اذا ارادت شركة متخصصة في انتاج الشامبو او الصابون اجراء استطلاع للرأي في حلب ستفاجئ بإقبال الحلبيين على استخدام المواد الطبيعية والمستحضرات الشعبية بعيداً من الاسماء البراقة والماركات العالمية. ويأتي في مقدم هذه المواد صابون "الغار" الذي ارتبط اسمه بمدينة حلب وابنائها. اذ يقول محمد صابوني مالك احدى "المَصَابين" ورشة لإنتاج صابون الغار ان الغار الحلبي لا يزال يحتل المرتبة الاولى في حركة البيع والشراء على رغم الحملة الدعائية الموجة ضده والتي تهدف الى الإقلال من قيمته، في اشارة الى ندوة تلفزيونية اظهرت مساوئ استخدام صابون الغار على الجسم. ويقدر عدد "المَصَابين" بأكثر من خمسين تنتج كل واحدة منها نحو 600 طن سنوياً، اذ ان العاملين ينتجونه في الشتاء لحفظ الرطوبة فيه وتجفيفه في اربعة شهور. وتقوم معادلة صنع "الغار" على اضافة ماءات الصوديوم كوستيك بنسبة معينة الى زيت زيتون ذي اسيد عال مع زيت الغار الذي يستحصل من شجر الغار الموجودة في الجبال الساحلية. ويبلغ سعر الليتر من زيت الغار ثلاثة دولارات، إذ تقاس جودة الصابون بجودة الزيت ونسبته. لذلك فان محمد صابوني يتهم "جهات تجارية" بالوقوف وراء هذه الحملة لتسويق منتجاتها على حساب صابون الغار الحلبي، في حين يقول ايمن الحلواني وهو مالك محل بيع صابون في مركز المدينة ان "جشع بعض المصابين وسعيهم وراء الربح السريع اضر بسمعة صابون الغار عن طريق انتاج الاصناف الرديئة التي تضر ببشرة الجسم وفروة الرأس". ويضيف بأن ذلك "لم يؤثر في حجم المبيعات نتيجة ثقة ابناء المحافظات السورية الاخرى بقيمة وجودة صابون الغار الحلبي وتمييزهم الغث من الثمين. يشهد على ذلك اقبالهم الكبير على محال بيع الصابون، كما ان متاجرة بعض السياح الاجانب بصابون الغار يضيف رصيداً الى سمعته وصيته". ولعل السياح الروس وخصوصاً النساء يأتون الى حلب ويمارسون بعض الاعمال التجارية تجارة الشنطة. ويشترون بعض المنتجات الحلبية ومنها صابون الغار. اما هيثم صالح وهو من مدينة جبلة الساحلية فكان يتسوق صابون الغار فينتقد الدخلاء على هذه الصناعة واعتمادهم طرقاً عدة للغش مثل زيادة نسبة القلويات ما يؤدي الى الاخلال بمعادلة التصبن الاساسية التي يتشكل بموجبها الصابون. ويشير الى ادخالهم دهن الفروج في معادلة التصبن وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية لدى استخدام هذا الصنف الرديء، ما حدا ببعض الاسر من المحافظات السورية الى صناعة صابون الغار في بيوتهم توفيراً للكلفة ومنعاً للغش والاحتيال. في مقابل ذلك لا يجد صالح غضاضة في استخدام الاصناف الجيدة التي "يستخدمها الصغير قبل الكبير" اعتماداً على "الصناعة العتيقة التي تشتهر بها حلب منذ مئات السنين" حسب قوله. ويعتبر متسوق آخر في الثلاثين من العمر من محافظة ادلب المجاورة لحلب ان "اقبال الشباب على استخدام صابون الغار الحلبي دليل على حبهم وثقتهم بصناعة الآباء ووعيهم الصحي بمضار استخدام الصابون الذي يدخل في تركيبه الكثير من المواد الكيميائىة ولا سيما الغليسرين". ويقترح مازن، وهو يملك صالون حلاقة للرجال، ان يهتم صانعو الصابون بمظهره وملمسه