الكتاب: أزياء المرأة في العصر العثماني المؤلف: دكتورة آمال المصري الناشر: دار الآفاق العربية - القاهرة - 1999 ما أن أصبحت مصر ولاية عثمانية، حتى توالت محاولات العثمانيين لتتريكها، وهي محاولات لم تقتصر على الجوهري من معاملات رسمية وحكومية، وإنما جاوزتها الى الظاهري، مثل الأزياء والملابس بوصفهما تعبيراً عن سيادة نمط حضاري مغاير، وهو أمر لم يتم بالرضا والمحاكاة من جانب أهل مصر المغلوبين على أمرهم، وإنما قننته فرمانات سلطانية، حرمت إرتداء ازياء المماليك السابقة من الزنط والتخفيفة والكلوتة، وعاقبت من يرتديها، وفرضت على الناس الزي العثماني، فخلع موظفو الدولة القباء والطيلسان والكلفتاه، ولبسوا العمامة والجبة. وعرفت النساء في العصر العثماني تغييرات في أزيائهن بموجب فرمانات سلطانية، كما أن بعض هذه التغييرات فرضتها قوانين الموضة التي تهبط دائماً من اعلى الى اسفل. وبما أن "القسطنطينية" كانت هي العاصمة، فكان لزاماً أن تتبعها القاهرة في الموضة، وخصوصاً في أوساط الطبقة الارستقراطية التي سعت لمجاراة الغازين الجدد والتشبه بنسائهم، فيما بقيت العامة من النساء في أزيائهن العادية، الفقيرة في أغلب الأحوال. ولعبت العوامل الاجتماعية من تقاليد وأعراف وعادات دوراً مهماً - الى جانب المحددات الدينية - في التأثير على ازياء النساء في مصر في العصر العثماني. فكانت الحشمة لازمة لأزياء النساء وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي الذي يدين به العثمانيون والمصريون. اما أوضح التأثيرات الاجتماعية العثمانية في الزي النسائي المصري، فهو اتخاذ "التزيرة" زياً عاماً للخروج، وهي لم تفرض بفرمان وإنما تقليداً لما ارتدته نساء الطبقة الحاكمة، وشاع استخدامها في الطبقات الارستقراطية والوسطى وما دونها، اذ كانت رمزاً لمكانة اجتماعية مرتفعة، وهو زي لم يكن موجوداً من قبل. وبقدوم الفرنسيين سعى كثير من العائلات المصرية الى التشبه بأزيائهم، خصوصاً أن بعض الجند الفرنسيين تزوجوا من تلك العائلات، فخلعت نساؤهن الحجاب، وتبرجن على طريقة الفرنسيات، و"خرجن عن الحشمة والوقار"، كما يقول الجبرتي. وما أن خرج الفرنسيون من مصر حتى انقض الناس على كل من تعامل معهم وسار سيرتهم من النساء، وقتلوا مئات النساء لكي يكن عبرة للآخريات، "لا يسلكن مسلك الكفار"، ما يعني أن تأثير الحملة الفرنسية على ازياء النساء في تلك الفترة بقي موقتاً وانتهى تماماً بخروج الحملة في العام 1801. وكانت أزياء النساء في العصر العثماني، تعبيراً عن الظاهرة الاجتماعية التي قسمت النساء - كما المجتمع - الى ثلاث طبقات: طبقة عليا شملت نساء الباشوات والحكام والأتراك والأمراء المماليك وكبار رجال الدولة من المصريين وكبار التجار. وطبقة ثانية أقل ثراءً وتضم نساء التجار من الموسرين وكبار الحرفيين، وزوجات الموظفين الأكثر ثراءً. وطبقة ثالثة، تمثل الغالبية العظمى من النساء المصريات، وهن من الفلاحات والسوقة وزوجات الباعة الجائلين وصغار الحرفيين، وكان التأثر بالموضات العثمانية يتم اساساً في صفوف الطبقة الارستقراطية، وبدرجة أقل بين نساء الطبقة الثانية، اما العامة من النساء، فكن بالكاد يجدن ما يستر أجسادهن. ولبست السيدات من الطبقة العليا كثيراً من قطع الملابس بعضها فوق بعض، مثل القميص والسروال واليلك والجبة والسبلة ثم الحبرة فوقها والبرقع، إضافة الى ما تلبسه في قدميها من أحذية وغالباً ما تتكون من "المست" وفوقه "اليابوش" ثم المركوب أو "السرموزة"، هذه هي مجموعة الخروج التي سميت "التزيرة" وصاحبتها أغطية الرؤوس التي ازدانت بالأحجار الكريمة والذهب واللؤلؤ، وأحزمة الوسط التي صنعت من الكشمير المطرز بالذهب والفضة. الولع بالحلي وتلاحظ المؤلفة أن نساء العصر العثماني كن مولعات باقتناء الحلي متعددة الأشكال