أظهرت محادثات القمة بين الرئيسين حافظ الاسد ومحمد خاتمي اقتراب ايران-خاتمي من رؤية سورية - الاسد من عدد القضايا الاقليمية منها: الموقف من العراق والمشروع الاميركي للتغيير، والموقف من المقاومة الوطنية في جنوبلبنان، والعلاقة مع المعارضة الفلسطينية لاتفاق اوسلو، وتقويم التعاون العسكري الاسرائىلي - التركي، والعلاقات العربية - الايرانية. وكان متوقعاً ان تسفر القمة عن نتائج ايجابية لمجرد ان الرئيس خاتمي قرر تمديد فترة الزيارة من يوم الى ثلاثة، مدشناً بها توجهه الى العالم العربي من البوابة الخليجية في اول زيارة لرئيس ايراني منذ قيام "الثورة الاسلامية" في طهران نهاية السبعينات. وبعد ثلاثة أيام من المحادثات بين خاتمي والأسد تخللتها جلسات عمل موسعة ومغلقة، بدا الجانب الايراني مقتنعاً اكثر بالموقف السوري من العراق الذي بدأ يتغير تدريجاً منذ منتصف العام 1997، موعد انطلاق التطبيع بين الطرفين. إذ أن ايران "التي تملك مشروعاً للتغيير في بغداد" و"داخلة في المشروع الاميركي" في هذا المجال، وافقت على الموقف السوري واعلن الطرفان "رفض أي تدخل أجنبي خارج قرارات مجلس الامن"، وان "أي قرار في ما يخص مصير ومستقبل العراق يقع على عاتق الشعب العراقي وحده". ومجرد صدور بيان مشترك في ختام المحادثات هو مؤشر ايجابي يعكس "التفاهم الكبير" بين الرئيسين، واعلان الاسد وخاتمي "رفض تجزئة الاراضي العراقية" و"حرصهما على عدم المساس بوحدة وسلامة الاراضي العراقية، ومعارضتهما اي تدخل أجنبي خارج قرارات الشرعية الدولية"، مع المطالبة ب"وقف الاعتداءات الجوية المستمرة على العراق"، يعطيه بعداً اضافياً الى مدى "اقتراب الموقف" في هذا الشأن. أما الملف الثاني بين الرئيسين، فكان الوضع في جنوبلبنان والاحتمالات المتوقعة بعد الانتخابات الاسرائىلية، ذلك ان هناك اعتقاداً بأن إسرائىل ستنسحب من الجنوب بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، ما يتطلب استعداداً سورياًوايرانياً لذلك وتنسيقاً بين دمشق التي تريد ان يكون الانسحاب في اطار "حل شامل" يتعلق بانسحاب اسرائىلي كامل من الجولان، وطهران التي تريد الاطمئان الى مستقبل "حزب الله". وقال مسؤولون في الجانبين ان الطرفين توصلا الى موقف مشترك قضى بدعم "النضال والمقاومة البطولية للبنان حكومةً وشعباً ضد الاحتلال الاسرائىلي الصهيوني"، داعييْن الى انهاء الاحتلال من "دون قيد او شرط طبقاً لقرار مجلس الامن 425". واستعد خاتمي لبحث هذا الموضوع بعقد اجتماعات مع وفد كبير من "حزب الله" برئاسة الأمين العام حسن نصرالله وحضور اعضاء مجلس الشورى الحاليين والسابقين ل"تقديم الدعم والحصول على ولاء الحزب للمعتدلين في طهران". واستبق بحث الموضوع الفلسطيني مع الاسد، بعقد لقاءات منفردة وجماعية مع قادة المعارضة الفلسطينية باستثناء "الجبهة الديمقراطية" بزعامة نايف حواتمة الذي فصل من التحالف المعارض بعد مصافحته الرئيس الاسرائىلي عازار وايزمان. وليؤكد خصوصية العلاقة افتتح يومه الثاني من الزيارة، بالاجتماع مع زعيم "الجهاد الاسلامي" رمضان عبدالله شلّح، ثم مع وفد من "حركة المقاومة الاسلامية" حماس ضم رئيس المكتب خالد مشعل وسلفه موسى ابو مرزوق وعضو المكتب السياسي المهندس عماد العلمي وممثل "حماس" في بيروت اسامة