عبر التاريخ كانت القوى الغازية تبرر فتوحاتها بأنها عادلة، لمجرد انها هي التي قررتها. وكانت التبريرات اما دينية او قومية او عرقية، واما طبقية كتدخل الاتحاد السوفياتي في هنغاريا سنة 1956، وفي تشيكوسلوفاكيا سنة 1968. ولم يوجد قط تعريف للحرب العادلة يتجاوز التعريفات الخصوصية المغرضة الى تعريف عام لا علاقة له بالدين او بالايديولوجيا ولا بالمصالح الانانية، وانما يستمد تبريره من نظرة انسانية اشمل لا غاية لها غير الدفاع عن حقوق الانسان ضد حق الاقوى كما في عالم الحيوان. هذا الفراغ في تعريف الحرب العادلة تعريفاً مقبولاً من كل انسان ذي نية حسنة قدمه للمجتمع الدولي المعاصر الحقوقي الايطالي انطونيو كاسيس القاضي في محكمة لاهاي الدولية للنظر في جرائم الحرب. وقد دعا كاسيس الى مراجعة ميثاق الاممالمتحدة ليتفق مع الوضع الدولي الجديد، ويحدد في ضوئه المبررات الشرعية لاستخدام "الحرب العادلة" لفض النزاعات الدولية المتعاظمة في حقبة ما بعد الحرب الباردة. يقول انطونيو كاسيس: "تكون الحرب عادلة واستخدام القوة شرعياً فقط وحصراً عندما تتوافر خمسة شروط: 1- اذا كانت الدولة التي ستستخدم القوة ضدها انتهكت بطريقة خطيرة وكثيفة ومتكررة حقوق الانسان. 2- اذا كان مجلس الامن قد انذر مراراً عدة ومن دون نتيجة هذه الدولة بوضع حد للمذابح. 3- اذا كانت المحاولات للوصول الى حل ديبلوماسي سلمي ذهبت كلها ادراج الرياح. 4- اذا كان استخدام القوة من صنع مجموعة دول، لا دولة واحدة، واذا كانت غالبية دول الاممالمتحدة لا تعارض هذا الاستخدام للقوة. 5- واذا كان اللجوء الى الحرب هو الحل الوحيد امام مواصلة الدولة المسؤولة للمذابح". لوموند 13/4/1999 اعترف بأنه لم يسبق لي ان قرأت فتوى قانونية بمثل هذا الوضوح والعقلانية والتشبع بالروح الانسانية لتعريف الحرب العادلة تعريفاً موضوعياً يتماشى مع تطورات الوضع الدولي الجديد. والفتوى بالغة الاهمية لأنها تقدم حلاً مقبولاً من غالبية سكان العالم لاشكاليتين دقيقتين. الاولى: شلل مجلس الامن الذي تسيطر عليه الدول الخمس الاعضاء، والتي قلما تسمح لها مصالحها الانانية المتضاربة بالاتفاق على تعريف للحرب العادلة. والثانية: جنون العظمة الذي يدفع القوة الاعظم في العالم، الولاياتالمتحدة الاميركية لأن تتدخل منفردة حيث ترى ان مصالحها مهددة، كما فعلت عام 1983 في غزوها غرانادا، وكما كادت تفعل في كوبا سنة 1962 وتطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة. اشتراط انطونيو كاسيس لعدالة استخدام القوة ان يكون التدخل من مجموعة دول لا من دولة واحدة، اضافة الى عدم معارضة الدول الاعضاء في الاممالمتحدة لهذا التدخل، قدم حلاً مثالياً لشلل مجلس الامن بسبب حق النقض الفيتو الذي في امكان احد اعضائه الدائمين الخمسة ان يستخدمه لحجب الشرعية عن كل تدخل مهما كان مبرراً من وجهة نظر حقوق الانسان. وفي حالة الحرب العادلة ضد صربيا سلوبودان ميلوشيفيتش ما كان لقرار مجلس الامن ان يصدر كما صدر في حالة تحرير الكويت، لأن روسيا كانت ستستخدم "نيات" NIET لا الشهيرة، التي يقال ان وزير خارجية الاتحاد السوفياتي السابق اندري غروميكو لم يكن يحسن كلمة غيرها، وانه استخدمها في مفاوضاته مع الغرب اكثر من 800 مرة. وفي الوقت نفسه وضع هذا الشرط قيداً في يد الولاياتالمتحدة الاميركية التي قد تحدثها نفسها - والنفس أمّارة بالسوء - بالتدخل حيث شاءت دفاعاً عن مصالح شركة جنرال موتورز، مثلاً، التي قال فوستر دالس عندما كان وزيراً للخارجية ان: "مصالح شركة جنرال موتورز هي مصالح الولاياتالمتحدة الاميركية". كم يكون مفيداً لو ان الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الاوروبي تبنوا فتوى انطونيو كاسيس ليعطوها دعماً قوياً يجعل الاممالمتحدة تتبناها بدورها ليمتلك عالمنا المليء بالحروب الناشبة والحروب المحتملة ميثاقاً للحرب العادلة يضاف الى ميثاق حقوق الانسان. * كاتب مغربي مقيم في فرنسا.