تترقب دمشق ما يسود الساحة اللبنانية من عنف سياسي بلغ ذروته في السجال الدائر على اموال الصندوق البلدي، في ضوء تقرير ديوان المحاسبة الذي احيل على النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم، في ظل غياب اي شكل من اشكل الحوار بين الحكم والمعارضة، ما يدفع جهات مراقبة الى طرح تساؤلات عن المصلحة من استمرار التجاذب على نحو يلحق الضرر بالاستقرار السياسي العام؟ وعلى رغم من ان دمشق ترفض التعليق بطريقة او اخرى على ما يدور في لبنان من تراشق سياسي واعلامي، فإن بعض العارفين بالموقف السوري يؤكدون ان عدم التعليق ينم عن استغراب لما آلت اليه البلاد من توتر سياسي لم يسبق للبنان ان شهد مثيلاً له. حتى ان العارفين بالموقف السوري ينقلون عن كبار المسؤولين انهم غير مرتاحين الى الاجواء القائمة في لبنان، مشيرين الى ان "لديهم مآخذ على الطريق المتبعة في فتح الملفات، وان كانوا يدعمون مبدأ المحاسبة والمساءلة". ويضيفون ان "المسؤولين السوريين لا يحبذون ان يؤدي فتح كل ملف الى التعاطي معه بالطريقة الاعلامية المتبعة، كأن هناك من يود الدخول في محاسبة للذين شغلوا مناصب رئيسية في حقبة سياسية معينة". دعم وانفتاح ويتابعون ان "الدعم السوري بلا حدود لعهد رئيس الجمهورية العماد إميل لحود ولحكومة الرئيس الدكتور سليم الحص، لا يمنع دمشق من الانفتاح على كل الاطراف الموالين والمعارضين الذين سبق لهم ان التقوا نجل الرئيس السوري العقيد الركن الدكتور بشار الأسد وأبدوا وجهة نظرهم في مجمل القضايا اللبنانية المطروحة". ويؤكد العارفون ان "عدم رغبة دمشق في التدخل في التفاصيل اللبنانية لم يحل دون الاستماع الى الملاحظات التي يتحدث عنها الزوار، وبعضهم موالون كانت لهم مآخذ على الادارة اليومية للحكومة للشؤون العامة". وقد يكون من السابق لأوانه تحميل الموقف السوري اكثر مما يحتمل، لكن هذا لا يحجب الانظار عن الدعوة الى الحوار. وهذا ما يترجم من خلال مبادرة "جبهة النضال الوطني النيابية" برئاسة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى طلب موعد لمقابلة الرئيس لحود. حتى ان طلب الموعد الذي سيغيب عنه جنبلاط، يصب من وجهة نظر حزبية في اطار تهدئة الاجواء بين رئيس الجمهورية وجنبلاط بغية انتظار الفرصة المناسبة لمعاودة الحوار. وكذلك الحال بالنسبة الى رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري الذي يحرص على اقامة علاقة طيبة مع الرئيس لحود بصرف النظر عن الاضطراب السياسي المسيطر على علاقته برئيس الحكومة. الا ان العلاقة بين لحود والحريري تصطدم من حين الى آخر بفتح الملفات من جانب الحكومة، "والامر يزداد كلما اقتربنا، بحسب قول مصادر معارضة، من مناقشة مشروع قانون الموازنة للعام 1999". مصادر المعارضة فالمصادر المعارضة تصنف فتح الملفات على خانة قطع الطريق امام احتمال تطبيع العلاقة بين لحود والمعارضة، بغض النظر عن العناوين الرئيسية التي تتصدر الواجهة الاعلامية، كل مرة يفتح فيها ملف. ولم يغب عن بال المصادر المعارضة الاشارة الى ان هناك من حاول ويحاول منع الحريري من ان يكون فاعلاً في اللعبة السياسية، بعدما اعتذر عن عدم تأليف الحكومة، مؤكدة ان البعض يسعى جاهداً الى فرض امر واقع للالتفاف على النتائج المرجوة من اعادة تقويم تجربة الحكومة بعد انقضاء اربعة اشهر على تأليفها. وترى المصادر ان الحكومة تستمر في فتح الملفات تمهيداً لإدراجها على جدول اعمال الجلسات النيابية التي ستخصص لمناقشة الموازنة، لتوفر مادة دسمة للموالاة لاستخدامها ورقة لشن هجوم على من يريد توجيه انتقادات حادة الى مشروع الموازنة. وتؤكد المصادر عزم الحكومة على تخزين اكبر احتياطي من مادة الهجوم السياسي على المعارضة، لوضعها في موقع الدفاع بدلاً من الانتقال الى موقع الهجوم، بذريعة انها اخذت على عاتقها ومن خلال ارقام الموازنة معالجة الازمات الموروثة عن الحكومات السابقة التي يفترض بالذين شاركوا فيها ان يلوذوا بالصمت. وتضيف ان الحكومة ربما تخطط لوضع المعارضة امام خيار لانتزاع صمتها لجهة عدم تحريك اي ساكن خلال جلسات المناقشة، والا ستلجأ الى الهجوم بحجة ان من هم محسوبون على المعارضة كانوا المبادرين بفتح المشكلة، بدلاً من المهادنة باعتبارها مسؤولة عن المشكلات الراهنة". وقالت المصادر "لسنا ضد المساءلة والمحاسبة، لكننا نسأل الحكومة هل المعارضة مسؤولة عن وقف عملية الاصلاح الاداري بعدما مضت اسابيع على الاسابيع الثلاثة التي اعطتها الحكومة لنفسها لتعيد النظر في ملف التعيينات والاعفاءات الادارية استناداً الى ما ورد في بيان الرئيس الحص الذي اعترف بحصول تجاوزات وأخطاء، او انها مسؤولة ايضاً عن الطريقة التي اتبعت في معالجة قضية الآثار المفقودة والتي تسببت لها بإحراج دفع رئيسها الى الاعتذار من رجل الاعمال روبير معوض مالك قصر هنري فرعون؟ فالمسؤولية تقع على عاتق السلطة التي توجه الانذار تلو الآخر الى فريق تحمل المسؤولية في العهد السابق، بدلاً من تحييد المحاسبة عن الصراع السياسي الذي ادخل البلاد في لعبة تصفية الحسابات.