ابو حمدان، ثم لقاء ثالث مع الامين العام ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" أحمد جبريل، قبل ان يعقد اجتماعاً موسعاً ضم قادة المنظمات الممثلة في اللجنة العليا للمتابعة المنبثقة من المؤتمر الوطني المعارض لتعديل الميثاق الفلسطيني. ولم يكتف خاتمي بتوجيه رسالة الى واشنطن تقوم على الاستمرار الايراني لرفض التسوية و"التحالف" مع المعارضة واستعداده للقاء هؤلاء علناً، بل انه وجه لهم دعوات لزيارة طهران وعقد اجتماع موسع فيها. وكان ذلك بمثابة توافق سوري - إيراني لدعم المعارضة ومعارضة التسوية على طريقة الرئيس ياسر عرفات. إذ وجه الاسد وخاتمي في الختام انتقادات قوية ل"الطريقة التي حلت بها القضية الفلسطينية" لأنها لم تحقق للفلسطينيين "حقوقهم المشروعة". وحصلت دمشق في هذا الاطار على الدعم الايراني لموقفها من المفاوضات مع اسرائىل، إذ جاء في البيان المشترك انها "تدعم موقف سورية الثابت والقاضي بإنهاء الاحتلال الاسرائىلي للجولان الى خط الرابع من حزيران يونيو 1967"، مع ان المسؤولين الايرانيين يتحدثون عن ان "التطورات الأخيرة تؤكد وجهة نظرنا من ان اسرائىل لا تريد السلام أبداً". وبالنسبة الى الموقف من "التحالف" العسكري بين تل ابيب وانقرة، كان الدعم الايراني أقل وضوحاً. إذ أعربا رسمياً "عن القلق ازاء جميع انواع التقارب والتحالف بين البلدان العربية والاسلامية واسرائىل"، وطالبا بتجميده معتبرين ذلك "يتعارض مع مصالح شعوب المنطقة ويشكل تهديداً للسلام والاستقرار والامن في الشرق الاوسط". وتركا الأمر مفتوحاً من دون تحديد، ذلك انهما ارادا استغلال الاجواء الايجابية التي تقوم بين انقرةودمشق منذ تشرين الاول اكتوبر عندما وقعا اتفاقاً امنياً انهى المشكلة التي كانت تنذر بالمواجهة، بفضل وساطة مصرية - ايرانية بين سورية وتركيا. وما قاله خاتمي في الاجتماعات المغلقة هو ان "سورية وايران تتعرضان لحصار ومستهدفتان من التحركات الاقليمية"، مشيراً الى "التحالف التركي - الاسرائىلي والتحركات الاميركية في شأن العراق". وعلى رغم ان العلاقات الايرانية - العربية شهدت تحسناً تبلور في زيارة خاتمي للرياض، لم يغب هذا الملف عن لقاءات الاسد - خاتمي، خصوصاً ما يتعلق بضرورة تطوير ايران علاقاتها مع مصر والامارات. وقال الناطق الرئاسي جبران كورية ان الرئيسين أكدا "رغبتهما المشتركة في العمل لزيادة توثيق العلاقات العربية - الايرانية بما يخدم المصالح المشتركة لجميع الاطراف الرافضة للهيمنة الأجنبية والاحتلال الأجنبي والحقوق الوطنية والقومية لشعوب المنطقة". ولا تتردد دمشق في الحديث عن "الدور السوري" في التقارب العربي - الايراني، لأن "علاقات دمشق المميزة مع طهران وظفت التوظيف الصحيح لتصحيح بعض العلاقات التي لم تكن على ما يرام بين بعض الاشقاء وإيران بسبب ظروف معينة". وقالت مصادر سورية: "لا أحد يستطيع ان ينكر الجهود التي بذلها الاسد لتصحيح كل ما كان يعتري العلاقات العربية - الايرانية الى ان وصلت الى ما هي عليه الآن، إذ باتت هذه العلاقات في وضع يتوقع ان يصل في المستقبل الى ما هو مفترض ومطلوب ما يعزز الموقف الاسلامي عموماً"، لذلك فهي متفائلة بامكان قيام "جبهة عربية اسلامية موحدة الأهداف لفعل الكثير على المستوىين الاقليمي والدولي".