من الالقاب المحببة لوزير الخارجية المصري عمرو موسى انه "نصير السيدات". وهو يعتز بهذا اللقب كثيراً خصوصاً أن هناك 17 سيدة تترأس كل منهن بعثة ديبلوماسية كاملة من بين رؤساء 149 بعثة ديبلوماسية مصرية موزعة في أنحاء العالم. الارقام المسجلة باسم النساء في وزارة الخارجية المصرية لا تتوقف عند اللقب السامي من اجمالي قوة العمل في الوزارة والتي تبلغ 812 وبنسبة 5،16 في المئة. كما ان السيدات الشابات فزن بنصيب 17 في المئة من تعيينات الحركة الديبلوماسية الاخيرة، وهي ارقام تصفها السفيرة دولت حسن مساعدة الوزير للعلاقات الاقتصادية الدولية والتعاون الدولي بأنها تدل على "العصر الذهبي" لنساء الوزارة. السيدة دولت هي اول مساعدة للوزير في تاريخ الخارجية المصرية، ولكنها ليست الوحيدة فهناك مساعدة أخرى هي السيدة سلامة شاكر التي تحتل منصب مساعد الوزير لشؤون الاميركتين، وفي حوزتها الملف الاميركي الذي يعد الاهم ضمن ملفات الديبلوماسية المصرية. والى ذلك، تشير اوضاع السيدات في الوزارة الى وجود 12 منهن يشغلن منصب ملحق ديبلوماسي و19 منصب سكرتير ثالث و17 منصب سكرتير ثان و12 منصب سكرتير اول و20 مستشاراً و30 وزيراً مفوضاً و24 سيدة بدرجة سفير ليس كل سفير رئيس بعثة. وهناك عشر سيدات يترأسن سفارات في عواصمالكاميرون وبنين والغابون ورواندا وموزامبيق وجنوب افريقيا واستراليا وبلغاريا وفنلندا وبيرو، اضافة الى ترؤس 7 أخريات لقنصليات في لندن وبومباي وفرانكفورت وميلانو وباريس وسان فرانسيسكو ونيويورك. اما دلالة تلك الارقام فتؤكدها دراسة حديثة لمركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة، وتشير الى ان نسبة مساهمة المرأة الديبلوماسية في المستويات الوظيفية القيادية والاشرافية العليا تنمو في اتجاه تصاعدي. واعطت الدراسة نموذجاً لعمليات الارتقاء في مستوى دور المرأة الديبلوماسي من خلال اختيار الوزير عمرو موسى لسيدتين مساعدتين له في ملفين غاية في الاهمية والحساسية: الاول الملف الاميركي، والثاني الملف الاقتصادي الدولي. وكذلك في اختيار الدكتور بطرس غالي الامين العام السابق للامم المتحدة احدى سيدات الديبلوماسية المصرية للعمل في مكتب الامين العام وهي السيدة فايزة ابو النجا. ونوهت الدراسة الى الحضور المميز للديبلوماسيات المصريات في قمة الارض 1992، وقمة الدارالبيضاء الاقتصادية 1994، والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية 9491 والذي شكلت فيه الخارجية المصرية "تجمعاً سباعياً نسائياً" للتداول في المؤتمر ترأسته السفيرة ميرفت تلاوي وزيرة الشؤون الاجتماعية حاليا. وأظهرت الدراسة ان دور المرأة في وزارة الخارجية المصرية يواجه تحديين رئيسيين: الاول عدم تمكن المرأة الديبلوماسية المقترنة بديبلوماسي من العمل في اطار البعثات الديبلوماسية في الفترة التي تواكب عمل زوجها في احدى هذه البعثات، والثاني عدم تمكن تلك المرأة عموما من العمل في بعض الادارات المتخصصة التي لها طابع امني. وبالاضافة الى ذلك، لفتت الدراسة الى ان دور المرأة في وزارة الخارجية يرتبط سلباً وايجاباً باختلاف شخص الوزير. وتراوحت النظرة من التشجيع والتأييد الى الرفض والتجميد، مع ملاحظة ان عهدي الوزير السابق الدكتور عصمت عبدالمجيد الامين العام لجامعة الدول العربية حالياً والوزير الحالي السيد عمرو موسى تميزا بالدعم الايجابي لدور المرأة في الديبلوماسية المصرية. ففي اطار الوزارة الحالية، تتصف المرأة بأنها "اهل للثقة"، وتتمتع بدعم وتأييد من صاحب هذه الثقة الوزير، فضلاً عن قدر كبير من حرية الحركة في تبني الاهداف والاختيارات ووسائل تحقيقها من خلال الاعتراف بامكان تقلدها الوظائف القيادية وقيامها بالمهام بكفاءة. وأشارت الدراسة الى ان موقع المرأة يختلف في الوزارة باختلاف شخص الوزير، وشخص الوزير في وزارة الخارجية يرتبط بعاملين: الاول الاحداث الكبرى سواء السياسية التي تمر بها الدولة، او تلك الادارية المرتبطة بالجهاز التنفيذي العام للدولة. والثاني ان كل وزير يعمل على إعادة تنظيم هيكل الوزارة ونظام العمل فيها وحركة العاملين انطلاقاً من مبررات عدة يمكن حصر ابرزها في وجود توجهات سياسية عامة للدولة في هذا الشأن. ويؤكد السفير سعيد رجب، مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السلك