يمثل لبنان محطة موقتة للشباب العراقيين ينطلقون منها الى أماكن أخرى. وفي لبنان جالية عراقية تناهز الثلاثة آلاف شخص غالبيتهم من الشباب الوافدين من العراق او من البلدان المجاورة كسورية وإيران، حيث تعيش جالية عراقية كبيرة في هذين البلدين. وإذا كانت طموحات الشباب العراقي، سواء الذين ترعرعوا خارج العراق او الوافدين الجدد، متقاربة، فأن نظرتهم الى وطنهم العراق ومشاعرهم تجاهه مختلفة. منهم من يريد ان يعود الى العراق في أقرب وقت ممكن ويتألم لفراق الوطن، ومنهم من يرى بأنه ولد خارج هذا الوطن ولا يربطه به سوى انه عراقي الجنسية، ويرى آخرون ان العراق اصبح بالنسبة اليهم شيئاً من الماضي ولا يفكرون في العودة اليه على الاقل في الأعوام المقبلة. وللوقوف على مشكلات هؤلاء الشباب وهمومهم، وكيف ينظرون الى بلدهم وما هي طموحاتهم وأحلامهم؟ إلتقينا عدداً من الشباب العراقيين في لبنان، من الجنسين، ممن ولدوا في المهجر او قدموا حديثاً من العراق. عبير البغدادي مواليد دمشق 1980 طالبة في الجامعة اللبنانية، تقول: "كل ما اعرفه عن العراق هو ما يذكره لي والدي، ولم أزر العراق منذ ولادتي، ومع ذلك احب وطني وأتحرّق شوقاً كي أراه قريباً". وعن الرابط بوطنها تقول: "هناك رابط معنوي بيني وبين الوطن، ورابط روحي، ولذلك أنا أبكي وأتألم عندما اشاهد ما يتعرّض له وطني اليوم، وهذا شعور اخواتي كذلك". لكن حسين الموسوي مواليد إيران 1982 يقول: "انني احب ايران اكثر من العراق لأنني ولدت هناك وعشت طفولتي وصباي الى ما قبل عامين. وهذا لا يعني انني اكره العراق. على العكس احب بلدي وأتمنى ان أزوره. لكن لا اريد ان ابقى هناك، وأن الذي يربطني بالوطن هو الجنسية والآباء والأجداد". أما أمير سالم فيقول: "ولدت في الخارج وأبلغ من العمر الآن سبعة عشر عاماً، لذا ليس لدي اي ذكريات عن الوطن، وأسعى دائماً الى الإستماع الى ذكريات وحكايات وقصص يرويها والداي عن العراق. وأحاول البحث دائماً عن كتب تروي تاريخ العراق وتعرض صوراً لأهم معالمه التاريخية والحضارية والدينية. ويبقى العراق بالنسبة إليّ وطني وأنا فخور بالإنتماء إليه". طموحات هؤلاء الشباب هي اكمال دراساتهم، وأحلامهم هي العودة الى الوطن وخدمة ابناء شعبهم. فتقول عبير البغدادي ان طموحاتها هي ان تكمل دراستها الجامعية في لبنان وأن تعود الى وطنها في أقرب وقت كي تستطيع ان تستغل طاقاتها ومواهبها في خدمة الوطن. اما زميلتها زينب الربيعي 21 عاماً فتقول: "اريد ان انهي دراستي في الجامعة اللبنانية وإيجاد عمل يتناسب مع ما تعلمته". ويقول حسين الموسوي بكالوريا قسم أول انه يريد ان يدخل الجامعة ويدرس الكومبيوتر ويبقى في لبنان، ويقول "في لبنان كل المجالات مفتوحة امام الشباب، العمل والدراسة، خصوصاً في مجال الكومبيوتر الذي أحبه كثيراً". ويكاد الجميع يشترك في طموح اكمال الدراسة الجامعية. ولا تكمن معاناة هؤلاء الشباب في المادة او الوضع الرسمي، بل