لاقى البيان الذي صدر أمس عن المجلس المركزي الفلسطيني ترحيباً واسعاً حتى من قبل بعض الفصائل والقوى المعارضة داخل منظمة التحرير الفلسطينية وخارجها، فيما اعتبره مراقبون "تحايلاً"، أو "رداً تكتيكياً" على اتفاق الأحزاب الاسرائيلية تحديد موعد 17 أيار مايو المقبل موعداً لاجراء الانتخابات الاسرائيلية. جاءت قرارات المجلس السبعة مطابقة تقريباً لما توقعه المراقبون والصحافيون الفلسطينيين والأجانب الذين تابعوا أعمال المجلس على مدى الأيام الثلاثة الماضية. ووصف هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عدم الاعلان عن قيام الدولة وعدم التمديد بأنه "قرار تكتيكي" لمواجهة قرار اسرائيل "التكتيكي" تحديد يوم 17 أيار موعداً لاجراء الانتخابات العامة. ولم يدل الرئيس عرفات بأي تصريحات أثناء جلسات المجلس أو بعدها، ورفض سليم الزعنون رئيس المجلسين الوطني والمركزي الاجابة عن اسئلة الصحافيين، مكتفياً بما ورد في البيان الصادر عن "المركزي". ورفض وزير الدولة حسن عصفور ورئيس جهاز الأمن الوقائي محمد دحلان التعليق على بيان المجلس وقراراته. وفضلت القيادة الفلسطينية، في ما يبدو ان يجيب صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين عن أسئلة الصحافيين. ووصف عريقات البيان بأنه "واضح ومحدد جداً، ويرتقي الى مستوى التحديات المطلوبة"، معتبراً ان القضية الاستراتيجية لدى الفلسطينيين تتعلق ب"مضمون الدولة" وليس بالاعلان الذي وصفه بأنه "موعد تكتيكي" على حد تعبيره. وطالب عريقات ب"ألا ننسى أن العالم يمر بمتغيرات وأن جميع دول العالم نصحت السلطة والرئيس عرفات بتأجيل الاعلان"، مشيراً الى أهمية أخذ "جميع العناصر المتفاعلة" في الاعتبار وصهرها في "المصلحة الفلسطينية العليا". ورفض عريقات ما قاله مراقبون من ان البيان "فضفاض"، خصوصاً في ما يتعلق بالمسائل الثلاث المطروحة، وقال ان البيان "وضع علاجات للمسائل الثلاث". وأضاف: "خولت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير دراسة الاقتراحات الواردة من الدول الراعية، والتعامل معها بمقتضيات المصلحة الفلسطينية العليا". وقال ان النقطة الثانية هي "ان اعلان الدولة شأن فلسطيني داخلي غير خاضع للمفاوضات والمساومات". والثالثة ان المجلس في "حالة انعقاد" سيعود بعدها للاجتماع في حزيران يونيو المقبل. ورداً على سؤال عما إذا كان المجلس مدد الفترة الانتقالية بطريقة مباشرة قال عريقات "ان هناك 32 استحقاقاً للاتفاقات لم تنفذها اسرائيل، ولا يمكن إعادة التفاوض عليها"، معتبراً سريان المرحلة الانتقالية هو للتأكد من "عدم إفلات اسرائيل من مسؤوليتها تنفيذ هذه الاتفاقات". وفي معرض رده على سؤال ل"الحياة" قال عريقات: "ليس سراً ان الولاياتالمتحدة طالبت علناً بتحديد المرحلة الانتقالية بشكل واضح وعلني، وانهاء جلسات المركزي منذ الجلسة الأولى"، معتبراً ان ذلك كان واضحاً في رسالة الرئيس بيل كلينتون. وقال عبدالله الافرنجي عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ممثل فلسطين لدى المانيا "ان الموقف الأميركي لم يصل الى درجة الموقف الاوروبي أو الياباني"، واصفاً موقف اليابان والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص بأنه "متقدم". وأشار الى ان موضوع الاعلان عن الدولة سيظل مطروحاً "لأننا لا نريد أن نتخذ قراراً يستفيد منه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، أو أي من القوى التي تحارب عملية السلام في اسرائيل". وأضاف الافرنجي في