الموسيقى في العمل الفني عامل في غاية الأهمية لاستكمال الرؤية الفنية وإبراز ما وراء السطور في المشاهد الدرامية إذا استخدمت جيداً. ومن هذا المنطلق من غير المتصور رؤية عمل فني أو سماعه من دون الموسيقى. ويختلف التأليف الموسيقي عن التلحين، إذ أن عمل المؤلف أكبر وأصعب ويتطلب من صاحبه أن يكون دارساً للموسيقى فعمله يتطلب الخيال والتخيل إلى جانب أن موسيقاه تأتي من فراغ، حيث لا يوجد أي خيط لديه غير الصورة التي أمامه وذلك على عكس الملحن الذي يساعده إيقاع الشعر على إنجاز اللحن من دون مشقة أو جهد. ويكفي أن ندلل بموسيقى فيلم love story التي فاقت باقي العناصر من تمثيل وتصوير وإخراج، ومازالت عالقة في الذهن وتُسمع في كل مكان. وتأتي عظمة الموسيقى من كونها فناً مجرداً وعندما يرتبط هذا بصورة محددة يمكن أن يُلغى الحوار الكلامي المسموع لتبرز المعاني الأكثر تجريداً، وأحياناً يكون داخل الموسيقى صمت، وهو من أدواتها لأنه يعطي في أحايين كثيرة عمقاً في المعنى ويؤكد هذا القول الموسيقار منير الوسيمي الذي وضع الموسيقى لأفلام "البدرون و"أربعة في مهمة رسمية" و"اشتباه" و"الكراج" ولمسرحيتي "الوزير العاشق" و"راقصة قطاع عام" ولمسلسلات "هند والدكتور نعمان" و"اسطبل عنتر" و"غابت الشمس" و"لم يظهر القمر" ويقول: "تختلف موسيقى السينما عن الفيديو والمسرح فلكل فن خصائصه المميزة التي تفرض شكل الموسيقى. فإيقاع الفيلم يكون سريعاً، يأتي فيه الرسم اللحني أو الإيقاعي أسهل تطويعاً وتلويناً وتأثيراً، على عكس أحداث الفيديو التي تكون ممطوطة وبطيئة ويكون المخرج مضطراً في أحايين كثيرة إلى الموسيقى التصويرية حيث توجد مناطق كثيرة تكون فيها الصورة ناقصة فتتم الاستعانة بالموسيقى لتوضيح ما خلف السطور". تخوف المنتجين والمؤلف الموسيقي في الدول العربية يشاهد العمل مع المنتج والمخرج ثم يكتب أهم الركائز التي يعتمد عليها تصوره لموسيقى الحلقات التلفزيونية أو الفيلم السينمائي ويحصل في أحسن الحالات على "سكريبت" للعمل وهو عكس ما يحدث في جميع دول العالم، حيث يحصل الموسيقي على نسخة فيديو من العمل يستطيع أن يضبط عليها مقاساته، ويؤكد هذا الأمر الموسيقار عمر خيرت الذي وضع الموسيقى التصويرية لأعمال فنية عدة منها أفلام "اليوم السادس" و"الوحل" و"الخادمة" و"امرأة مطلقة" و"المصير" ومسلسلات "ضمير أبلة حكمت" و"اللقاء الثاني" و"غوايش"، و"عصر الفرسان" و"الهروب إلى السجن" إلى جانب موسيقى مسرحية "كعب عالي". ويُرجع خيرت هذا الوضع الغريب إلى تخوف المنتجين من إعطاء نسخ فيديو للموسيقى، سواء في ذلك المنتج الخاص أو العام، ويؤكد "المرة الوحيدة التي حصلت فيها على نسخة فيديو من العمل الذي وضعت موسيقاه كان فيلم "النوم في العسل" نظراً إلى العلاقة التي تربطني بالمخرج شريف عرفة"، ويضيف "كل مؤلف موسيقي لا بد أن تكون لديه البصمة الخاصة به". ويقول الموسيقار عمار الشريعي صاحب الباع الطويل