الصورة "العائلية" التي التقطت للوفد العراقي "الموحد" في واشنطن تذكّر بصورة مشابهة أخذت في 1992. كان الوفد آنذاك أقل عدداً لكن بعض وجوهه تكرر في الوفد الحالي، أما المسؤول الأميركي فكان آنذاك جيمس بيكر، الذي حلت محله مادلين أولبرايت. وفي المناسبة الأولى، كما في الثانية، كان الهدف واحداً: اسقاط النظام العراقي. وكانت الإدارة الأميركية في 92 توحي ب"جدية" مستمدة من "عاصفة الصحراء" وما أنجزته من تحالف دولي لتحرير الكويت، أما "جدية" الإدارة الحالية فتبدو راغبة في الاستناد إلى انجازات "حرب كوسوفو" معطوفة على دروس وفّرها "ثعلب الصحراء". لا جدال، ولا شك، في أن واشنطن حددت لنفسها أمنية وهدفاً يتلخصان في ضرورة إسقاط صدام حسين. لأن بقاءه في منصبه شكل ويشكل عنواناً لفشل السياسة الأميركية، إلا أن بقاءه شكل ويشكل من جهة أخرى عنواناً لازدهار صناعات اميركية حربية. وبالتأكيد يستتبع اسقاط صدام مصالح جديدة، تتخطى شركات السلاح لتشمل شريحة أكبر وأوسع من القطاعات. يجزم المعارضون العراقيون بأن أميركا "مصممة" هذه المرة على انجاز المهمة. لكن الواضح ان الإدارة لا تراهن على من وقفوا للصورة "العائلية" في تغيير النظام، وانها ربما تراهن عليهم لما سمي ب"اليوم التالي" لسقوط صدام. قد تجهز الخطط والسيناريوات ل"اليوم التالي"، أما اليوم المحدد فلا يزال في عهدة الغيب والمجهول. والرهان معقود على ما لا يستطيع الأميركيون ولا العراقيون المعارضون التحدث عنه: هل وجد الأميركيون أخيراً رجلهم أو رجالهم داخل الجيش العراقي، الذين سيعهد إليهم حصار صدام أو قتله أو دفعه إلى الهرب من البلاد؟ الصورة "العائلية" الأخيرة كان ينقصها ممثل "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، الذي يتزعمه السيد محمد باقر الحكيم. وهذا نقص يعكس قصور الخطط الأميركية، إذ أن "تجنيد" باقر الحكيم يتطلب تقارباً حقيقياً مع إيران. لكن المخططين لليوم الأول و"التالي" هم انفسهم أولئك الذين دافعوا عن سياسة "الاحتواء المزدوج" دفاعاً "نضالياً"، فافتقدوا إيران حليفاً أو صديقاً أو مجرد طرف اقليمي يغض النظر عما يمكن أن يفعله عراقيون موالون له. وكيف يمكن إيران أن تساهم في مشروع إطاحة صدام طالما أنها تعلم يقيناً ان النظام البديل سيكون "أميركياً"؟ منطقياً، لوجستياً، سياسياً، هناك حاجة ملحة إلى دور إيراني، لكن المعطيات المتوافرة لا تتيح مثل هذا الدور وإن لم يكن مستحيلاً نظرياً. ليس معروفاً تماماً إلى أي مدى يمكن اعتبار وفد المعارضة العراقية "موحداً". لكن السعي الأميركي إلى ايجاد "هيئة موحدة" بدا ضرورياً لأن "التوحيد" لم يتأمن بمبادرة من العراقيين أنفسهم. فبدل أن يأتي الاصطفاف وطنياً تلقائياً تحول التحاقاً بالمشروع الأميركي. لكن دوافع الالتحاق وأبعاده تختلف من طرف إلى طرف. فالأكراد لا يعتبرون أنفسهم معنيين تماماً بهذا المشروع، إذ علمتهم تجاربهم أن يغلّبوا ما يرون فيه مصلحة لهم، لذا فهم لا يقطعون شعرة معاوية مع بغداد. ثمة آخرون ظهروا في "الصورة" لا يعرف لماذا هم هنا، بل هناك من ظهر أيضاً ولا لزوم له طالما أنه يقوم بالدور المطلوب منه سواء اعطي صفة تمثيلية أم لم يعطَ. في أي حال، لا تكفي الأوامر الأميركية لصنع جبهة معارضة موحدة، والمطلوب هو عمل عراقي وطني يبلور السعي الأميركي في اتجاه مقنع ومقبول. ولا يكفي ان يقول المعارضون إن أميركا جدية ومصممة، بل مطلوب منهم ان يبرهنوا على جدية وتصميم نابعين من لقائهم. فكما تأخرت واشنطن كثيراً في اظهار جديتها تأخروا هم أيضاً. ولعل مجرد حفاظهم على توقعاتهم وتنافراتهم مثار قلق لا لليوم الموعود، ولا ل"اليوم التالي"، وإنما خصوصاً للأيام التي تلي