلف مشاكل دول العالم الداخلية والخارجية هذه الايام.
أثبتت تجاربنا عدم نجاح الحوار الثنائي مع السلطة خصوصاً اذا جرى في نطاق ضيق من دون الانفتاح ووجود قدر من الديموقراطية على صعيد العراق ككل لا يمكن حل القضية الكردية سلماً.
ومرة اخرى اقول لمَ لا تحاول القاهرة استضافة هكذا حوار؟ وهي طرف عربي وقد استضافت في السابق حوارات مشابهة لبلدان اخرى كالصومال واثيوبيا مثلاً؟ ولكن هل تقبل سلطة بغداد؟ لا. والدليل ردّ فعلهم على الندوة المحدودة التي تمت دعوتهم لحضورها والتي تستهدف خدمة الشعب العراقي والاخوة العربية - الكردية. ان رد الفعل العنيف والمعادي يدلّ اكثر على كيفية تفكيرهم. ثم ان طارق عزيز رئيس ديبلوماسيتهم قال على شاشات التلفزة العالمية منذ اسابيع انهم لم يستخدموا السلاح الكيماوي في حلبجة، كمن يقول ان الكرة الارضية لا تدور!
أودّ ان اشير الى اننا في الجانب الكردي لم ولا نبرّئ انفسنا من اخطاء في التقدير وفي المراهنات والحسابات، هذه الاخطاء التي دفع شعبنا ضرائبها غالياً، الا ان الجانب الحكومي العراقي يتحمل المسؤولية الاكبر في الموضوع خصوصاً في العمل على ايجاد حل سلمي وديموقراطي للقضية الكردية.
ميّزنا وعلينا ان نميّز دائماً بين العراق كبلد وشعب وبين الحكم، نحنُ عراقيون ونريد كل الخير لبلادنا ونطالب دوماً برفع الحصار عنها كما نفهم ونؤكد في احيان كثيرة على اهمال المجتمع الدولي بقيادة اميركا لقضية ومعاناة شعب العراق بعربه واكراده واقلياته، بل وعلى نفاق هذا المجتمع في هذا المجال وتركيزه فقط على تدمير الاسلحة في تطبيق قرارات الامم المتحدة على الرغم من تأييدنا لتدميرها حيث عانينا نحن منها الكثير جداً وعدم الاهتمام بقرار 688 ولا بمقترحات فان دير ستويل حول حقوق الانسان التي تُنتهك في بلادنا على اوسع نطاق.
* سياسي كردي لعب ادوار قيادية منذ نهاية الخمسينات وشارك أو رأس في جميع الوفود الكردية التي تفاوضات مع بغداد وآخرها في 1991. والمقالة كلمته في لقاء عربي - كردي نظّمته في القاهرة اخيراً اللجنة المصرية لمنظمة التضامن الآفرو - آسيوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.