يعتمد النمو الاقتصادي على الاستثمار الذي يحتاج الى تمويل يأتي عادة من ادخارات المجتمع أفراداً ومؤسسات، ومن الاموال التي تتدفق من خارج البلاد. ولتشجيع الادخار والاستثمار، لا بد من وجود مؤسسات مالية وشركات مساهمة وأدوات وأسواق مالية ذات كفاءة عالية من حيث المخاطر والعوائد، تجتذب الادخارات اليها وتحولها الى رؤوس أموال ومصادر تمويل استثمارات منتجة في الشركات. ويساعد وجود الأسواق المالية الكفوءة على تدفق الاموال الى البلد من خارج الحدود لاستثمارها في شكل مباشر في مشاريع رأسمالية، ولتوظيفها في أوراق مالية اذا كانت هذه تحقق عوائد مجزية نسبياً. كما تسمح الاسواق الحرة بخروج الاموال عند الحاجة، مطمئنة بذلك جالية المستثمرين الى حرية الحصول على أموالهم متى يشاؤون. ويمكن تقسيم المؤسسات المالية بحسب طبيعة الاسواق التي تعمل بها. فالمعارض التجارية تقع على رأس قائمة المؤسسات المالية العاملة في السوق النقدية. وتعتبر بنوك الاستثمار وبنوك الاعمال من المؤسسات المالية الرئيسية العاملة في اسواق الرأس المال الأولية Primary Capital Markets. اما أسواق الرأس المال الثانوية فتتألف اساساً من أسواق الأوراق المالية المنظمة البورصات، ومن موازياتها الغير منظمة Over The Counter Markets. وتقوم اسواق الرأس المال الثانوية بإجراء تحديد يومي للقيم تسعير الأوراق المالية المدرجة فيها من خلال عمليات التداول، كما أنها توفر ميزة السيولة المهمة جداً لجالية المستثمرين. ومن المؤسسات المهمة العاملة في أسواق الرأسمالية لا بد من ذكر شركات الخدمات المالية، وشركات الوساطة المالية، وشركات المحاسبة وتدقيق الحسابات، وصناديق الاستثمار. وتقوم شركات الخدمات المالية بتوفير المعلومات المالية كافة عن الشركات المساهمة، وتجري التحليلات على تقاريرها المالية وتقيم أداءها، وتصنفها وتعطي الأوراق المالية الصادرة عنها رتباً ائتمانية واستثمارية. وكمثال على شركات الخدمات المالية نذكر شركات "ستاندرد أند بورز" و"موديز". وتعمل بعض شركات الخدمات المالية على تقديم معلوماتها المالية الرقمية والهندسية عن الشركات بواسطة الكومبيوتر بطرىقة الاشتراك مثل بلومبورغ Bloomberg و"رويترز". وتمارس شركات الوساطة المالية عمليات التداول في الأوراق المالية في البورصات. ويتم ذلك من خلال الكراسي التي تملكها في ردهة البورصة حين تقوم بتنفيذ أوامر البيع والشراء التي يصدرها عملاؤها من المستثمرين. كذلك تدير شركات الوساطة المالية حقائب استثمارية لصالحها ولصالح مستثمرين آخرين، وتنشئ وتدير صناديق استثمارية، وتبيع اسهمها الى الجمهور، وتجري أبحاثاً استثمارية على الشركات وأوراقها المالية على ضوء المتغيرات الاقتصادية والسياسية المحلية والدولية بهدف تقديم نصائح استثمارية الى عملائها، وتؤدي دور صانعي الأسواق في البورصات. وكمثال على شركات الوساطة نذكر شركة "ميريل لينش". ولشركات المحاسبة وتدقيق الحسابات دوران اساسيان في أسواق الرأس المال. فهي تساعد على جعل شركات الاعمال تتبع مبادئ ومعايير المحاسبة الدولية، ما يساهم في توحيد أنظمة المحاسبة المستعملة في الشركات المختلفة، ويجعل تقاريرها المالية قابلة للمقارنة والتحليل. كما أنها تضفي قدراً من المصداقية على طرق وأساليب المحاسبة المستعملة في الشركات وتعطي الثقة بالتقارير المالية الصادرة عنها. أما صناديق الاستثمار فقد ازدادت اهميتها كثيراً في البورصة العالمية والاسواق الناشئة. وتعمل هذه الصناديق على مبدأ تشكيل محافظ استثمارية في أوراق مالية بأهداف استثمارية محددة. وتختلف أهداف الاستثمار، وبالتالي استراتيجية الاستثمار، من صندوق الى آخر لتتناسب مع رغبات أكبر عدد ممكن من المستثمرين المحتملين. وعوضاً عن أن يقوم المستثمر الفرد بالبحث والتمحيص عن الاستثمارات المالية التي تناسب تفضيلاته من حيث