قدم الموسيقار المصري عمر خيرت حفلة انتظرها طويلاً جمهوره الذي شغل كل مقاعد المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، بعدما ألغيت حفلات عدة خلال الشهور الماضية بسبب إصرار الفنان على خفض قيمة التذكرة، بحد أقصى 150 جنيهاً، وعودة التذاكر شبه المجانية للطلاب. وقال خيرت ل «الحياة»: «لا أقبل أن أصير موسيقياً لذوي المعاطف الثمينة، أريد أن تصل موسيقاي إلى كل الناس، ولذلك أقيم حفلات في ساقية الصاوي وافتتحت مهرجان القلعة للموسيقى منذ عشرين سنة وشاركت فيه سنوات عدة، وكذلك في مهرجان الكوربة في مصر الجديدة حيث يحضر الآلاف بلا مقابل». وأشار إلى انه حين كان ما يسمى ب«الإرهاب» يعصف بمصر، جال مع الأوبرا في صعيد مصر تحت حراسة الشرطة وقدم حفلات في كل محافظة. وتذكر أيام الطفولة قائلاً: «عندما كنت أستمع وأنا طفل في صالون جدي محمود خيرت، سكرتير مجلس الشيوخ، وكان فناناً يعشق الرسم والموسيقى والشعر، إلى أوبريت «العشرة الطيبة» لفنان الشعب سيد درويش، وجدت فيه موهبة خارقة وما زلت معجباً به، كيف أنتج كل هذه الموسيقى في بضع سنوات. أرجو أن أكون أنجزت موسيقى تصل للناس وتعيش معهم وترتقي بحسهم مثلما فعل». وشدد خيرت على أن «للجمهور معياراً لقبول الموسيقى، على رغم انها فن غير حسيّ، فإن خرجت الموسيقى من داخلك وعبّرت عن مكنون نفسك وإحساسك، يقبلها الجمهور المتذوّق فوراً». وتطرق خيرت إلى تجارب رواد التأليف الموسيقي، مثل جمال عبد الرحيم، فأشار إلى أن «هذه النوعية تدرس في المعاهد وينهل منها الدارسون علوم التأليف الموسيقى، ولكنها ظلت سجينة هذا المجال بسبب الإغراق في الفكر والنظريات، وشعر الجمهور بأن تلك الموسيقى متعالية عليه فانصرف عنها». ورأى خيرت أن «أفول جيل العظماء من الملحنين والمطربين أواخر الستينات من القرن الماضي، ونكسة حزيران (يونيو) 1967، وضعا الموسيقى في منحنى انحداري بسبب تخبّط الحياة الاجتماعية في مصر، فالموسيقى مرآة لمدى تحضر وتقدم الأمم، ولذلك كانت الدراسة في معهد الكونسرفتوار الذي أسسه وصمم مبناه عمي أبو بكر خيرت هي طريقي في العمل والاجتهاد لانتشال الموسيقى في مصر من الغناء الرديء الذي ساد في تلك الأوقات، مثل أحمد عدوية... وغيره». وأوضح انه عمل بعد تخرجه من الكونسرفتوار مع فرق تلعب كل ألوان الموسيقى، كلاسيك، جاز، روك، شرقي، ما أثرى خياله ومنحه خبرات كبيرة، «وكان يجمعني بهذه الفرق صداقات مهمة في حياتي مع الراحل عمر خورشيد، ومجدي الحسيني والشيء الطريف إنني كنت وقتها أعزف درامز فاكتسبت حساً إيقاعياً قوياً». ومن أهم الأعمال التي يرى أنها أساسية في مشواره مع الموسيقى، الموسيقى التصويرية لفيلم «ليلة القبض على فاطمة» الذي لاقى نجاحاً كبيراً حتى أنه تمت طباعة الموسيقى على أسطوانات، وكان ذلك شيئاً جديداً في الوسط الفني في مصر، وأيضاً موسيقى مسلسلات «غوايش»، «البخيل» و«ضمير أبلة حكمت» وأفلام مثل «إعدام ميت» و«اليوم السادس». وقال: «لذلك عادة ما يتضمن برنامج أي حفلة هذه الأعمال لأن الجمهور صنع شهرتها، وهو يحضر الحفلة وفي ذهنه سماعها مع المؤلفات الأخرى مثل «100 سنة سينما» و«العرافة» و«العطور الساحرة»... وغيرها». وكشف خيرت أن «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب قال: «هذه أجمل هدية في عيد ميلادي»، وذلك كرد فعل الراحل عن إعادة توزيع بعض أغانيه التي صدرت في ألبومين.ورأى خيرت أن خروج بعض الموسيقيين من فرقته ليؤسسوا فرقاً خاصة بهم، مثل نسمة عبد العزيز ومجدي بغدادي ومنال محيي الدين، هو «مصدر سعادة وفخر، كما أنه حق لكل فنان أن يحقق نجوميته والشعور بكيانه. وذلك شيء مفيد للحالة الموسيقية كلها. وغالباً ما يشارك هؤلاء في حفلاتي... وعلاقتي بهم ممتازة». وأشار خيرت إلى مشاركته في كثير من مهرجانات الموسيقى العالمية، معتبراً تقدير النقاد في أوروبا والتفاف الجمهور حول موسيقاه شيء مدهش ومشرّف للموسيقى الشرقية الحديثة، ومعرباً عن أسفه لغياب النقد الموسيقي المتخصص في مصر. ويعمل خيرت حالياً على الموسيقى التصويرية لمسلسل «الجماعة»، ويعتبر ذلك تحدياً لأن الأحداث والشخصيات متلاحقة ومتصارعة، ولكن «الموسيقى بإمكانها التعبير عن أدق الأحاسيس».