كانت المفاجأة حين عرض فيلم "غرام وانتقام" ليوسف وهبي العام 1944 في محطة "راديو وتلفزيون العرب" ART. شاهدت المطربة اسمهان في حفلة غنائية، لم اكن اتصور وجودها، فكم شاهدنا الفيلم على الشاشات، في المحطات التلفزيونية من دون ان نراها. تقف المطربة امام جمهورها، ومن بينهم فتحي الذي تقع في حبه، وتغني اغنية ليست لها علاقة بالفيلم، وتم إخراجها بشكل جديد تماماً على الاغنية السينمائية في تلك الآونة. الأغنية عبارة عن ذكر مأثورات اسرة محمد علي، ولأن الاغنية من أربعة كوبليهات، توقفت عند اربعة من الحكام، هم محمد علي، واسماعيل، والملك فؤاد، ثم الملك فاروق الاول، والمفاجأة لم تدفعني الى تسجيل الاغنية لتذكر كلماتها هنا، لكنها اغنية عن امجاد كل منهم، فمحمد علي كما تقول الاغنية هو صانع مصر الحديثة، وهو راعي نهضتها، اما اسماعيل فهو باعث للتمدين فيها، والملك فؤاد رجل شجاع حكيم، والملك فاروق حبيب الناس ومعقود عليه الامل. والجديد في إخراج هذه الأغنية انه مع ذكر كل شخصية، تظهر صورته في "عزوة"، ومجد، وصور متحركة لبعض منجزاته، مثل القناطر الخيرية او الحقول الخضراء، وقناة السويس، ومبنى القناة في بورسعيد، والاوبرا القديمة، ورأينا صورة للملك فؤاد وهو في عربته الملكية يحيي الناس، وصوراً لمصر الحديثة ثم جاءت صور فاروق وسط الناس، ثم وهو يركب العربة الملكية ويبدو شابا، رشيقا، ينحني امام الكاميرا بكل تواضع. من المهم ان نعود الى كلمات هذه الاغنية الضائعة بالنسبة الى الناس والباحث، وليس في إمكاننا الآن العثور على الاغنية، لأن النسخة الكاملة تملكها المحطة، ولا يعرض لدينا. في مصر أي نسخ كاملة من هذا الفيلم، لأسباب معروفة. هذا يعني بالطبع ان الظروف السياسية المتعاقبة في مصر، دفعت الى ضياع الكثير من الاغنيات، حتى على الباحثين، لكن من المهم هنا ان نسجل هذه الظاهرة لتثبيتها في تاريخ الاغنية السينمائية كأول محاولة من نوعها. لكن ليس هذا بالأمر السهل، فنسخ الافلام الكاملة غير متوفرة، والكتاب الدعائي للفيلم غير موجود في معظم الاحيان، لكن من خلال ما نتمكن من الوصول اليه، سنحاول الوقوف عند هذه الظاهرة ورصدها، لكي لا يضيع التاريخ، مهما اختلفت الانظمة السياسية المتعاقبة، وبصرف النظر عن تناقض النظم، خصوصا بعد الثورة، فمن المعروف ان الاغنيات الوطنية والأغنيات للحاكم بعد الثورة تغير شكلها فالاغنية الوطنية موجودة اكثر في التلفزيون، اما الاغنيات الخاصة بالحكام الذين جاؤوا بعد الثورة، فهي ليست موجوة، اي انه لم يتم الغناء لعبدالناصر وهو الحاكم الذي حظي في حياته بأكبر قدر من الاغنيات التي تمجد اسمه في السينما.. ولعل من الأغاني التي تغنت بالملك فاروق ولا نعرف عنها شيئا، هي تلك التي غنتها المجموعة في فيلم "ليلى بنت الفقراء" 1945 لأنور وجدى، وهو اول فيلم من تأليف، وإخراج وانتاج انور وجدي، ولذلك كتب إهداءً مطولاً الى الملك فاروق في مقدمة الكتاب الدعائي، للفيلم يهمنا هنا ان نورده كوثيقة تاريخية: "إلى مولاي صاحب الجلالة