في مواجهة تفاقم ازمة كوسوفو والموقف الدفاعي الذي تجد الادارة الاميركية نفسها فيه ازاء منتقدي استراتيجيتها وحسابات حلف الاطلسي، قال الرئىس بيل كلينتون ان الغارات الجوية ضد الصرب تحتاج للمزيد من الوقت كي تثمر. وشن هجوماً عنيفاً على الرئىس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش وحمّله مسؤولية أسر الجنود الاميركيين الثلاثة في مقدونيا، فيما اصدر البنتاغون اوامره بارسال 13 طائرة اخرى من طراز "إف-117 أي" الشبح للانضمام الى اسطول الطائرات الحربية الذي حُشد ضد الصرب. وينذر نشر المزيد من هذه الطائرات المتطورة التي يصعب على اجهزة الرادار اكتشافها بتصعيد الحرب الجوية ونقلها الى وسط بلغراد بقوة أكبر بكثير مما جرى حتى الآن. لكن هذه الخطوة تشير في الوقت نفسه الى ان نظام الدفاع الجوي الصربي لم يضعف لدرجة تكفي للسماح بارسال مزيد من طائرات حلف الاطلسي التقليدية وزيادة فاعليتها في ضرب الاهداف المحددة. وقال كلينتون أمام بضعة آلاف من جنود البحرية الاميركية وأسرهم تجمعوا في حظيرة ضخمة للطائرات في قاعدة نورفولك "لم يكن هناك أي أساس اطلاقاً" لأسر الجنود الثلاثة. ليس هناك بالتأكيد أي أساس لمحاكمتهم". وحذّر الرئيس الصربي قائلاً ان عليه "ألاّ يرتكب أي غلطة. فالولاياتالمتحدة ترعى ابناءها. ونحن نحمله شخصياً مسؤولية سلامتهم". سوتعتبر القاعدة البحرية في نورفولك فيرجينيا مقراً لما يزيد على 100 سفينة حربية، من ضمنها حاملتا طائرات. ومن المقرر ان تصل إحدى هاتين الحاملتين، وهي "يو إس إس تيودور روزفلت" الى البحر الابيض المتوسط خلال الايام القليلة المقبلة. وتعهد كلينتون ان يعود نصف مليون من اللاجئين من البان كوسوفو الى ديارهم عندما تُحل الازمة في النهاية، وناشد الرأي العام الاميركي ان يتحلى بالصبر كي تتمكن الحملة الجوية من تحقيق التأثير المطلوب على الحكومة الصربية. وقال "هدفنا هو اعادة سكان كوسوفو الى ديارهم مع توفير الامن والحكم الذاتي. ان حملة القصف التي ننفذها مصممة لجعل ميلوشيفيتش يدفع ثمناً باهظاً لا يمكن تحمله عن سياسة القمع والتطهير العرقي التي يمارسها، وللحد على نحو كبير من قدرته العسكرية على مواصلة هذه السياسة. نقوم بذلك منذ سبعة ايام فقط. ويؤدي طيارونا مهماتهم ببسالة وبصورة جيدة، في مواجهة ظروف خطرة واحوال جوية سيئة في احيان كثيرة. لكن يجب ان نتحلى بالتصميم والصبر". انتقادات وكانت الولاياتالمتحدة بررت قيادتها لغارات حلف الاطلسي على يوغوسلافيا بحماية البان كوسوفو والحؤول دون اتساع نطاق الحرب في اوروبا. لكن منتقدي سياستها يشيرون الى ان سوء تقدير مدى تصميم ميلوشيفيتش على تصعيد حملته الوحشية على سكان كوسوفو واستعداده لتحمل الضربات الجوية، فضلاً عن احجام الحلف عن استخدام قوات برية والتأخر في القيام بتحرك في البلقان، زاد تمن تفاقم الموقف. ويشعر الاميركيون بفزع متزايد ازاء انباء تدفق اللاجئين من كوسوفو وتقارير عن الممارسات الوحشية مع تصعيد القوات الصربية لحملاتها على الالبان. وتزايد القلق بعدما عرض التلفزيون الصربي مشاهد أول من