يغطي عبدالغفور طاولة الدكان ويتوجه للصلاة كما يفعل تجار في أحياء قديمة في فاس مثلاً أو القاهرة أو بغداد. غير أن عبدالغفور موجود في لندن، وفي أكبر حي للمهاجرين في العاصمة البريطانية. مسجد شرق لندن يعتبر الركيزة الاجتماعية لهؤلاء، ناهيك عن أنه مقصد العبادة والصلاة، خصوصاً أيام الجمعة عندما يتدفق المصلون إلى الطرق والشوارع المجاورة. عبدالغفور واحد من التجار الذين تمتلئ منصاتهم بالملابس والأدوات السمعية والبصرية. وكان إلى وقت قريب يشارك في السلسلة البشرية التي أقامتها لجنة أمناء المسجد من أجل الحصول على قطعة أرض مجاورة لتوسيعه. وكانت بلدية "تاور هامليز" رفضت المشروع وباعت الأرض إلى شركة خاصة لبناء بيوت وشقق من دون استشارة اللجنة، ولم تأخذ موافقتها كما ينص القانون. حتى ان المسجد لم يعلم بالصفقة إلا بعد سنتين على إبرام الاتفاق مع شركة البناء. وقد أثار المشروع حفيظة السكان فإذا بهم ينظمون مظاهرات عدة أمام مقر البلدية للإعلان عن مشاعر الغضب والرفض. يبدو المسجد من الخارج كأنه قطعة ديكور في فيلم يصور في الصحراء. المنطقة أيضاً باهتة إلى حد ما، وقد كانت ملجأ لعدد من المهاجرين على مر تاريخ لندن... وسكنها اليهود في فترة اضطهادهم. ولا يزال يوجد كنيس يهودي إلى جانب المسجد. وقصدها أيضاً مهاجرون من شرق أوروبا أثناء الثورة البولشيفية، وتعيش الآن تحت هيمنة سكان من بنغلاديش وباكستان وافريقيا. عبدالغفور من الجيل الأول من بنغلاديش الذين قطنوا المنطقة منذ أكثر من عشرين عاماً. ويروي ذكرياته عن المظاهرات التي كانت تطالب بإعادة الحق إلى أصحابه، بإعادة الأرض إلى المسجد للتوسع، ويقول إن غالبية المشاركين كانوا من شباب الجيل الثاني. باحة المسجد في الداخل تبدو كأنها امتداد لما يجري في الشارع... هناك علاقة وتمازج وارتباط. وهي الفكرة التي ركز عليها الكاتب العام لأمناء المسجد السيد حسن سراج السالكين الذي قال إن البلدية سرعان ما غيرت رأيها عندما شاهدت آلاف الناس يساهمون في المسيرة: "انها الديموقراطية المحلية، فغالبية أعضاء مجلس البلدية يخضعون لتصويت السكان... وكذلك قدمنا مشروعاً بديلاً لا يتيح للمسجد التوسع فقط، ولكن يساهم في تحسين المستوى الاجتماعي والحياتي للمنطقة". يرجع تأسيس مسجد شرق لندن إلى العام 1910، إلا أنه مر بمراحل عدة وتطور من مجرد بيت إلى مكان خاص بالعبادة في الأربعينات. إلا أن الفرصة اتيحت للتوسع مرة أخرى في الثمانينات عندما اقيمت البناية الحالية في "وايت تشبل"، الشارع الرئيسي في المنطقة. وقد قدم الملك فهد بن عبدالعزيز إعانة مالية كبرى لتحقيق المشروع. ويحتوي المسجد، إلى جانب مكانين رئيسيين للصلاة، على مدرسة وغرف للاجتماعات ومكاتب إدارية ومكتبة ومطبخ. ويستوعب أربعة آلاف مصل يوم الجمعة و15 ألفاً في الأعياد والمناسبات الخاصة. ويقول محمد عيد عضو لجنة أمناء المسجد إن مجلس البلدية وافق أخيراً على مشروع توسيع المسجد وقامت بتصميمه الشركة التي أعدت مشروع مسجد ريجنت بارك، "فريدريك غيبرد" كما ستشرف على تنفيذه. يحتوي تصميم الملحق على مدرستين: واحدة لحفظ القرآن، والثانية للدراسة العادية. إلى جانب بناية يسكنها كبار السن والعجزة ويشرف عليها القسم الاجتماعي في البلدية، كما سيحتوي على مركز لعقد الزواج وقاعة للحفلات. وسيكلف المشروع 5 ملايين جنيه، وبدأت حملة جمع التبرعات بمناشدة المحسنين من المنطقة وخارجها. ويقول سراج السالكين إن المسجد في صورته الجديدة سيسع أكثر من 10 آلاف مصل، وسيعمل على سد حاجات المسلمين بالخدمات المختلفة، ومنها مدارس للناشئة ومسائية للكبار، وتكوين مركز للشباب والمساهمة في حل المشاكل الأسرية والعائلية، ومساعدة الأرامل والأيتام بالصندوق الخيري، وجمع الصدقات للمحتاجين. كما أن المسجد ينظم أياماً مفتوحة لغير المسلمين ليتعرفوا على الدين الإسلامي، وينظم محاضرات كل أسبوع. وسيشتمل المسجد بعد توسعته على "منتدى للشباب والسيدات ومركز لحضانة الأطفال". ويضيف سراج السالكين ان مسجد شرق لندن هو ثاني مسجد يسمح له بالآذان بمكبرات الصوت في لندن... إنه صوت يصل إلى آذان أكبر جالية إسلامية في أوروبا.