يسود شعور عام في بلغراد ان محاولات جادة وحثيثة تجرى لوقف غارات حلف شمال الاطلسي ضد يوغوسلافيا وايجاد حل مناسب لمشكلة اقليم كوسوفو "يضمن مصالح الصرب والألبان على حد سواء". وجاء هذا الشعور استناداً الى ثلاثة أمور متداولة في أوساط مراقبين لهم اتصالات مع مسؤولين في الحكومتين اليوغوسلافية والصربية: أولها، توقف القصف في منطقة بلغراد منذ صباح أول من أمس وحتى مساء أمس وانحصار الأمر في ضربات محدودة في المناطق الأخرى ولو كانت التعليلات الغربية تدور حول سوء الاحوال الجوية. الأمر الثاني ان الزعيم الالباني ابراهيم روغوفا أصبح مقتنعاً بأن انفصال الاقليم غير ممكن ولا بد من حل داخل صربيا ويوغوسلافيا، يوفر أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي للاقليم "يمكن الاتفاق عليه اعتماداً على أجواء الثقة التي يجري استحداثها لمصلحة الطرفين". والأمر الثالث يتعلق بالمجال الذي وفره اعتقال الجنود الاميركيين الثلاثة للمساومات. ويبدو واضحاً انه على رغم ما أعلن مساء أول من أمس في مقر الاطلسي عن أن مئة طائرة توجهت لضرب يوغوسلافيا فإنه لم يقصف سوى ثلاثة مناطق. وسقطت أربعة صواريخ في كوسوفو وأربعة أخرى في قاعدة عسكرية قرب مدينة فرايني 400 كيلومتر جنوب بلغراد وصاروخين قرب مدينة نوفيساد 80 كيلومتاًر شمال بلغراد. وحسب مصادر مطلعة قريبة من الحكومة الاتحادية اليوغوسلافية فإن الوساطة الرئيسية يقوم بها الفاتيكان وباتصال ودعم من كل من ايطاليا وفرنسا. وتسعى هذه الوساطة الى وقف الغارات الجوية "على اساس موقت" لتستمر حاضرة الفاتيكان بالتعاون مع روما وباريس في البحث عن صيغة حل مقبولة "بعيداً عن الانفصال والتطرف". ولا يزيد اتفاق ميلوشيفيتش - روغوفا عن 45 كلمة في الورقة التي وقعها الاثنان أول من أمس ومضمونها: "استقبل رئيس الاتحاد اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش في بلغراد الدكتور ابراهيم روغوفا. وتحدثا حول مشاكل كوسوفو وميتوخيا. ورأوا أنه يوجد تقارب لرؤية مشتركة لإنهاء هذه المشكلة التي لا سبيل الى حلها إلا بالوسائل السلمية". ويوصف هذا الاتفاق في بلغراد بأنه تعهد من الجانبين "أكثر مما هو اتفاق" للعمل في أجواء تختلف عما كانت عليه في الماضي "باعتبار ان القطيعة بينهما أدت الى الاخفاق في حل المشكلة وأضرت بكلاهما على حد سواء". وأبلغ مصدر في القصر الرئاسي اليوغوسلافي "الحياة" انه "بعدما التقى ميلوشيفيتش مع روغوفا انتظر روغوفا في غرفة مجاورة حيث التقى الرئيس اليوغوسلافي مبعوثي بابا الفاتيكان وبعد ذلك جرى توقيع الاتفاق". روعوفا - الوفد البابوي ويجري تفسير ما حصل بأن روغوفا التقى بالوفد الفاتيكاني ايضاً وانه خلال ذلك تمت صياغة الاتفاق "بحيث جاءت بصورة عامة تنسجم مع توجهات الفاتيكان السلمية". ويسود الاعتقاد أن الفاتيكان يقوم بوساطة في اتجاهين، أحدهما، بين بلغراد والغرب والثاني، بين الصرب والألبان. ويذكر ان روغوفا يرتبط بعلاقات وثيقة مع الفاتيكان والتقى مرات عدة البابا وان الصورة الوحيدة في قاعة الاستقبال في مقر الاتحاد الديموقراطي الالباني في بريشتينا الذي يتزعمه هي التي تجمعه مع البابا يوحنا بولس الثاني. كما انه اقترح تسمية الجمعية الانسانية لألبان كوسوفو باسم "منظمة الأم تيريزا" نسبة الى الراهبة الالبانية التي اشتهرت بأعمالها الانسانية في الهند. الأسرى الاميركيون ومن جهة اخرى، أبلغ نائب رئيس الحكومة الاتحادية فوك دراشكوفيتش مجموعة من الصحافيين امس انه "سيتم التصرف بكل احترام مع الجنود الاميركيين الثلاثة المعتقلين". وألمح دراشكوفيتش الى ان قضيتهم بحثت مع وفد الفاتيكان. وقال ان "يوغوسلافيا لا تمانع في اطلاق سراحهم بمناسبة عيد الفصح اذا كان ذلك سيؤدي الى وقف الغارات الاطلسية ولو موقتاً". وتعلق بلغراد الآمال على أي وقف للضربات باعتباره يوفر مجالات مناسبة للبحث والوصول الى اتفاقات اوسع. الجبل الأسود وعلى صعيد آخر، ردت مصادر مطلعة في بلغراد على ما أعلنه الناطق باسم وزارة الدفاع البريطانية حول تحضير الرئيس ميلوشفيتش لإنقلاب عسكري في الجبل الاسود بأنه "لا حاجة لمثل هذه الاجراءات التي يتوق اليها الغرب ليتخذها ذريعة للتدخل". وأوضحت المصادر ان الوضع في الجبل الاسود يختلف عن كوسوفو حيث توجد حركة انفصالية في حين ان في الجبل الأسود "تقتصر الخلافات على تباين وجهات النظر في الأمور السياسية ولم يطرح الانفصال في الأوساط الرسمية أو الشعبية". وأشار الى انه اذا كان الناطق البريطاني اعتمد على تغيير قائد الفيلق الثاني المرابط في الجبل الاسود فإن القائدين السابق والحالي هما صربيان وان رئيس جمهورية الجبل الاسود ميلو جوكانوفيتش، حضر اجتماع مجلس الدفاع الاعلى الذي اقر التغييرات في عدد من القيادات العسكرية، علماً بأن اهل الجبل الاسود يعتبرون انفسهم فصيلة صربية سميت باسم المنطقة الساكنة فيها.