توقع وزير في حكومة الرئيس سليم الحص ان تؤدي جهود التهدئة السياسية والاعلامية التي اعقبت موجة التصعيد السياسي الاخير التي شهدها لبنان، بين الحكم والحكومة والمعارضة الى مناقشات هادئة لمشروع قانون الموازنة التي اقرها مجلس الوزراء وان تنسحب جهود التهدئة هذه على المرحلة التي تفصل البلاد عن عملية اقرار الموازنة في المجلس النيابي، لتعود الامور فتشهد تصعيداً جديداً بعد ذلك. ويقول الوزير نفسه ان "من المستبعد ان تطول مدة الهدنة والتهدئة، فالحكم والحكومة لن تثنيهما الظروف الناشئة في الظروف الراهنة، عن عملية فتح الملفات القضائية في حق رموز العهد السابق ولن يتوقفا عن تحميله مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي في البلاد". ويضيف ان "التهدئة التي تنصح بها القيادة السورية جميع الافرقاء، بعد الضجة التي اثيرت في شأن احالة مجلس الوزراء تقرير ديوان المحاسبة على القضاء، والذي يحمل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والوزراء السابقين فؤاد السنيورة، هاغوب دمرجيان وباسم السبع مسؤولية مخالفات قانونية في اوجه انفاق اموال صندوق البلديات، ستلقى تجاوباً من الفريق الحاكم، في هذه المرحلة، لأنه يهم اركان الحكم ان يخف التصعيد السياسي اثناء مناقشة الموازنة من اجل تمريرها في هدوء". ويرى الوزير نفسه ان الهجوم الذي شنه الحكم والحكومة على الحريري، ومن ثم على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لم يكن عن عبث، ومن الواضح انه جاء نتيجة اقتناع بأن القطبين السياسيين يخوضان معركة ضد الحكم، لإفشال خطواته، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وان الخصومة السياسية خصوصاً بين الحريري والعهد، بلغت حداً يصعب معه اصلاح الامور. ويبرر الوزير نفسه، وهو على علاقة جيدة بالعهد وسيده وبالقيادة السورية، نية استمرار الهجوم السياسي على الحريري، وحتى جنبلاط بعدد من العوامل والحجج، اهمها: 1 - رواسب الخلاف الذي حصل بين رئيس الجمهورية العماد إميل لحود والحريري منذ تسلم الاول مهماته، على تكليف الثاني رئاسة الحكومة، والذي انتهى الى اعتذاره عن عدم قبول التكليف بسبب التباين في تفسير المادة ال53 من الدستور ومبدأ تجيير رئيس الجمهورية اصوات النواب في اختيار رئيس الحكومة المكلف. وفي هذا المجال يعود الوزير نفسه والكثيرون من المحيطين بالعهد، الى استذكار وقائع ما حصل قبل اربعة اشهر، على رغم ان الحريري كان اشاع اجواء عن تجاوز هذه المرحلة وملابساتها في لقاء له مع لحود. وللوزير الحالي قراءة لاستمرار انعكاس الخلاف الذي حصل يشير فيها الى ان الحريري "لم يحسن قراءة المرحلة، فهو لم يقبل ان عليه التسليم بأن الحجم الذي اخذه في العهد السابق يجب ان يتضاءل، لأن ثقله السياسي، نظراً الى امكاناته الشخصية وصلاته الخارجية وعلاقته الوطيدة مع سورية، لم تعد تحتمله التوازنات اللبنانية التقليدية، والمستجدة، خصوصاً في ظل مجيء رئيس للجمهورية يتمتع بشخصية قوية مصر على ممارسة الصلاحيات التي يعطيه اياها الدستور، وعلى استعادة وهج الرئاسة في ظل الحاجة اللبنانية - السورية الى استعادة ثقة المسيحيين بالرئاسة الاولى والدولة، التي اعتبروا ان حقوقهم فيها منقوصة". وفي قراءة الوزير نفسه، ان العهد اعتبر ان الحريري قاوم، عبر رفضه التكليف، عملية تحجيمه، التي لم تكن تستهدف ابعاده، لأن لحود ودمشق كانا اتفقا على التعاون معه. ويشير الى ان في القيادة السورية من يشاركه ويشارك لحود في هذه القراءة لمقاومة الحريري عملية تحجيمه التي يعتقد هؤلاء انها كانت ضرورية من اجل انطلاقة العهد الجديد مدعوماً من سورية. 