بينت دراسة ميدانية ان نسبة عالية من الشباب الجامعي الأردني لا تستطيع الاستغناء عن البرامج الأجنبية المستوردة التي تعرض من خلال التلفزيونات والقنوات الفضائية. وأشارت الدراسة التي اعدها الباحث محمد فلاح القضاة ونشرتها اخيراً مجلة "دراسات"، وهي مجلة علمية محكّمة تصدرها الجامعة الأردنية، الى ان هناك جوانب تأثيرية للبرامج المستوردة على الشباب، خصوصاً حب السفر للخارج وحب السهر ومصادقة الجنس الآخر، وغير ذلك كالنواحي العاطفية والدينية والعلاقة بالأسرة والمحيطين والسلوك واللباس وقصة الشعر، وحب الهجرة وامتلاك سكن خاص. واعتمدت الدراسة طريقة المسح الميداني. وتكوّن مجتمع الدراسة من طلبة البكالوريوس في الجامعة الأردنية التي يبلغ عدد طلابها زهاء 30 ألفاً، وشملت الدراسة نحو 18990 طالباً وطالبة موزعين على ثلاث عشرة كلية خضعوا لألف استبيان، تمت الاجابة عن 769 منها. وحدد مجتمع الدراسة الفترة المتأخرة من الليل كأفضل الأوقات لمشاهدة البرامج المستوردة التي يغلب عليها الأغاني والمسلسلات والأفلام، في حين انخفض الاقبال على البرامج العلمية والأفلام الوثائقية نظراً لافتقارها لعناصر الإثارة والتشويق، وشمل الانخفاض ايضاً البرامج الرياضية والاخبارية، ورسوم الكرتون. وعزا الذين يمتلكون الصحون اللاقطة لا يتجاوزون - بحسب الدراسة 22.1 في المئة، امتلاكهم الصحون الى ضعف المستوى الفني والابداعي للقنوات العادية، والرغبة في زيادة الاطلاع على العالم الخارجي، اما الذين لا يمتلكون الصحون اللاقطة فبرروا ذلك بأسباب دينية، واخرى مادية. وجاءت القناة الاجنبية الأردنية في المرتبة الاولى كأفضل قناة مشاهدة، تلتها القناة العامة الأردنية، والقناة العامة السورية والقناة العامة الاسرائيلية، فيما احتلت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي المرتبة الاخيرة حيث اظهرت الدراسة ان نسبة الذكور الذين يشاهدونها بلغت 43.6 في المئة بينما بلغت نسبة الاناث 24.5 في المئة. وذكر 18.2 في المئة من افراد العينة الذين شملتهم الدراسة انهم يستقبلون ما متوسطه اربع قنوات فضائية اخرى تبث برامج وأفلاماً اجنبية، وهذا يعني - كما بينت الدراسة - ان "حرية الاختيار بين المحطات كبيرة، اذ لم يعد حصراً على المشاهد مشاهدة القنوات الوطنية او المناطق القريبة جغرافياً، فليس أمام الاستقبال المتعدد القنوات أية حواجز". وبدا من الدراسة ان افراد العينة لم يشيروا صراحة الى العلاقة بين تلك الأفلام والبرامج الاجنبية، وبين الجنس، وربما يعود ذلك الى طبيعة البيئة الاجتماعية المحافظة التي ينتمي اليها افراد العينة التي بلغت نسبة الاناث فيها نحو 69 في المئة. وقارنت الدراسة نتائجها مع نتائج دراسات مماثلة اظهرت اهتمام الشباب وتحديداً الذكور منهم بالبرامج الغربية وفق ما أظهرته دراسة دوغلاس بويد حول مشاهدة الشباب للبرامج التلفزيونية في المملكة العربية السعودية والتي اجريت عام 1984. وأوصت الدراسة التي اشتملت على عشرين جدولاً توضيحياً بضرورة اعادة النظر في فلسفة الاعلام العربي، وانشاء شبكة عربية كبرى للانتاج التلفزيوني تقوم على التركيز على الانتاج الابداعي ذي النوعية الممتازة، وعدم التركيز على الكم على حساب النوع. ودعت الدراسة الى الاهتمام النوعي بالقضايا التي تهم الشباب، ومعالجتها بطريقة تتلاءم مع سيكولوجية هذه الفئة، واشراك الشباب في مناقشة مشاكلهم في مناخ من الحرية المسؤولة. ونبهت الدراسة الى ضرورة الابتعاد عن الاطالة التي تُسبب الملل في عملية الانتاج، والتركيز على عنصري الاثارة والتشويق، وكذلك عقد الندوات والورش واجراء المزيد من الدراسات، ورفع كفاءة العاملين في الحقل الابداعي والتقني للانتاج التلفزيوني. وكان نحو 72.3 في المئة من افراد العينة الذين خضعوا لهذه الدراسة الميدانية قد اجابوا بنعم عندما سُئلوا عن امكانية التقليل من مشاهدة البرامج الأجنبية، وربطوا ذلك بوجود بديل يلبي أذواق هؤلاء الشباب، ويستجيب لحاجاتهم، ويعبّر عن ميولهم النفسية والعاطفية، ويتلمس صخب البراكين الموّارة في اعماقهم.