ليمكن استخدامه في المحال والاماكن العامة. ويتساءل : "لماذا لا توجد شركات متخصصة في انتاج صابون غار يضاهي الأنواع الاخرى الموجودة في السوق، لتتلازم شهرته وجودته مع اظهاره في شكل مرموق؟". ولا يوافقه الرأي احمد الابراهيم تاجر الجملة في"باب حنين" حيث الكثير من محال بيع الصابون، على ضرورة تغيير المواصفات الشكلية لصابون الغار، مشيراً الى تجربة احد التجار الحلبيين الذي صدّر شحنة ضخمة من الصابون الى احدى الدول الخليجية مراعياً الميزات التصديرية الرائجة من حيث التغليف والملمس وشكل الصابون وحجمه ولونه لكن الجهة المصدّرة اعادت كل الشحنة باعتبارها مخالفة للمواصفات الفنية المعروفة والمألوفة لصابون الغار مع العلم ان لون الصابون يميل الى الاخضر ويأخذ شكل مكعب ضخم فيزن الكيلو الواحد اربع قطع تقريباً. وتضم مدينة حلب عدداً كبيراً من المَصَابين قلما تحتويه مدينة اخرى في العالم، وكل من يقصد حلب يضع في حسبانه شراء صابون الغار الحلبي لصيته الذائع في مختلف المحافظات السورية حتى ان البعض يخزنه مؤونة سنوية. وتفضل العائلات الحلبية صناعة الصابون "البيتوتي" لمعرفتها باسرار هذه الصناعة وخفاياها. وأدت المنافسة في الآونة الاخيرة بين المنتجين الى زيادة العرض على الطلب في السوق الحلبية والى خفض سعر الكيلو الواحد لبعض الاصناف الى 25 ليرة سورية نصف دولار اميركي لدى بائعي المفرق الذين يعتمدون العربات المتنقلة في مختلف الاحياء وسيلة لترويج بضاعتهم، علماً ان سعر الكيلو يتجاوز الثلاث دولارات للاصناف الجيدة. وتفضل السيدات الحلبيات استخدام البيلون مع صابون الغار. والبليون هو مدة غضارية رخيصة الثمن تشبه قطع الحجارة تحل في الماء لمدة نصف ساعة وتتحول الى ذرات صغيرة لزجة توضع على الرأس لبضع دقائق ثم يغسل الشعر بالماء جيداً. ومن الشائع ان البيلون يقوي الشعر ويكسبه لمعاناً ونعومة. ولأهمية البيلون قامت احدى شركات صناعة الشامبو بتصنيع شامبو بالبيلون. وتفضل الامهات غسل شعر اطفالهن بالبيلون، لكن الطريف في الامر ان بعض الحوامل الموحمات يقرضن البيلون تحت الاسنان ويستخدمنه بالتالي كمادة غذائية. وتعزو احداهن ذلك الى حاجة جسم الحامل الى المادة التي يتكون منها البيلون. ويُستحسن استخدام البيلون مع الدريرة وهي من مستحضرات الورود والزهور على شكل جزيئات صغيرة مجففة يبلغ سعر الظرف الواحد 15 ليرة سورية. وتكسب هذه المادة الشعر والثياب رائحة عطرة فهي تستخدم في الحمام بوضع ملعقة كبيرة لكل طاسة ماء فتكسب الشعر رائحة مشتقة من مكوناتها العطرية، وتوضع في خزانة الثياب وداخل الفرش لتضفي عليها رائحتها المميزة. واستخدام الدريرة عادة قديمة لا تزال متبعة لدى شريحة كبيرة من المجتمع الحلبي ويؤثر البعض استعمالها بديلاً عن الشامبو ويعتقد انها تنعم الشعر وتزيل القشرة عند استخدامها مع البيلون. وتحرص السيدة الحلبية ان ترفق الدريرة مع صرة ثياب العروس البقجة وبعض قطع البيلون. وغدت عادة استخدام البيلون والدريرة اضافة الى صابون الغار "صرعة" شبابية يقوم الشباب بتجريبها والحصول على نتائج مرضية تزيد من فرص ذيوعها وصمودها في مواجهة التقليعات العصرية.