وسط استعدادات أمنية غير عادية يمثل اليوم الاثنين زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان للمرة الأولى أمام محكمة أمن الدولة التركية لجلسات محاكمته بتهمة الخيانة العظمى والعمل على تقسيم الجمهورية التركية، وهي التهمة التي يعاقب عليها بالاعدام حسب المادة 125 من قانون العقوبات. وستجري وقائع الجلسة في جزيرة امرالي في بحر مرمرة حيث يقبع أوجلان في سجنها منذ أن خُطف من كينيا وأحضر إلى تركيا في 16 شباط فبراير الماضي. ومن المفارقات أن الجزيرة نفسها شهدت محاكمة رئيس الوزراء الاسبق عدنان مندريس الذي اعدمه الجيش هناك في أعقاب الانقلاب العسكري عام 1960، وهي المفارقة التي تلعب على أوتارها وسائل الإعلام المحلية، في إشارة إلى أنه من الأولى لحبل المشنقة الذي التف حول رقبة رئيس وزراء سابق، كان له شأنه، أن يلتف حول رقبة أوجلان الذي تتفنن وسائل الاعلام نفسها في اختيار ألقاب له من بينها "قاتل الأطفال" و"المسؤول عن قتل 30 ألف تركي". حتى حسمت السلطات التركية هذه المسألة بعدما عممت ضرورة استخدام وصف "ارهابي" بدلاً من زعيم حزب العمال الكردستاني أو أي صفة أخرى لأوجلان. وكانت الاستعدادات بدأت في الجزيرة المعزولة منذ وصول أوجلان إليها. حيث تم ترحيل كل من كان فيها، وتم إعداد صالة المحكمة بتجهيزات أمنية خاصة وحراسة مشددة، حيث سيمثل أوجلان داخل قفص زجاجي واقٍ من الرصاص، ولن يسمح إلا ل130 شخصاً بحضور الجلسة، منهم 12 محامياً عن أوجلان، و12 مدعياً عاماً مع عائلات بعض القتلى من الجنود الأتراك وضحايا التفجيرات التي أعدها حزب العمال الكردستاني، مما يهدد بأن يسود الجلسة جو متوتر خلال لقاء أوجلان هذه العائلات. وكان المتحدث باسم محامي أوجلان ارجان كانار صرح بأنهم سيطلبون تأجيل المحاكمة في أول جلسة بانتظار تعديل قانون محاكم أمن الدولة الذي وعدت الحكومة بإصداره في أسرع وقت وبحجة ان القضية ليست من اختصاص محاكم أمن الدولة. فيما أكد عمر يشيل يورد، أحد محامي الادعاء عن عائلات الجنود الأتراك، ل"الحياة" أنه ومن معه من المحامين لن يعارضوا التأجيل إذا ما قررت المحكمة ذلك، وأنه مع تعديل قانون محاكم أمن الدولة ومحاكمة أوجلان في محكمة مدنية بعد سحب القاضي العسكري من هيئة القضاة. ويراهن المدعي العام على أن ذلك لن يغير من قرار المحكمة النهائي، ولكنه قد يعمل على تحسين صورة المحاكمة في عيون أوروبا ولو إلى الحد الأدنى المقبول أوروبياً، إلا أن السلطات التركية لا تهمل في الوقت نفسه توفير الاجواء المناسبة لحملة تعبئة نفسية ضد أوجلان، بدأت بالفعل في موضانيا مع وصول عائلات الجنود الأتراك الذين سيحضرون جلسات المحاكمة. إذ يقوم والي المحافظة بتهيئة السكن لهم طوال مدة اقامتهم هنا، فيما تنظم المدارس، حتى الابتدائية منها، مسيرات يرفعون فيها لافتات تطالب بإعدام أوجلان فوراً، وتتهم محاميه بالخيانة. ومن المتوقع أن تزيد هذه المسيرات مع استمرار المحاكمة لتصل إلى ذروتها عند اعلان القرار. والهدف من ذلك هو اظهار ممارسة الرأي العام "الحر" ضغوطاً على محاكمة أوجلان، تكون كفيلة باخفاء أي ضغوط سياسية تمارسها الحكومة في هذا المجال. وسيقع على عاتق بعض الديبلوماسيين من البرلمان الأوروبي الذين سيحضرون المحاكمة، مسؤولية نقل انطباعاتهم. إذ سمحت السلطات التركية لبعض الديبلوماسيين الأجانب بالحضور، ليس بصفة مراقبين، فيما لم يتقدم أي من الديبلوماسيين العرب لحضور المحاكمة.