الكتاب: قصص بحجم راحة اليد ترجمة كامل يوسف حسين الناشر: دار شرقيات - القاهرة 1999 يعيب كامل يوسف حسين مترجم نصوص الكاتب الياباني ياسوناري كواباتا الموسومة "قصص بحجم راحة اليد" والصادرة حديثاً عن دار شرقيات القاهرية، على من سبقه في ترجمة أعمال كواباتا الى العربية، بعد أن لفته صنيعهم ووقف حياله "بالدهشة والسؤال، أن هذه الأعمال لم تُصدَّر "بتعريف حقيقي" بهذا المبدع الكبير، ولم ترفق "بالحدّ الأدنى من محاولة الاقتراب من عالمه الإبداعي، وهو النقص الذي يملأ شواغره مشكوراً كامل يوسف حسين في صفحات عشر تصدّرت الكتاب المذكور ووسمت "بمقدِّمة المترجم". غير أن القارىء الذي يشارك المترجم عتابه ولومه وتقريعه، لا يعثر في هذه الصفحات المستلّة من "القاموس الأبجدي للأدب الياباني" ومن "دليل الأدب العالمي الحديث"، و"دائرة المعارف البريطانية"، ما يزيده علماً بأدب الكاتب الياباني الكبير برغم الجهد الذي بذله المترجم في تعويض ما غفل عنه الآخرون، وما نذر نفسه لأداء عوضه "تصويباً" ورفعاً لافتئاتٍ وتجنٍّ مردّه الى جهل من سبقه من المترجمين "بالقواميس" الأدبية الذائعة الصيت. وربّما كان ذلك "الجهل" يعبِّر عن رغبة مضمرة لدى هؤلاء في أن يُعرّف بالكاتب بمحطات رئيسة من حياة الكاتب وإنتاجه الأدبي في عشرين سطراً، لا أكثر على أن يُترك النصّ الموضوع بين يدي القارىء قرينة محتملة على مزايا أسلوبه وتنوّعها وعلى عمق أو سطحية المناخات التي تفلح الترجمة أو تخفق في نقلها اليه أي القارىء. خصوصاً أن روايات كواباتا التي نقلت الى العربيّة بعد وقت طويل من اعتياد القارىء العربي أجواء ميشيما الاستعراضية الباذخة، قد قوبلت بما يشبه "الشغف" لا الترحيب من قبل القارىء دونما حاجة ماسّة "لاجتهاد" النقاد الذين، في الأغلب، لم يلتفتوا الى هذا الكاتب القادم اليهم من المقلب الآخر من الدنيا والخالي الوفاض من أي "قضية" كبرى سوى انتحاره الذي لم يكن، بعد نيله عام 1968 جائزة نوبل للآداب قبل ذلك بأربع سنوات، سوى عبث محض، وقد لا يكون الدافع اليه سوى مرض الشيخوخة. ثم أن من عادة القارىء المعني طبعاً ألاّ يصدّق مزاعم الكاتب في تقديمه أعماله، والأحرى ألا يصدق مزاعم المترجم في تقديمه عملاً يترجمه، لأن الترجمة سواء كانت تكليفاً أو اختياراً هي عمل شخصي لأنها، الى جانب العمل الإبداعي، عمل إبداعي مهما اختلفت الأساليب. وكما يحقّ للمترجم أن يقرّر في تقديمه ترجمته ما يلي: "ويجمع النقاد على تأكيد أن هذه القدرة على تجاوز الفواصل بين المجال الإنساني ومجال الطبيعة هي سمة فاتنة، ومميّزة من سمات كتابات كواباتا، وتبرز بصفة خاصة في العديد من أعماله المتألقة، ومنها القصص المتضمنة في هذا الكتاب، بالإضافة الى روايتي "بلاد الثلوج" و"ضجيج الجبل" حيث يفصح كاواباتا عن عبقرية شعرية أصيلة في توصيف الإنسان... إلخ"، يحق لقارىء لمترجم آخر أن يصف بالعبارات نفسها أعمالاً أخرى لكواباتا مثل "الجميلات النائمات" و"سرب طيور بيضاء" و"البحيرة"، أما القصص المتضمّنة في هذا الكتاب "فهي شأن آخر ينبغي النظر اليه وفيه من زاوية أخرى ترتبط بما قد يسمَّى بمرحلة ما "قبل النضج" أو "حقبة الصبا" لدى كواباتا، أو على الأقلّ، هذا ما يُشير اليه الدارسون والقراء المشغوفون بالأدب الياباني، وبأعمال كواباتا على نحو خاص، والتي يشيرون اليها بالمرحلة الأولى من إنتاجه الممتدة بين 1920 و1935. وإذا كان كامل يوسف حسين يأتي، في سياق "تعريفه" بكاواباتا، على ذكر تيار "الحساسية الجديدة" الذي كان مؤلّف "صفحة الجنون" 1926 أحد أبرز ممثليه وروّاده. غير أن السمة الغالبة على هذه المرحلة من نتاج كواباتا ونتاج الحسيّين الجدد بعامة هي ما عبّر عنه بشغف التصوير السينمائي" وبالفعل