والأحجام، وقد ترتدي السيدة خواتم في أصابعها العشرة، إلى جانب مجموعات من أساور ذهبية وفصوص ماسية ولآلىء تثقل ذراعيها، كي تظهر للناس مدى ثرائها. كما أن أرجل النساء لم تسلم هي الأخرى من محاولة لإظهار ثرائهن، إذ زينت بالخلاخيل الثقيلة المصنوعة من الذهب الخالص وبها أجراس لتحدث رنيناً منتظماً عند الحركة. أما النساء من الطبقات الأدنى، فقد صنعن خلاخيلهن من الفضة أو النحاس أو الحديد. وكان استخدام الفراء في ازياء النساء مظهراً جديداً ارتبط بالعصر العثماني وحده دليلاً على الثراء، كما ان "النسيج المجوهر" أي الذي تدخل في صناعته خيوط من الذهب والجواهر، كان نمطاً غير شائع قبل مجيء العثمانيين. وتشير الباحثة إلى مسألة مهمة تتعلق بالحجاب ودوافعه، ففي رأيها أن الحجاب صار تقليداً اجتماعياً أكثر من كونه انصياعاً لأوامر الله، إذ كانت الإماء يجبرن على السفور تمييزاً لهن عن الحرائر، بل صدرت أوامر تعاقب المتبرقعات من الإماء والجواري. أما الغالبية من نساء العامة المصريات، فكن مضطرات للعمل ومع أزواجهن في الحقول أو في حرف وصنائع ومهن شاقة أخرى، وملابسهن تغطي أجسادهن بالكاد، وكن يستبدلنها بطرحة سوداء تغطي وجوههن بالبرقع، ويمشين حافيات الأقدام. ومن أنواع الملابس التي لبستها نساء العامة في مصر، الثوب السروال والقميص والطرحة والبرقع والملاءة والربطة، وما أرتدته نساء العامة في مصر، كان تعبيراً عن حالتهن المادية بالغة السوء. ولاستكمال زينتهن، حرصت النساء على استخدام الحلي بكثرة، وكان للنساء المصريات في العصر العثماني على اختلاف طبقاتهن، ولع باستخدام الحلي واقتنائها، حتى الفقيرات من نساء العامة سعين الى ذلك، وقد يبلغ ما تلبسه الزوجة من الحلي ما يعادل ثروة زوجها، ويمكن أن تتزين زوجة حرفي بسيط بحلي ثمينة، لا تنبىء عن دخل زوجها فعلياً. لكن اقتناء الحلي، خصوصاً بين نساء الطبقة العليا، لم يكن مجرد اهتمام نسائي فقط، بل كان خزانة لأموال الرجال، في عصر تميز باضطرابات سياسية وهزات اقتصادية متلاحقة. وبين قطع الحلي ما استخدم في أغطية الرؤوس مثل تاج الجوهر الذي صنع من الماس والزمرد والياقوت، والقرص وكان يصنع من الماس أو الذهب، والساقية وهي حلية من الذهب مشغولة بأسلاك متشابكة، وثبت بها حبات من اللؤلؤ وتتوسطها ماسة كبيرة أو حجر كريم وتوضع على مقدمة الرأس، والقصة والعتبة، وهما حلية واحدة تتشكل من الزهور الذهبية والماسية، وهناك الريشة والشواطح والقمرة والعصائب والبرق والأقراط والقلائد الماسية وعقد اللؤلؤ والذهب والسلاسل والأطواق وغيرها. أما مكملات الزي، فقد عرفت نساء العصر العثماني منها الطربوش الذي لبسته النساء في هذا العصر، واستوردته مصر من بلاد المغرب وفرنسا والبندقية بكميات كبيرة، والطاقية التي كانت فخامتها وحليها دليلاً على الطبقة التي تنتمي إليها السيدة، والمنديل الذي كان يعد من الملابس المنزلية، والعصابة التي كانت أكثر جزئيات غطاء الرأس انتشاراً، أما للأقدام فقد ارتدت النساء المست وهو من النعال المنزلية التي شاعت في العصر التركي، والبابوش، وتمايزت صناعته بحسب طبقة السيدة التي ترتديه، وكذلك عرفت النساء الخف والنعل والصندل والقبقاب. أما الأحزمة فكان منها حزام الكشمير الذي شاع استخدامه عند الطبقات العليا، وكذلك أحزمة الحرير والموسلين، فضلاً عن الشيلان والفراء التي اهتمت بها كثيراً نساء الطبقة الارستقراطية. وإلى جانب هذه الدراسات التفصيلية التي عُنيت بها الباحثة في ما يتصل بالعلاقة بين الطبقات الاجتماعية وازياء النساء، قدمت الباحثة إسهاماً طريفاً حول طرق حياكة وتفصيل هذه الأزياء. ولعل هذا الاهتمام بالزي النسائي يؤكد تجذر هذه الحضارة، حضارة الازياء، في التاريخ العثماني ويرسخ النظرة الجمالية الى المرأة ليس كفرد فاعل في المجتمع فحسب، وإنما ككائن جمالي.