في العدد 13208 من "الحياة" المؤرخ يوم الجمعة 21/1/1402ه 7/5/1999، الصفحة الأخيرة، كتب جهاد الخازن، في عموده اليومي: "عيون وآذان"، عن الفساد، والتنافس على مكافحته، في كل من لبنان وسورية. وبغض النظر عن السياسة ولحود والحص والحريري... فأهل لبنان، وقضاء لبنان، ادرى بما فيه، يشعر القارئ ان الخازن مع الفساد مبدأ او سياسة، لا سيما اذا تحرك الاقتصاد، وسار دولاب النشاط .... هناك "علماء" غربيون، في عصرنا هذا، يبررون الفساد، كما يبررون غيره، لا سيما في بلدان العالم الثالث، لأن الفساد وسيلة من وسائل تشحيم معاملاتهم وتزييتها، وهو كذلك وسيلة من وسائل القضاء على انسان العالم الثالث وإنسانيته وفاعليته وكرامته. لكن يبدو ان الفساد لا يجر الا الفساد، وطفح الكيل، حتى ان بعض الفساد لم يعد يتحمل بعضه الآخر، اذ اتى على كل شيء. ولعل لهذا السبب، انشأ الغرب لا العرب مكتباً دولياً لمكافحة الفساد. وربما صار المسؤولون عندنا يهتمون بالفساد، كما صاروا يهتمون بالاقليات وبحقوق الانسان... بأوامر غربية، خوفاً منها، او تحسباً لها. ان المواطن، في بلداننا العربية والاسلامية، انما يحتاج الى قدرة ترهيبية ارهابية ان شئت او ترغيبية، حتى يصل الى حقوقه، او الى قدر منها. فإذا كنت محتاجاً الى تركيب هاتف مثلاً، فإنك تذهب وتعود، ويوماً يقال لك: ادفع الرسم، وإذا دفعت اخذوا منك اكثر من المطلوب، والموظف العام صار اشبه بالارهابي. ويوماً يقال لك: ما عندنا سلك، هات السلك من عندك، وتعال غداً. ويتفننون في وسائل النصب والاحتيال والأذى والانهاك، وإضاعة أوقات الناس، وجهودهم، وأموالهم، وأعمالهم. ومع ذلك تجد هناك صناديق للشكاوى، ونتعجب من انها فارغة، الا من الصراصير والفئران والعناكب، لا لأن الشكاوى معدومة، بل لأن الثقة بالاستجابة لها معدومة. ويخصص المسؤولون من اوقاتهم وقتاً لتلقي الشكاوى، وتتعجب من ان احداً لا يراجع في شكوى، لأن الناس صاروا يعلمون علم اليقين ان الشكوى لا يستجاب لها. انك محتاج لأن تجلس على عتبات ابواب المسؤولين، اشعث اغبر، مدفوعاً بالأبواب. وعلى ذلك فقس، في اصلاح الهاتف، وفي الماء، وفي الكهرباء، وفي التراخيص، وفي كل شيء. من حسن الحظ ان لدينا فائضاً من الموظفين، يكفي للبناء ولمكافحة الفساد في آن معاً. يقول جهاد الخازن، نقلاً عن الامبراطور اللبناني: "ان فلانا حرامي وذكي... سرق مليون دولار، وربح لنا = ربحنا خمسة ملايين. ولو كان مكانه مدير شريف وحمار لربما خسرنا عشرة ملايين دولار". مسكين هذا الشريف الذي وصفه الخازن بالحمار، بزيادة واو العطف. وطوبى للحرامي الذي وصفه بالذكي. وحلال على الشاطر الذي كسب من الحرامي خمسة ملايين. ألم أقل لكم مرة: ان كبارا يحرصون على الفاسدين، ولسان حالهم يقول: كل من الفساد وأطعمني! هذا هو الشعار الخفي لعصرنا الحاضر. جدة - رفيق يونس المصري من جهاد الخازن: لست مع الفساد البتة، وانما تحدثت عن الوضع القائم، وليس أي وضع مثالي نتمنى كلنا ان يقوم.