المخاطر والعوائد وهذا يتطلب معرفة وخبرة ووقتاً وجهداً وتكلفة وحداً أدنى من رأس المال الأولي للاستثمار قد لا تكون كلها أو بعضها متوفراة للمستثمر الفرد، تقدم صناديق الاستثمار خبرات مديري الاموال المتخصصين العاملين لديها لجميع المستثمرين المحتملين مقابل نسب أتعاب ادارة زهيدة. وتطرح صناديق الاستثمار اسهماً في صناديقها للمستثمرين الافراد الذين يكتتبون في صندوق واحد أو مجموعة صناديق للتنويع لتتناسب مع مقدراتهم المالية. وسيولة الاستثمار في الصناديق مؤمنة. فالصناديق المغلقة تدرج اسهمها في البورصة. اما الصناديق المفتوحة، فتتعهد اداراتها بتسيل اسهمها لمن يشاء من المستثمرين حسب ما في قيمة الموجودات للسهم، والتي تحتسب على أساس يومي. وساعد وجود المستثمرين المؤسساتيين الصناديق على فتح فرص الاستثمار في الاسواق المالية أمام اعداد كبيرة من الافراد كانت تتهيب الاستثمارات المالية، وجذبت بالتالي مدخراتهم ووظفتها في استثمارات منتجة. كما أنها ساعدت على عقلنة الاستثمار في الأوراق المالية. ولا بد عند بحث مؤسسات أسواق رأس المال من الاشارة الى الأهمية الكبرى لأنظمة وقوانين الافصاح عن المعلومات الاقتصادية والمالية والفنية والادارية والمحاسبية الخاصة بالشركات المساهمة. وتضع هذه الانظمة والقوانين هيئات التنظيم والمراقبة والاشراف على الاسواق والأوراق المالية، Securities and Exchange Commission SEC في الولاياتالمتحدة مثلاً، وإدارات البورصات التي تدرج عليها الاوراق المالية. وتكمن الأهمية الكبرى لقوانين الافصاح في توفير أقصى درجات الشفافية للمستثمرين لحمايتهم من عمليات النصب والاحتيال التي قد تقدم عليها بعض ادارات ومالكي الشركات المساهمة القائمة أو قيد التأسيس والطرح للاكتتاب العام. بنية قطاع التمويل في سورية يتكون القطاع المالي في سورية من المؤسسات التالية: 1- مصرف سورية المركزي: لا يتمتع مصرف سورية المركزي بالاستقلالية، فهو يتبع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية. ويقوم بإصدار النقد، وحفظ حسابات ايداع الحكومة والمؤسسات الحكومية، وإقراض المصارف، وإقراض الدولة لتمويل عجز الموازنة. ولا يقوم المصرف المركزي بمراقبة المصارف، ولا توجد لديه سياسة نقدية، ولا تتوافر عنده من أدوات السياسة النقدية غير نسبة الاحتياط الالزامي ومعدل اعادة الخصم وهي تبقى من دون استعمال. فسياسة معدلات الفائدة خارجة عن سيطرة المصرف المركزي وتحددها اللجنة الاقتصادية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وتصدر بقرارات ادارية من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية. وكان آخر تعديل على معدلات الفائدة الدائنة والمدينة في مصرفي التجاري السوري والتسليف الشعبي جرى بتاريخ 1 شباط فبراير 1981. بعد هذا التاريخ، جرى تعديل للفائدة المدينة في المصارف الصناعية والزراعية والعقارية بتاريخ 3 كانون الثاني يناير 1993. 2- المصارف المتخصصة توجد خمسة مصارف متخصصة تملكها الحكومة بالكامل، تتخصص كل منها في الاقراض الى أحد القطاعات الاقتصادية. وهذه المصارف هي "التجاري" و"الصناعي" و"الزراعي" و"العقاري" و"التسليف الشعبي". و"المصرف التجاري السوري" هو أكبر هذه المصارف على الاطلاق، وبفارق كبير، اذ يمنح 75 في المئة من القروض المصرفية ويستحوذ على 70 في المئة من الوادائع. لذلك سنركز ملاحظاتنا في ما بعد على هذا المصرف. ويبلغ أداء المصارف المتخصصة من حيث القروض 193 بليون ليرة سورية والودائع 178 بليون ل.س. ولا يدعو الى الكثير من الارتياح قياساً الى حجم الاقتصاد السوري وعدد السكان في عام 1996. فإجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية بلغ 655124 بليون ل.