يعرف جمهور بيروت المسرحي تماماً الممثل غسان مسعود خصوصاً وانه لم يغب ابداً عن اعمال جواد الأسدي الاخيرة خصوصاً حيث كان حضوره مميزاً ورئيسياً. واضافة الى تجربته التي تمتد عشر سنوات الى الوراء مع جواد فان غسان شارك في عدد من الاعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية في سورية وكان حضوره ايضاً في هذه الاعمال مميزاً ورئيسياً. شارك غسان مسعود في عمل جواد الأسدي الاخير "جنون في الاسطبل" المأخوذ عن الآنسة "جولي" للكاتب أوغست سترندبرغ. وأدى شخصية الخادم ببراعة تجمع بين الاحساس العميق بالشخصية والتلوين والتعدد. هنا حوار معه: بقدر ما يقدّس جواد الأسدي الممثل هو يهشمه بالقدر نفسه ويعيد بناءه بالشكل الذي يريد. ما هو رأيك بهذا الأمر؟ - لا شك بأن جمهور بيروت المسرحي لديه فكرة لا بأس بها عن علاقة المخرج الأسدي بالممثل من خلال العروض الكثيرة التي قدمها في بيروت. ما يجمعني بجواد هو ما وجدته لدى هذا المخرج من اهتمام بالممثل لا بل يمكن ان أقول انه مسكون بالممثل. وأنا كنت أبحث بعد تجربتي مع المخرج الراحل فواز الساحر عن مثل هذا المخرج فقد تحوّلت الى ممثل متطلب من المخرج. كنت أبحث عن هذا المخرج. مثل هذه العلاقة تقول من خلال التدريبات الى منطقة الشراكة. هذه نقطة. من جهة ثانية، ان ثقافة جواد ومخزونه الروحي والطقسي يجعله يميل الى البحث "الجواني" في عالم الممثل وهو غير معني ابداً بما يطفو على السطح لانه يعتبر وأنا أؤيده بهذا الشيء بان الاحجار الكريمة لا تسكن الا في عمق الارض، فلا بد اذاً من ان يحفر عميقاً لكي يصل اليها. لا أستطيع ان أتصوّر نفسي في حالة سكونية أو ثابتة. طالما ان الانسان هو خلاصة الطبيعة ويحمل كل تناقضات الحياة اليومية فهو مرشح بامتياز لان يكون جديداً في كل يوم حتى لو كان المناخ العام يشكو من خمول أو سكون. وباختصار أنا أعمل كممثل على قانون الطبيعة البشرية المتحركة والمتحوّلة ضمن سياق مشروع جمالي وفكري اتفقت عليه ضمنياً مع جواد. وهذا من شأنه ان يجعل البروفة مرشحة دائماً للارتقاء اليومي باتجاه البنية المشهدية من داخل الممثل الى الفضاء المسرحي. فلا قيمة للفضاء والديكور ومختلف "الاغراض" ما لم تأت كنتيجة ضرورية لحضور الممثل بكل مدلولاته الجمالية الذي من شأنه ان يعرض منطقاً سينوغرافياً يحتضن بحنو وفء هذا الذي كان في سبب وجوده أي جسد الممثل وصوته وروحه. ماذا عن التمارين مع جواد الأسدي؟ - قبل الدخول الى التمارين نكون في حالة صدامية. نعرك النص ونهضمه ونبحث عن الافكار التي يحملها. تقودنا وعبر البروفة الى تخليص النص من جموده الادبي وبالتالي الذهاب بالصورة بعيداً باتجاه خيال الممثل وجسده وعالمه الروحي بشكل عام كي يؤسس أفعال مسرحية يأتي الصوت من ضمنها ويكون حركة دالة بذاتها ومن داخل النسيج العام. أصل من خلال هذا الى القول ان فن الارتجال الذي يعتمده جواد بشكل جوهري يقول الى بناء نص مواز للنص الاساسي، هو نص ثانٍ شارك بكتابته المخرج والممثل. هل أنت مع المخرج الذي يفرض ويحرّك الممثل بالشكل الذي يريده أم مع إطلاق حرية التعبير له؟ - ثمة ثلاث اتجاهات أساسية في الاخراج: مخرج يوفّر مناخاً مهماً للممثل ويدعو لكي يقدّم ما عنده من داخل المناخ العام الذي يريده. ومخرج يبني مع الممثل خططاً مستقبلية ويعملان معاً لخلق التكوين من خلال التدريبات ويعطي الممثل استقلالية ولكن من ضمن الخطة التي يكون قد وصفها. وثمة مخرج اسميه مخرج الحدس يعتمد على حدسه وانا مع هذا النوع، وجواد منه، ويرتكز على مخزون ثقافي عال وحساسية وعين ذكية وحسّ جمالي متقدم. هذا النوع من المخرجين يرمي الممثل في عاصفة أفكاره الشخصية ويضعه أمام ذاته بلعبة تحدّ ويصف له الحالة ويركن الى الجانب الغريزي والوحشي والحسّي الواعي والمعرفي عند الممثل، لان المعرفة، احياناً، تعطّل الإبداع عند الممثل. جواد يدفعنا الى الغريزي والوحشي، ومهم هذا العمل اذا أدرك الممثل خطورة الأمر. وعلى فكرة فان هؤلاء الممثلين قلائل. على الممثل ان يترك الطفل الذي في داخله والآتي من ذاكرة غنية. لا أتصوّر ان هناك انساناً من غير ذاكرة والذاكرة هنا هي الثقافة والتربية. وعندما أقول الطفل فانني أعني الحرية. وأنا أربط بين الحرية والحب فهما مفهومان أساسيان لا بد من توافرهما ليحدث التمثيل أو الاخراج. جواد يواكب التمارين ويراقب الطفل ويوقع اقتراحاً أو سلوكية على شكل أفعال درامية حسية من شأنها ان تحوّل الافكار الى أفعال من لحم ودم عبر جسد الممثل وصوته. جواد، هنا يلتقط اللحظات الأبرز ويضعها تحت المجهر ومن خلال العمل مع الممثل في التمارين ينزع المكرر والعادي ويلغيه ويضع ما هو أعمق وما قد يكتشفه في تمارين لاحقة. لذلك فان عروض مسرح جواد هي عبارة عن تمارين مستمرة وليست حالة جامدة. أنا شخصياً تغريني هذه الطريقة في العمل. ما هو الجديد الذي اكتسبته في هذا العمل؟ في أي تجربة جديدة على المسرح كانت أم في التلفزيون فانني لا أشارك اذا لم أشعر ان هناك جديداً أقومه.اكتشفت أو تطوّر لدي في هذا العمل إمكانات الصوت واكتشفنا اننا عندما نؤدي ونمثل المونولوغ فان علينا ان نخضع الصوت للسلم الموسيقي كما تخضع الآلة الموسيقية بحيث يكون هناك قرار وجواب. بعيداً عن جواد الأسدي ماذا تقول بطاقتك الفنية؟ - اشتركت في السينما في ثلاثة أفلام وأنا لديّ رغبة في العمل في السينما وأتعاطى معها كما أتعاطى مع المسرح. لا أهتم بالمادة فالسينما عندنا لا تحقق الشهرة كما التلفزيون ولكن أحبّ السينما لانها تقدم العمل جرعة واحدة، كما المسرح ثمة كثافة في السينما على عكس التلفزيون لذلك تراني أقرب الى السينما منّي الى التلفزيون. علماً انني اشتركت في أعمال تلفزيونية كثيرة ومميزة ومع مخرجين كبار بينهم هيثم حقي ونجدت انزور ومحمد عزيزه وباسل الخطيب. كنت أختار بدراية الاعمال ورفضت الكثير وأنا لست بنادم اذا لم أحقق الانتشار المطلوب. اما علاقتي بالمسرح فهي متواصلة دائماً وثمة أعمال كثيرة قدمتها وسأقدمها. أنا سعيد لأنني اخترت أعمالي بعناية وهذه طريقة عظيمة لكي يقدّم الممثل نفسه الى الجمهور في شكل جميل ولائق.