امس للجنود الاميركيين الثلاثة الذي اسروا اثناء قيامهم بدورية على الحدود بين كوسوفو ومقدونيا. ويرى بعض الاميركيين ان خوض حرب برية بات امراً حتمياً. ويلفت بعض المنتقدين إلى ان الغارات الجوية ليست هي الاستراتيجية السليمة وان الخطأ في حسابات الحلف في البلقان يرجع الى اوائل التسعينات، وقت انقسام يوغوسلافيا الشيوعية السابقة. وقال ستيفن لارابي المحلل في مركز دراسات "راند كورب" في واشنطن ان "حقيقة الأمر ان الغارات الجوية لا يمكنها عمل ما يتعين تحقيقه في كوسوفو. كان ينبغي ان تكون لدينا خطة تعزيز وان نكون مستعدين لتدفق اللاجئين". وعبّر لوكالة "رويترز" عن اعتقاده بان الولاياتالمتحدة وحلفاءها الاوروبيين بدأوا اخطاءهم في عام 1991 عندما رفضوا استخدام القوة لطرد الصرب من فوكوفار، وهي بلدة مهمة في كرواتيا. وساعدت هذه المعركة على اندلاع حرب البلقان التي استمرت نحو عقد كامل. واضاف لارابي انه منذ ذلك الحين "وجّهنا تهديدات كثيرة ولم ننفذها، او نفذناها في وقت متأخر حتى ان ميلوشيفيتش تصور مراراً اننا ببساطة لن نتخذ أي اجراء. وليس من الواضح ما اذا كان توقع ان نتخذ اجراءً هذه المرة". من جهة أخرى، قال تيد كاربنتر من معهد "ليبريشن كاتو" ان يوغوسلافيا "تحاول فقط احباط تمرد انفصالي"، وان سياسة الادارة "تزيد من احتمالات اتساع نطاق الصراع بدلاً من ان تقللها". ورفض كلينتون اشارات بعض الصحف والمحللين الى ان غارات الحلف دفعت الى تكثيف القمع الصربي في كوسوفو، موضحاً ان الغارات تحتاج للمزيد من الوقت كي تثمر. ومع ذلك، يبدو ان الرئيس ومستشاريه للأمن القومي، القلقين من عدم التمكن من الحصول على تأييد أميركي وأوروبي لنشر حلف الاطلسي لقوات برية، لم يعد امامهم سوى سيناريو الغارات الجوية. وقال مسؤول اميركي "لم يتصور احد حقيقة انه عندما يكون هناك تهديد ذو صدقية كبيرة من جانب الحلف باستخدام القوة ان يغامر ميلوشيفيتش بجيشه كاملاً". واضاف ان "الغالبية تصورت انه سيفعل المطلوب منه فور صدور تهديد جاد" بموافقة اعضاء الحلف. استطلاعات الرأي وتفيد استطلاعات الرأي ان دعم الاميركيين للضربات الاطلسية على يوغوسلافيا لا يزال فاتراً، ولم تتجاوز نسبة التأييد ال50 في المئة. وسألت صحيفة "واشنطن تايمز" اول من امس أ ف ب عدداً من البرلمانيين الجمهوريين والديموقراطيين حول ردود فعل ناخبيهم، فأشار معظمهم الى تيار معارضة قوي للغارات، خصوصاً لفكرة نشر قوات برية في كوسوفو. وأفاد مكتب السناتور الجمهوري عن بنسلفانيا ريك سانتوروم انه تلقى 1200 رسالة "99 في المئة من اصحابها يعبرون عن معارضتهم لتدخل الحلف الاطلسي في كوسوفو وللجوء الى قوات برية اميركية". وقال بنيامين كاردين النائب الديموقراطي عن مريلاند ان ناخبيه "يتفهمون لماذا شاركت الولاياتالمتحدة"، لكنهم لا يزالون يشككون في فاعلية الغارات. ورأى الديموقراطي جون برو ممثل لويزيانا انه يجب التعامل بحذر مع هذا الاستطلاع المرتجل. وقال "في كل مرة يتورط فيها جنودنا في حادث ما فإن الناس المعارضين هم الذين يتحركون وليس اولئك الذين يؤيدونها".