س، وعدد السكان قدر ب 15 مليون نسمة. وبحساب نسبة القروض والتسهيلات المصرفية الى الناتج العام نرى انها لا تتجاوز الپ29.5 في المئة، وتعتبر نسبة صغيرة. وبإجراء تحليل سريع على موازنة "المصرف التجاري السوري"، نجد ان ادارة الموجودات والمطلوبات فيه تعاني من كثير من عدم التوازن. فمن حيث توزيع القروض، تبين الاحصاءات الرسمية ان التجاري السوري منح 144 مليون ل.س الى القطاع العام، تمثل 99.2 في المئة من اجمالي حقيبة قروضه القائمة في عام 1996، وتعتبر نوعية هذه القروض من حيث دفع الفائدة وتسديد أصل القرض في المواعيد المحددة متدنية. ولم يحصل القطاع الخاص الا على 1.1 بليون ل.س، أي اقل من واحد في المئة 1.76 في المئة تحديداً من اجمالي القروض. وتوجد لدى "المصرف التجاري السوري" موجودات أجنبية قيمتها 181 بليون ل.س موظفة في ودائع مع بنوك مراسلة لا تمثل بالضرورة التوظيف الأمثل للموارد المالية للمصرف. وتجب الاشارة الى ان ملاءة رأس المال Capital Adequacy للمصرف "التجاري السوري" متدنية جداً. فقد بلغ مجموع رأس المال والاحتياطات والأرباح المحتجزة 2.403 مليون ليرة سورية مقارنة مع اجمالي الموجودات التي بلغت 291.828 مليون ل.س عام 1996. وبذلك تكون نسبة ملاءة رأس المال أقل من واحد في المئة 0.82 في المئة تحديداً، والمطلوب حسب معايير "بنك التسويات الدولي" في بازل بسويسرا ان تكون النسبة 8 في المئة على الأقل للبنوك التي يسمح بالتعامل معها. ويعني هذا ان المخاطر التي يتحملها المودعون في المصرف كبيرة، كما ان مقدرة المصرف على النمو وتوسيع قاعدة موجوداته محدودة. وينطبق على "التجاري السوري" ما ينطبق على غيره من المصارف من حيث الخدمات السيئة وقلة عدد الفروع وعدم استعمال التجهيزات المصرفية الحديثة. 3- المؤسسة السورية للتأمين يمكن ان تلعب "المؤسسة السورية للتأمين"، وهي شركة التأمين الوحيدة في سورية، دوراً اساسياً في تطوير السوق المالية في سورية. فقد بلغ الفارق بين بدلات التأمين المحصلة 3.626 بليون ل.س والتعويضات المدفوعة 1.254 بليون ل.س رقماً كبيراً وصلت قيمته الى 2.372 بليون ليرة سورية في عام 1996. وهذا المبلغ اضافة الى ما يتراكم من تدفقات نقدية صافية كل سنة يمكن ان يوظف في محافظ استثمارية تتألف من اسهم وسندات شركات سورية اضافة الى سندات خزينة. 4- صندوق توفير البريد تتراكم لدى صندوق توفير البريد مبالغ كبيرة سنوياً تذهب كلها الى وزارة المال، لأن الصندوق غير مسموح له بأن يقوم بالإقراض لا للقطاع الخاص ولا لمؤسسات وشركات الدولة. وبلغ الفارق بين الايداعات في الصندوق البالغة 18.702 بليون ليرة سورية، والسحوبات 15.397 بليون ل.س في عام 1996. وهذا المبلغ يمكن ان يوظف كلياً أو جزئياً في اسهم وسندات صادرة عن شركات القطاع الخاص، ويساهم في تطوير وتعميق اسواق الرأس المال السورية. 5- شهادات الاستثمار يقوم مصرف التسليف الشعبي ببيع شهادات الاستثمار لحساب وزارة المال وبالنيابة عنها. وتدفع شهادات الاستثمار فائدة سنوية قدرها 9 في المئة. وبلغ الفارق بين مبيعات شهادات الاستثمار 48.680 بليون ل.س واستردادات قيم شهادات استثمار 33.340 بليون ل.س في عام 1996. وهذا المبلغ الكبير يمكن ان يكون له دور جوهري في استقطاب اصدارات سوق رأس المال الأولي وفي التوظيف في أوراق مالية صادرة عن شركات سورية يجري تداولها في السوق المالية. 6- مؤسسة التأمين والمعاشات ومؤسسة التأمينات الاجتماعية: لا تتوافر أرقام منشورة حول ايرادات وفوائض هاتين المؤسستين. لكن من المعروف ان الفوائض تورد الى وزارة المال. ويمكن لهاتين المؤسستين ان تلعبا دوراً مركزياً في تطوير الاسواق المالية في سورية بتحويل جزء من مواردها المالية للاستثمار في أوراق مالية في السوق المالية. كما يمكن لهذه المؤسسات العمل على تأسيس صناديق الاستثمار ببيع اسهمها لصغار المدخرين وبذلك تتكون نواة المستثمرين المؤسساتيين في سورية، وهي أساسية لتأمين النشاط في الأسواق المالية.