في وضع الموسيقى لأعمال عدة منها مسلسلات "الأيام" و"اديب" و"دموع في عيون وقحة" و"قال البحر" و"رأفت الهجان" و"العائلة" و"أرابيسك" وغيرها وأفلام "الشك يا حبيبي" و"البريء" و"كتيبة الاعدام" و"أرجوك أعطني هذا الدواء" و"الحب في الزنزانة" ان السينمائيين في أوروبا استفادوا من الموسيقيين لوجود مدارس موسيقية كثيرة في الوقت الذي عانت السينما العربية والمصرية مشاكل عدة قبل تطور الأدوات الموسيقية، ويؤكد أن الموسيقى هي أحد أهم عناصر الإبداع الفني ويمكن ألا تمثل أية أهمية في مشاهد أخرى، "مثلما حدث معي شخصياً حينما أصر أحد المخرجين على أن أضع موسيقى لمشهد فيه اسانسير يهبط بمفرده"، ويضيف "عن نفسي، فإنني أنبهر بموسيقى الراحل علي اسماعيل، خصوصاً في فيلم "مراتي مدير عام" إلى جانب موسيقى أندرا رايدر وفؤاد الظواهري. من أجل الفيلم أما المؤلف الموسيقي راجح داود الذي كانت بدايته مع أول افلام المخرج داود عبدالسيد "الصعاليك" ووضع الموسيقى لباقي أفلامه "البحث عن سيد مرزوق" و"الكيت كات" و"أرض الاحلام" و"سارق الفرح" وإلى جانب موسيقى افلام "الراعي والنساء"، و"ثلاثة على الطريق"، و"الغرقانة"، و"البحر بيضحك ليه" و"عفاريت الاسفلت" و"القبطان"، فيؤكد أن العمل الفني قد يتضمن موسيقى عالية ولا يشعر بها المشاهد وفي المقابل لو حذفت من العمل لا يشعر بها المشاهد أيضاً، أما أنا فلا اكتب الموسيقى ليحبها الجمهور ولكن من أجل الفيلم وأحداثه "ونتيجة عدم وجود مدرسة موسيقية مصرية او عربية فإن تأثري كان بالموسيقى الايطالية والفرنسية والانكليزية"، ويضيف داود "يختلف الوضع كثيراً مع الموسيقى إذا كان هناك عمق في الكتابة والإخراج". ويقول المؤلف الموسيقي السوري كريم كبارة الذي يُعد من أهم الموسيقيين في سورية ووضع الموسيقى لأعمال سورية عدة منها مسلسلات "الاخطبوط وسكان الريح، وزائر الليل، وإختفاء، والهارب، واحلام حمود، والاسوار، والاخوة، وظل الأرض" إن المزج بين الموسيقى الشرقية في الاحاسيس والغربية مطلوب، ويشير إلى تأثره بعمار الشريعي وبليغ حمدي على رغم دراسته للموسيقى في الولاياتالمتحدة. الثقة بين الموسيقي والمخرج ويؤكد المخرج داود عبدالسيد أن الموسيقى عمل أساسي داخل الفيلم يدعم تأثيره ولا يتصور عملاً من دون موسيقى ولا بد وأن تكون هناك ثقة بين الموسيقي والمخرج، وعن سبب استعانته في أعماله بموسيقى راجح داود من دون غيره يقول "مرجع ذلك سببان: الأول الثقة والتفاهم الكبيران بيننا، والثاني لأنني اعتبر راجح أفضل موسيقي في مصر"، ويقول المخرج أحمد توفيق صاحب كثير من الأعمال ومنها "عمر بن عبدالعزيز" وهارون الرشيد" و"لن اعيش في جلباب ابي" و"رد قلبي"، وغيرها إن الموسيقى لا تختلف في الأعمال التاريخية والدينية عن الاجتماعية والكوميدية، والمهم هو الموقف الدرامي، ويضيف "لا بد وان يستوعب الموسيقي النص استيعاباً كاملاً ويرى رؤية المخرج التي ستظهر على الشاشة".