الديبلوماسي والقنصلي، ل"الحياة" انه لا توجد فوارق بين الرجل والمرأة في الديبلوماسية المصرية، سواء في الداخل او في الخارج. كما انه لم تعد هناك عواصم تناسب رقة السيدات واخرى تحتاج الى قوة وصلابة الرجال. فمن بين رئيسات 17 بعثة ديبلوماسية مصرية في الخارج هناك ست سيدات يترأسن بعثات في ست دول افريقية بعضها غير مستقر الاوضاع، ويؤدين عملهن بشكل جيد وبمستوى لا يقل عن نظرائهن من الرجال. وعن الظروف الاجتماعية التي ربما تضع قيداً على توظيف المرأة وترقيتها في الخارجية، يقول السفير رجب ان التجربة اثبتت ان المرأة تتغلب على ظروفها وتحقق نتائج جيدة. وهو يتوقع مزيداً من الفرص بالنسبة الى المرأة في الفترة المقبلة. وتقول السيدة سلامة شاكر مساعدة الوزير لشؤون الاميركتين ل"الحياة" ان ظروف المرأة الاجتماعية قد تعوق طموحها، ولكن تفهم الزوج لأهمية عمل زوجته ومتطلباته يقلل كثيراً من تأثر العاملات في السلك الديبلوماسي بتلك الظروف. وتضيف ان أية ديبلوماسية تضع في اعتبارها التوفيق بين العمل والاسرة على رغم تضرر الاولاد بعض الشيء من استمرار التنقل من عاصمة الى أخرى وصعوبة التكيف في بعض المجتمعات التي ترتادها الديبلوماسية بحكم عملها. التحقت السيدة شاكر بالخارجية المصرية في العام 1969، وكانت احدى ثلاث سيدات هن جيلان علام سفيرة مصر حاليا في استراليا والمرحومة نادية يونس. وثلاثتهن فزن بالوظيفة المرموقة من بين المتقدمين الذين بلغوا وقتئذ 1300 متقدم. وتقول السيدة شاكر: "في ذلك الوقت لم يكن امراً عادياً وجود السيدات في السلك الديبلوماسي، ولكن والدي كان مصراً على ان قانون هذا السلك لا يمنع دخول السيدات، وانه يساوي بين المرأة والرجل، وشجعني ذلك كثيراً حتى فزت بالوظيفة". وتشير الى "أن وزارة الخارجية المصرية تعطي المرأة حقوقاً اكثر من حقوق زميلتها في الخارجية الاميركية لانها تمنحنا علاوة اجتماعية دورية فضلا عن علاوة الزواج، وهذا غير معترف به في السلك الديبلوماسي الاميركي. وأيضاً المرأة المصرية تبوأت مناصب ديبلوماسية اهم من نظيرتها في الخارجية الاميركية". لكن في اميركا وزيرة للخارجية؟ - وصلت اولبرايت الى وزارة الخارجية منذ سنوات قليلة فقط، في المقابل لا يوجد في اميركا من يتولى الملف الاقتصادي للدولة ككل في حين تتولى ذلك في مصر مساعدة الوزير السيدة دولت حسن، بمعنى أن الثقة بالمرأة المصرية كبيرة، ولا يوجد شك في ان ذلك عنوان جيد لدولة ذات حضارة عريقة كمصر. وعن أزمة خروج المرأة الديبلوماسية الى الخارج ومشكلة اصطحاب الازواج تقول السفيرة سلامة شاكر إن القانون المصري أعطى الحق للمرأة العاملة في السلك الديبلوماسي في أن تصطحب زوجها الى الخارج اذا وافق الزوج على ذلك. وهذه لا تمثل اشكالية لأن الزوج في الاصل متزوج من ديبلوماسية ولديه اقتناع بطبيعة وظيفتها وان من حقها السفر وعدم التخلف عن اداء واجبات مهنتها. كما أن الديبلوماسية وهي تخرج الى خارج حدود الوطن هي ابنة مجتمع له عاداته وقيوده، وتراعي قيم الدين والمجتمع في تعاملاتها وبشكل يرضي الزوج. ومن جانبها تؤكد السفيرة دولت حسن بأنها راضية تماماً عما تحقق للمرأة في وزارة الخارجية المصرية، وتعرب عن اعتقادها بأن مصر هي من اكثر الدول التي فيها مشاركة نسائية في العمل الديبلوماسي. لكن لماذا تأخرت المرأة عن المشاركة في السلك الديبلوماسي حتى العام 1962 عندما عُينت السيدة بهيجة عرفة كسكرتير ثالث لسفارة مصر في لندن؟ - هذا الموضوع ظل محل خلاف. كان هناك رأي يقول إن المرأة لا تصلح للعمل الديبلوماسي، وظروفها وطبيعتها لا تناسب التنقلات والعمل الخارجي في اجواء بعيدة عن وطنها. ووجهة نظر اخرى تقول: لنعطها الفرصة ولنحكم بعد ذلك. هذا الجدل استمر طويلاً على رغم أن الدستورالمصري لم يمنع المرأة من العمل في السلك الديبلوماسي. أنا شخصياً لا يوجد تناقض بين واجبي كأم وكسفيرة. وللعلم فقد اخترت كأم مثالية في وزارة الخارجية العام 1981، وكنت سعيدة بهذا اللقب بقدر سعادتي بلقب مساعد الوزير. وكل ما هنالك أن الامر يتطلب نوعين من التوازن بين دور المرأة كديبلوماسية ودورها الاجتماعي والاسري حتى لا نفقد هذا الدور المميز للمرأة المصرية والذي اصبح مثار إعجاب وثناء البعثات الخارجية ودليلاً على تقدم اجتماعي مصري في مختلف المجالات.