2 - ان العهد متضايق، بحسب الوزير نفسه، ويشاركه في هذا التضايق بعض القيادة السورية، من ان الحريري ترجم مقاومته لعملية تحجيم دوره وحركته، بخطوات استدعت الهجوم المقابل ضده، وقد شكلت احالة تقرير ديوان المحاسبة على القضاء احد مظاهره. وأكثر ما يضايق العهد هذا الهجوم المستمر من تلفزيون "المستقبل" الذي يملك معظم اسهمه رئيس الحكومة السابق ومؤيدون له، على سياسة الحكومة والعهد الاقتصادية، اضافة الى بعض التصريحات التي ادلى بها الحريري ضد الافكار التي كانت مطروحة لمشروع الموازنة، قبل اقراره في مجلس الوزراء، خلال وجوده في بيروت، او اثناء زياراته للخارج، وخصوصاً المحاضرة التي ألقاها في دبي منتصف الشهر الماضي وتساءل فيها: "اذا كانت الحكومة تعتقد انها ستوقف الاهدار فلماذا ستفرض ضرائب جديدة؟" ضارباً بذلك على وتر حساس لإثبات رأيه ان ما اتهم به سابقاً من ان الاهدار هو سبب العجز ليس صحيحاً وان نسبته الى قيمة العجز على اعترافه بالاهدار ضئيلة، ثم ان تصريحاته عن وجوب عدم قيام الحكومة بإجراءات تهز الثقة بلبنان، كي لا تبعد الاستثمارات، كانت مصدر ازعاج للحكم الذي يسعى الى ان يثبت ان ذهاب الحريري لم يؤثر في الوضع الاقتصادي وفي الاستثمارات، لاقتناع هذا الحكم والقيادة السورية، بحسب الوزير نفسه، ان اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة لم يؤثر سلباً في وضع الليرة كما كانت المخاوف تقول. ويعزو الوزير نفسه المشاركة السورية للعهد في انزعاجه من اداء الحريري حيال الوضع الاقتصادي، الى نظرية تقول ان "دمشق حريصة على الا يتراجع الوضع الاقتصادي في لبنان، نظراً الى ان الاقتصاد السوري يتأثر به، نسبياً، في وقت تنوي القيادة السورية اتخاذ اجراءات نحو المزيد من الانفتاح لتوسيع الاقتصاد، فإذا حصل ذلك في ظل صعوبات في الوضع اللبناني كان له وقع سلبي على الاقتصاد السوري. وهذا ما لا تريده دمشق". 3 - ان العهد كان يأمل من الحريري وجنبلاط، التعاون معه، وخصوصاً من الاول، في مواجهة الصعوبات الاقتصادية، لا مجرد الوقوف متفرجاً، فكيف اذا وقف منتقداً؟ ويؤكد الوزير نفسه ان رسائل نقلت الى الحريري بوجوب تعاونه مع العهد، بما له، حتى لو كان خارج السلطة، من ثقل مالي واقتصادي وعلاقات خارجية، لمواجهة الصعوبات في معالجة مشكلات لبنان التي تزداد صعوبة، والتي كانت ستبرز امامه هو حتى لو جاء رئيساً للحكومة. ويقول الوزير ان الحريري لم يتصرف على هذا الاساس، ما زاد العداء ضده، اذا اضيفت العوامل الاخرى. 4 - ان العلاقات الشخصية، بينه وبين رئيس الجمهورية، وحتى بين الاخير وجنبلاط، لم تكن على ما يرام، على رغم ما يقال. فالانطباع عند المحيطين بالعهد الجديد، ان "الكيمياء" بين اشخاص هؤلاء لم تتفاعل. وهناك شعور ان العلاقة بين شخصيات قوية من هذا النوع صعبة، بل ان بعض محيط الرئيس لحود يعتبر ان الحريري حين يلتقيه يسدي اليه النصائح عن الموازنة وما يجب وما لا يجب على الدولة القيام به في شكل فوقي، وانه منذ ما قبل تسلمه مهماته الدستورية، بعيد انتخابه، لم يكن مرتاحاً الى التعاطي الشخصي معه حين اخذ يطلب معلومات عن الوضع المالي. فلم تتم تلبية مطالبه كما كان يأمل، ما ازعجه في مقابل انزعاج محيط الحريري بدوره من ان التعامل الشخصي معه في تلك المرحلة، تم بأسلوب فوقي. ولهذا العامل الشخصي في رأي الوزير نفسه اثر مهم، يجب عدم الاستهانة به، ويزاد عليه ان لحود لم يقبل انتقادات جنبلاط الموجهة اليه، اذ اعتبر ان في ما قاله ما يمس به كرئيس للجمهورية ما سبب عنده غضباً شديداً، يجب تفهمه، فالرجل عسكري لا يقبل المس بهيبته، وليس متساهلاً لهذه الناحية. وهو ما جعل البعض ينقل عن اجوائه انه لن يقبل بأن يعامله جنبلاط كما كان يعامل رؤساء سابقين، يهادنهم، ثم يهاجمهم". ويرى الوزير الحليف للحود ان موقفه هذا يلقى صدى ايجابياً في الوسط المسيحي. واذ يعدد مؤيدو لحود كل هذه العوامل، ويعطون اهمية للعامل الشخصي، ويضيفون اليها عوامل اخرى فإنهم يعتقدون انها تفسر عمق الصدام بين رئيس الجمهورية وكل من الحريري وجنبلاط وخلفيات الحرب التي شهدت البلاد فصولاً منها، متوقعاً ان تهدأ خلال مرحلة الموازنة، لتعود اكثر شراسة بعدها، لأن العهد ليس في وارد الامتناع عن فتح الملفات القضائية، وتحميل العهد السابق صعوبات الوضع الاقتصادي التي لن تجد علاجاً سريعاً لها في المرحلة المنظورة المقبلة، وهو سيبقى مدعوماً من دمشق في كل الحالات لأن خيارها في هذا المجال، مع ما يستتبعه كان مدروساً ولم يأت عن عبث...".