مولاي... لقد كنت يامولاي ولازلت، بأمل جميل كان لي منه إلهاماً ووحياً واتخذته نفسي مثلاً عالياً وهدياً. هو ان يحل كل يوم احس فيه بأن في مقدوري ان ارفع الى سدة مولاي المليك المفدى باكورة انتاجي وأن اطمع في ان يحوز هذا الانتاج عطف جلالته السامي. فإن نال عملي رضا مولاي أو بعضا منه فسيكون هذا حافزاً لي على السعي حثيثاً نحو الكمال حتى استزيد من هذا الرضا الكريم. واذا كان الصواب قد أخطأني فيما قدرت فلن ادخر وسعا في العمل على تحقيق هذا الامل الذي يملأ شغاف قلبي. وأنا يا مولاي الخادم الخاضع الأمين..." أنور وجدي. ومن الواضح أن هذه الفترة بالذات كانت خصبة بالنسبة الى الملك في اغنيات السينما، فحسب الكتاب الدعائي لفيلم "جوهرة" ليوسف وهبي 1943، فإن هناك اغنية، باسم "لحن التتويج" كتبها بيرم التونسي، ولحنها رياض السنباطي، وليس لدينا اي إشارة الى كلماتها، لكن من المهم ان ننقل هنا كلمات اغنية "عاش الملك"، التي كتبها احمد رامي ولحنها الصاغ عبدالحميد عبدالرحمن، وأداها افراد سلاح المشاة، حسب الفيلم كما سنرى. والغريب ايضا ان صلاح طنطاوي في كتابه عن الفيلم وعن ليلى مراد لم يشر الى هذه الاغنية ضمن قائمة اغنيات الفيلم، على رغم انه شاهد الفيلم حين عرضه في حينه كاملاً. وفي هذا الفيلم، كما هو مدون، فإن انور وجدي يؤدي دور ضابط من اسرة ثرية، يقع في غرام فتاة فقيرة في حي السيدة، ووحيد هذا ابن مختار باشا، يسكن الزمالك، وهو يعتقد خطأ ان ليلى ابنة درويش باشا، يقرر وحيد الزواج من ليلى الا انها ترفضه في البداية للفارق الاجتماعي بينهما، ولكنها تكتم الامر يذهب والد وحيد ليخطبها من درويش باشا، فيظهر سوء التفاهم الذي حدث، وعندما يعلم وحيد ان ليلى فتاة فقيرة يظن انها خدعته طمعا في ثروته، وفي ما بعد يتعرض الإثنان لمتاعب من فتاة من اسرة وحيد أرادت الزواج منه، والسخرية من ليلى، لكن العواطف تتغلب، ويتزوج الحبيبان. إذن أراد أنور وجدي في فيلمه هذا ان يظهر كما يجب، ضابطاً وطنياً لديه الولاء لوطنه، ولمليكه وللجيش، فحسب ما جاء في الكتاب الدعائي ايضا اننا امام اول فيلم تدور احداثه بين صفوف الجيش المصري، وهناك صفحتان كاملتان فيهما أكثر من تسع صور للجيش المصري في تلك الآونة. ومن الواضح ان إهداء الفيلم الى الملك، لم يكن حالة عابرة بالنسبة الى أنور وجدي كمنتج، ومخرج، إذ كررها مرة اخرى في فيلمه "قلبي دليلي" 1947، وهو هنا لم يضع اغنية خاصة للملك، ولكنه عاد، وأهدى الفيلم مجددا الى الملك، في الكراس الدعائي للفيلم، ومن المهم هنا ان نورد ما كتبه انور وجدي. الى "مولاي صاحب الجلالة". "إن الفن السينمائي والمسرحي الذي تشرف بتشجيع جلالتكم لرجاله ورعاية المشتغلين به ليعتز بهذا التشجيع وهذه الدعاية... واني يا مولاي لا أعدو الحق إذا قلت إنه اكتسب شبابه من شبابكم وفتوته من فتوتكم، وهأنذا أتشرف اليوم بتقديم فيلمي الثالث "قلبي دليلي" الى جلالتكم، وكل ما ارجوه ان ينال الرضا السامي". عاش الفاروق حامي الفن والفنانين الخادم الأمين انور وجدي