تصريحات ل"الحياة" ان تشكيل لجنة لصياغة مشروع الدستور، وتعميق الوحدة الوطنية وازالة التوتر بين الفصائل "تعتبر من أهم انجازات المجلس". ورحب بمشاركة "حماس والديموقراطية" في الاجتماعات، و"تمنى مشاركة" الجبهة الشعبية، مشيراً الى أن "مكانهم محفوظ" في المنظمة. ووصف بيان المركزي بأنه "شامل" وحمل اسرائيل مسؤولية "إفشال" العملية السلمية. وأعرب صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية، عضو المجلس المركزي عن تحفظات الجبهة عن عدم إقرار المجلس "اعلان الدولة في الرابع من أيار". وأبدى أسفه ل"اعتبار جلسات المجلس مفتوحة"، لكنه استدرك قائلاً: "انها خطوة ايجابية تفتح المجال للتفاعل والحوار وامكان اتخاذ القرار الصائب باعلان الدولة" في حزيران المقبل. وعلمت "الحياة" ان المجلس لم يصوت على البيان، بل جرى التوافق عليه من قبل المجتمعين، الذين صفقوا بعد استماعهم للبيان. واعترضت "حماس" على اعتبار البيان "الشرعية الدولية المرجعية الأساس"، وقال الدكتور محمود الزهار في تصريحات ل"الحياة" ان الشرعية الدولية "لم تخدم يوماً مصلحة الشعب الفلسطيني"، ووصفها بأنها "انتقائية". وانتقد عدم تطرق البيان الى "انهاء المرحلة الانتقالية رغم ان معظم المتحدثين أكدوا ضرورة عدم تمديدها". كما انتقد اعتبار البيان "السلام خياراً استراتيجياً" في الوقت الذي تسمي فيه حكومة نتانياهو هذا السلام ب "سلام الردع". لكن الزهار اعتبر ما ورد في البيان عن "استكمال بناء الوطن، وتكريس القانون... الخ" من الايجابيات التي تضمنها البيان، وتمنى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة "ولو على شبر من أرض الوطن" على ان يبقى "حقنا كاملاً ومحفوظاً في استرداد وطننا كاملاً عندما تتوافر الشروط لذلك". ورداً على مطالبة البيان اسرائيل الالتزام بالاتفاقات بما يؤدي الى تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338 قال محمود اسماعيل عضو المجلس المركزي ممثل جبهة التحرير العربية في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "ان هذا القرار يعطي الحق للسارق بملكية ما سرق مقابل التنازل عن جزء من السرقة"، وأعرب عن تحفظ الجبهة عن هذه الفقرة. وقال ان الجبهة "لم تفهم" من قرار استمرار انعقاد المجلس انه "تأجيل اعلان الدولة". وعن انعقاد جلسات المجلس المركزي الأخيرة قال اسماعيل ان نظرة الجبهة لها "ايجابية" وهي تعتبرها "علامة صحية" في تطور الوضع الوطني الفلسطيني. وأعرب عن أسفه لعدم مشاركة الجبهة الشعبية في هذه الاجتماعات. وسجل الدكتور محمد الهندي أحد قياديي "حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين" عدداً من "السلبيات" على البيان، معتبراً صياغته "عامة" ومشككاً في وجود الدولة التي أعلن البيان عن "استكمال بنائها". واعتبر الهندي في تصريحات ل"الحياة" ان منظمة التحرير "تعيش مأزقاً" وهناك "خطر حقيقي" عليها. وأضاف "ان عدم الاعلان عن الدولة في موعدها يعتبر قراراً بالتأجيل" داعياً، الى وضع حد لاتفاقات اوسلو واعلان نهايتها، مؤكداً ان "شعبنا يمر في أخطر مراحل الانشقاق"، وان الوحدة الوطنية الفلسطينية "ضُربت في أساسها". وكان الشيخ سيد بركة أحد مؤسسي "حركة الجهاد" شارك في جلسات المجلس الأخيرة، وقال الهندي ل"الحياة" ان بركة "لا يمثل الجهاد وهو خارج الحركة منذ نحو عشر سنوات". اما بركة فقال ل"الحياة" انه "ترك حركة الجهاد الاسلامي منذ سنوات" وانه لا يمثل الحركة في الاجتماعات، وجاءت مشاركته "بصفة شخصية".