فإذا كانت "صفحة الجنون" التي نشرت، في الترجمة الفرنسية، ضمن مجموعة "خادمات نزل" هي نص سيناريو وحيد الذي وضعه كواباتا وأخرجه كينوغازا تاينوشوكي في العام نفسه، في شريط سينمائي، فإنّ أعماله كلها كانت مرسومة آنذاك بهاجس التقطيع السينمائي وتغليب الجماليات البصرية والانتقال المتسارع للقطة المشهدية أو الكتابية وفق إيقاع تختص بها الكتابة السينمائية. ويُذكر من أعمال كواباتا التي اعتبرت "أعمال صبا"، "خادمات نزل" و"أوهام بلوّرية" و"بائع الجثث" و"روايات بحجم راحة اليد" و"المراهق" و"تزيين المشاعر" و"دفاتر أساكوزا" و"راقصة إيزو"، وباستثناء مؤلفه الأخير أي "راقصة إيزو" و"صفحة مجنونة" السيناريو فإنّ أعماله المذكورة كافة قد استعيدت بعضها أو كلّها، في أعماله الكبيرة اللاحقة التي تسنى للقارىء العربي أن يطّلع عليها في ترجمات مختلفة. فقد يجد هذا القارىء بعض "خادمات النزل" في "بلد الثلوج"، وبعض "بائع الجثث" في "الجميلات النائمات" وبعض "المراهق" و"دفاتر أساكوزا" في "سرب طيور بيضاء أو "ضجيج الجبل"، أمّا "قصص" أو الأحرى "روايات بحجم راحة اليد" فإنّها في معظمها "مسودات" أو "خطط أفكار" أو "تصاميم" لما أصبح فيما بعد روايات أو فصولاً في روايات "مرحلة النضج". وقد أشار كامل يوسف حسين في مقدِّمته الى شيء من هذا القبيل عندما لمّح، مستنداً الى "تصور فريق من القرار"، الى أن القصة الأخيرة في المجموعة وهي بعنوان: "لقى من بلاد الثلج"، مدرجة كما هي في الفصلين الأوّل والثاني من روايته "بلد الثلوج". والقارىء المعني قد يعثر، دونما جهد يذكر، على الكثير من هذه المطابقات في عدد من قصص الكتاب إن لم نقل في معظمه كقصة "الخاتم" و"طائرا الكناري" و"حذاء صيفي" و"ابتهالات العذارى" و"شتاء وشيك" وغيرها وغيرها. بالطبع، ليس السؤال هنا عمّا إذا كان الكاتب، وخصوصاً إذا كان الكاتب هو أياسوناري كواباتا، لا يقرأ إلاّ بنتاج مرحلة من مراحل حياته وانتاجه، وعمّا إذا كان نتاج الصبا هو أفضل ما أنتجه أو أسوأ ما أنتجه" وعمّا إذا كان القارىء قد يكتفي بجانب من هذا الإنتاج دون الآخر؟ أو أننا نزعم على الأقل، أن "مثل هذا السؤال، إذا طرح، لا صلة له من قريب أو بعيد، بالترجمة وبعمل المُترجم إلاّ من حيث انتباه الناقل من لغةٍ ثانية أو ثالثة الى اختلاف جوهري في المناخ وفي الأساليب. فمؤلف "بلد الثلوج" و"سرب طيور بيضاء" و"ضجيج الجبل" وأستاذ لعبة الغد" و"الجميلات النائمات" قد لا يكون هو، ككاتب وكإنسان، هو نفسه مؤلف "صفحة مجنونة" و"خادمات نزل" و"روايات بحجم راحة اليد". أما لماذا؟ فلأمر بسيط. وهو أن كاواباتا نفسه مؤلف "بائع الجثث" 1927 وهي قصّة تعبِّر عن أقصى حدود الفانتازيا والتخييل و"الرعب" الذي يذكر بالأخوة غريم، أو هوفمان أو ادغار آلان بو بتأثير السريالية والداوائية بالطبع، هو نفسه الذي قرّر، بعد أن أصبح كاتباً مرموقاً، وعضواً في لجنة جائزة أكوتاغاوا الأدبية الشهيرة، حجب الجائزة المذكورة في أوسامو دازاي أحد كبار الروائيين اليابانيين. لما في أعماله من ميل الى التمرّد و"عدم الامتثال" ونقض الأعراف المتبعة. غير أن كواباتا سيقرر، بعد ذلك بعشر سنوات، أي عام 1945 منح الجائزة إياها ليوكيو ميشيما. وتفسير ذلك بسيط، أن كاوباتا العام 1926 هو غير كواباتا العام 1935 وغير كاواباتا العام 1945 أو العام 1972. وأن هؤلاء "الأغيار" جميعهم هم الذين نسجوا، بروية وحنكة، سحر الأدب الذي أنتجه كواباتا. فالأحرى أن يسأل المترجم، وهو في معرض التقديم لترجمة، عمّا إذا كان النصّ المترجم الى لغة ثانية أو ثالثة قد أفلح في تقديم لغة الكاتب المعني وأسلوبه ومناخاته بما تقتضيه هذه كلّها. وليُترك مديح النص أو تقبيحه للقارىء. فهل فعل كامل يوسف حسين؟