معاناتهم كما عبّروا عنها "معاناة معنوية". وتلخص زينب الربيعي في القول: "ان معاناتنا في لبنان ليست مادية بل معنوية، وكفتيات عراقيات نجد أنفسنا امام واقع اجتماعي يختلف عما عاشه آباؤنا، فطبيعة المجتمع اللبناني من ناحية العادات والتقاليد والإنفتاح، تختلف كثيراً عما هي عليه في المجتمع العراقي الذي ظل محافظاً عليها حتى في المهجر، ولذلك نجد صعوبة في الإندماج مع هذا المجتمع، إما بسبب رفض الأهل لذلك الواقع او لأسباب خاصة تتعلق بتربيتنا". أما عبير فتقول: "معاناتي تتجسد في كوني عراقية لا اعرف شيئاً عن العراق، اضافة الى الشعور بالغربة وعدم وجود الجمعيات او الهيئات العراقية التي نستطيع ان نلتقي من خلالها فتيات عراقيات من جيلنا، او نفصح من خلالها عن مواهبنا وطاقاتنا كي نستطيع المشاركة في إسماع صوتنا ورأينا في قضايا تتعلق بمصير وطننا". أما أمير سالم فيرى ان معاناته تتمثل في الخوف من المستقبل ويقول: "اشعر بالقلق من المستقبل وتحدياته، ولا أعرف إن كنت سأقضي كل عمري في المنفى". ويحدد قلقه باحتمال عدم استطاعته الدراسة في جامعة خاصة تمكّنه شهادتها من الحصول على فرصة عمل جيدة. ويبدي أسفه لأن "سوق العمل تبحث عن خريجي الجامعات الخاصة، الباهظة التكاليف، لا الجامعة الرسمية". لكن حسين الموسوي يقول: "ليس لدي معاناة هنا، فأنا مرتاح ولدي الأصدقاء الذين استطيع ان اقضي اوقات فراغي معهم، بالإضافة الى انني اعمل في مجال الكومبيوتر بعد دوام المدرسة". لكن المفارقة أن الشباب الذين هاجروا حديثاً من العراق يختلفون في نظرتهم الى العراق، بالإضافة إلى أن معاناتهم من الغربة والبعد عن الوطن كبيرة، بل تصل الى ان البعض منهم ينام ليلته من دون طعام. كما ان حال الشعور بالضياع هي السمة المشتركة بينهم. وإذا كانت طموحات الشباب الذين ولدوا أو نشأوا في المهجر مع اهاليهم هي اكمال الدراسة، فان طموحات الشباب الذين وفدوا حديثاً هي اللجوء الى أحد البلدان الغربية او الأميركية ولبنان بالنسبة اليهم الطريق الأسهل. يقول عفيف الجاسم 22 عاماً من الناصرية: "العراق وطني ووطن ابائي وأجدادي، لكني لا اريد العودة اليه حالياً. ويمكن ان افكر في العودة في حال تخلى صدام عن السلطة. انا اتطلع الى الحصول على اللجوء في احدى الدول الأوروبية". ويقول خالد 20 عاماً من الموصل: "ان تفكيري ينحصر الآن بالحصول على اللجوء في مكتب الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، ومن ثم السفر الى احد البلدان الأوروبية، العراق اصبح بالنسبة إليّ مجرد ذكرى من الماضي". ويبرر رأفت 22 عاماً، من بابل، هذه الطريقة في تفكير الشباب بالقول: "ان ذلك ليس تخلياً عن الوطن بل هو نتيجة لما يعانيه اولئك الشباب بسبب سياسات النظام الحاكم في العراق والدول الكبرى، وعدم استيعاب الشباب من قبل المنظمات العراقية المعارضة في الخارج، وبالتالي فهم مجبرون على التفكير بهذه الطريقة، لهم طموحاتهم وأحلامهم ولديهم طاقات يريدون تفجيرها. وبالتالي ليس امامنا فرصة سوى الهجرة الى أوروبا أو أي بلد يمكن ان نجد فيه حريتنا وما يحقق لنا طموحاتنا". عموماً فان الشباب العراقي في لبنان وتحديداً الذين قدموا حديثاً همّهم الوحيد ايجاد فرصة العمل وجمع مبلغ من المال من اجل الهجرة الى احد البلدان الغربية، حتى يتسنى لهم مساعدة الأهل في العراق. لكن السؤال هو هل ان هذا الهدف سهل المنال؟ يقول انور العراقي 22 عاماً "جئت الى لبنان لتحقيق هذا الأمل لكن الواقع عكس ذلك، الأممالمتحدة لم تقبلني كلاجئ حتى الآن، على رغم ان السلطات اللبنانية اعتقلتني بسبب دخولي الى البلاد خلسة. ومع ذلك فهم لا يساعدوننا اي مكتب الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين مادياً ولا معنوياً". وهذه حال الكثيرين من الشبّان العراقيين الذين تركوا وطنهم ودراستهم من اجل البحث عن الحرية. ويؤكد اكثرهم ان اوضاعهم المادية تعيسة جداً والبحث عن العمل أتعبهم. وعن طموحاتهم وأحلامهم المستقبلية؟ ردّ علي الحسيني 20 عاماً بالقول: "اي طموحات وأي احلام؟ نحن كالغارق في البحر يبحث عن الشاطئ ولا يجده، هل تعتبرنا شباباً مثل باقي شباب العالم؟ انا شخصياً اشعر بأنني ميت معنوياً لأنني عجزت عن إكمال دراستي ولا زلت لم أجد فرصة العمل والأممالمتحدة لم تقبلني لاجئاً في بيروت، اضافة الى البعد عن الأهل. اعيش الوحدة، والحياة اصبحت بالنسبة اليّ اشبه بالسجن. الآن كل ما احلم به وأتمنى ان يتحقق، هو ان ارى بلدي وقد تخلص من صدام لأنه بات الكابوس الذي يرافقني في كل لحظة من لحظات حياتي وحتى في لبنان، حيث فقدت بسبب سياساته والدي وأخي الأكبر وخمسة من أعمامي، وما يحدث لي الآن هو مسؤول عنه ايضاً". يقضي هؤلاء الشباب اوقات فراغهم في التجمع في "بيوت الشباب" كما يسمّونها، اي البيوت التي يقطنها زملاؤهم. والبعض منهم لديه هوايات يمارسها ويحاول ان يطورها وهذا ما يفعله علي الحسيني وزملاؤه. فلدى علي الحسيني موهبة الرسم. يقول "انني اقضي اوقات فراغي في البكاء على الأهل، وقراءة رسائلهم وأحاول ان اطور موهبتي في الرسم، الذي اعبّر من خلاله عن ضياع العراق شعباً وثروات". ورفض بعض الشباب توجيه نداء الى شباب العالم العربي لمساعدتهم، ويبررون ذلك بالقول "ان الشعوب العربية لا تصدق ما نقول عما نتعرض له على يد النظام"، في حين رأى آخرون ان الشباب العربي لديه همومه هو الآخر ومع ذلك فان "شباب العالم العربي يستطيعون مساعدتنا على الأقل إعلامياً من اجل الخلاص من محنتنا". هذه صورة لجزء من معاناة شباب تركوا الأهل والوطن من اجل الحرية التي طالما كانوا يحلمون بشيء منها. إذ نجد ان الخوف مترسخ في قلوب هؤلاء الشباب فقد رفضت الغالبية منهم الكلام او اعطاء الاسم الحقيقي او الصورة الشخصية، وذلك خوفاً على عائلاتهم في العراق كما برروا ذلك وهذه حقيقة واقعة، إذ بات الخوف جزءاً من كيان كل عراقي مما انعكس سلباً حتى على تربية الأبناء.